وزيرة حقوق الإنسان العراقية لـ«الشرق الأوسط»: سجوننا لا تكفي لاستيعاب المعتقلين لدى الأميركيين

قالت إن الانتهاكات الأميركية أكثر مما هو مُعلَن.. ومحاكمة موظفي «بلاك ووتر» بعد عام

TT

دافع خمسة عناصر أمن من شركة بلاك ووتر، كانوا يعملون لحساب وزارة الخارجية الأميركية في العراق، عن براءتهم في واشنطن، من تهمة إطلاق النار على مدنيين عراقيين عزل ببغداد، في 16 سبتمبر (أيلول) 2007، مما أدى إلى مقتل 14 شخصًا.

وقال المتهمون الخمسة، الذين تتراوح أعمارهم بين 24 و29 عامًا، وكانوا موجودين في قاعة المحاكمة أول من أمس، إنهم أبرياء من 35 تهمة موجهة إليهم. وحسب وكالة الصحافة الفرنسية، وبعد الاستماع إلى طرفَي الادّعاء والدفاع، حدد القاضي الفيدرالي ريكاردو أوربينا 29 يناير (كانون الثاني) 2010 موعدًا للمحاكمة. ويواجه المتهَمون في حال إدانتهم، احتمال الحكم عليهم حتى عشر سنوات لكل عملية قتل، وسبع سنوات لكل محاولة قتل، و30 عامًا من السجن الإلزامي لانتهاكهم قوانين السلاح.

إلى ذلك، قالت وزيرة حقوق الإنسان في العراق وجدان ميخائيل، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «الجانب الأميركي، عندما يتعامل مع هذه القضايا، يتعامل معها باتجاهين: الأول بالتعويضات المالية، والثاني هو الجانب الجنائي، وبالنسبة إلى التعويضات فقد تم إعطاء الكثير من أهالي الضحايا تعويضات مالية، من قِبل الأميركيين، وبالنسبة إلى الجانب الجنائي، فقد تمت إحالة القضية إلى المحاكم الجنائية من قِبل الأميركيين. والقانون الأميركي لا يحيل القضية بهذه السهولة إلا بعد التدقيق في الأوراق التحقيقية، وثبوت وجود قضية جنائية».

وأضافت الوزيرة أنها تطَّلع، وبشكل أسبوعي، على تقارير تُرفع إليها من قيادة القوات الأميركية عن جرائم وانتهاكات، وحتى إعلام بمحاكمات لجنود قاموا بأفعال يعاقب عليها القانون العسكري الأميركي أو القانون الجنائي الأميركي، مشيرة إلى أن هذه المحاكمات تجرى، وبحسب القانون الأميركي، في أميركا أو داخل وحداتهم العسكرية وليس المحاكم العراقية.

وأضافت وجدان ميخائيل أن عدد القضايا المتعلقة بالجرائم التي اقترفتها القوات الأميركية والمحالة إلى المحاكم الأميركية، أكثر بكثير من تلك التي يسلط عليها الضوء إعلامياً، وقالت: «أنا شخصياً أطَّلع على كل ما يجري، وتقريباً كل أسبوع أطّلع على عدد من القضايا تضاف لسابقاتها».

وبشأن أهم المتغيرات التي طرأت بعد دخول الاتفاق الأمني حيز التطبيق مطلع العام الحالي والمتعلقة بطريقة التعاطي مع الخروقات التي حدثت أو ستحدث على يد القوات متعددة الجنسيات في العراق، بيَّنت الوزيرة أن «طبيعة العلاقة والتعاطي بين القوات الأميركية والجانب العراقي بالتأكيد، شهدت متغيرات كثيرة، فكما يعلم الجميع أن هذه القوات كانت ومنذ عام 2003 وحتى 1/1/2009 تتمتع بحصانة أو غطاء قانوني تم إقراره عن طريق قرارات مجلس الأمن الدولي، لكن الوضع الآن اختلف عن السابق، فأول شيء حصل هو أن مجلس القضاء العراقي أعطى الضوء الأخضر لكل المحاكم ومراكز الشرطة باستلام شكاوى المواطنين حول أي خرق أو أي انتهاك تقوم به القوات متعددة الجنسيات، أو القوات الأميركية خاصة، والقضاء العراقي سينظر فيها، ومن حق أي مواطن المطالبة بتعويض عمَّا تعرض له من انتهاكات أو خسائر تكبدها سواء كانت مادية أو معنوية».

وبينت أن «جميع المسائل الثنائية ستدار عبر لجان مشتركة، حيث اتفق الجانبان، ومن خلال بنود الاتفاقية الأمنية، على تشكيل لجان تنسيقية، بعض من هذه اللجان خاصة بموضوع تنظيم العلاقات الخاصة بسيادة القانون والمعتقلين الموجودين لدى الأميركيين، كما أن هناك لجاناً تنسيقية أخرى كثيرة، وفي مختلف المجالات التي تخصنا نحن كوزارة حقوق إنسان دخلنا في اللجنة الخاصة بسيادة القانون ونقل المعتقلين ونحن جزء منها كجهة رقابية على الموضوع». وأضافت أن «هذه اللجنة باشرت فعلاً بالبت في تفاصيل نقل ملفات المعتقلين من الأميركيين للجانب العراقي»، وقالت إن «هناك 16 ألف معتقل لدى الأميركيين، ولا أتوقع أننا قادرون على استلام هذا العدد، فلا توجد إمكانيات لاستلام هذا العدد دفعة واحدة، ولهذا اتفقنا مع الجانب الأميركي على أن يستمروا بإطلاق سراح المعتقلين من قبلهم، وخلال الفترة القادمة نقوم بدراسة الملفات». وأضافت «أن الأميركيين وضمن خطة إطلاق سراح من لم تثبت إدانته قاموا بإطلاق عدد كبير، ودليل ذلك نزول العدد من 23 ألف معتقل إلى 16 ألفاً خلال أربعة أشهر أو أقل، وهناك آلية أخرى تم تطبيقها تكمن في أننا لن نستلم المعتقل من المعتقلات الأميركية ونُودِعه سجناً عراقياً، بل سنأخذ ملفاتهم فقط مع بقائهم عند الأميركيين لعدم وجود سجون تستوعب أعداداً كبيرة من المعتقلين، وسنكتفي بدراسة ملفاتهم ومتابعتها من قبل لجان من مجلس القضاء ولجان أولية من المحققين العدليين والادعاء العام لمراجعتها، وعند ثبوت أدلة تدين المعتقل سيحال إلى القضاء العراقي لإصدار حكم في حقه، وإذا لم نجد ما يدينه فسيتم إطلاق سراحه مباشرة من المعتقل الأميركي».

وعن قضية الفتاة العراقية عبير الجنابي التي اغتُصبت من قبل جندي أميركي في منطقة المحمودية، بينت الوزيرة أن «محكمة أميركية ستنظر في القضية ضد الجندي الذي من المتوقع أن يحكم عليه بالإعدام، ونعمل حالياً على نقل الشهود إلى أميركا؛ ليدلوا بشهادتهم أمام المحكمة»، مؤكدة أن «الجانب الأميركي أعطى عائلة عبير تعويضات مالية، لكن القضية الجنائية مستمرة تقريباً وننتظر الحكم». يُذكر أن محكمة عسكرية أميركية كانت قد أصدرت حكماً بالسجن 110 سنوات بحق الجندي جيسي سبيلمان، بتهمة اغتصاب عبير عندما كانت في الـ 14 من العمر، وقتلها مع والديها وشقيقتها وإحراق منزل عائلتها.

وكان سبيلمان أكد براءته من تهمة اغتصاب وقتل عبير قاسم حمزة الجنابي، وقتل أفراد عائلتها، لكنه أقر بتهم أقل من بينها الإحراق العمد وعرقلة عمل القضاء. لكن المحكمة رأت أنه كان ضمن مجموعة جنود قاموا باغتصاب وقتل عبير الجنابي وقتل والديها وشقيقتها وإحراق منزلهم في المحمودية.