أصوات إسرائيلية بدأت تدعو إلى وقف العمليات الحربية في غزة

بعد التأييد الأولي الكبير للعدوان

TT

بعد التأييد الجماهيري والسياسي والإعلامي الجارف للعمليات الحربية العدوانية ضد قطاع غزة في بدايتها، بدأت تسمع أصوات اسرائيلية عديدة ومتنوعة تطالب بوقفها، إن كان ذلك في وسائل الاعلام أو في المظاهرات أو في الغرف المغلقة. ولكن هذه الحملة لم تصل بعد إلى مستوى التأثير على الحكومة لوقف الحرب، وما زالت تبدو بعيدة عن ذلك.

وكانت الصحافة الإسرائيلية قد مهدت الأجواء لهذه الحرب منذ استئناف اطلاق الصواريخ الفلسطينية على البلدات الجنوبية في إسرائيل، في 4 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. ففي حينه بادرت إسرائيل إلى خرق التهدئة عندما دخلت قوة كوماندو الى القطاع وقتلت ستة مسلحين من حركة حماس وفجرت نفقا ادعت انه استهدف الوصول إلى الأراضي الإسرائيلية وتدمير بلدة إسرائيلية كاملة بواسطة تفجير أطنان من المتفجرات فيها.

وردت حماس باستئناف إطلاق الصواريخ يوميا وبإعلان وقف التهدئة. وخلال كل هذه الفترة جرى حض الحكومة على الرد على حماس وتصفية بنيتها العسكرية التحتية. وحسب الباحثة نوعمي شيفي، فإن الصحافة الإسرائيلية لم تؤد هذا الدور في اطار خدمة المصلحة الوطنية العليا للدولة بل خدمة جهات معينة في قيادة الدولة. ومن قرارات الحرب يتضح ان الحكومة كلها تقف مؤيدة، باستثناء وزير الثقافة والعلوم والرياضة، غالب مجادلة، وهو الوزير العربي الوحيد في حكومة اسرائيل. وتغيب بشكل تظاهري عن جلسة الحكومة التي قررت الانطلاق للحرب واحتج عليها علنا، فوبخه رئيس الوزراء، ايهود أولمرت، على ذلك، ولكنه رفض الاقتراحات بإقالته من الحكومة.

واختير لادارة الحرب من طرف الحكومة، كل من رئيسها، أولمرت، ونائبيه وزيرة الخارجية، تسيبي ليفني، ووزير الدفاع ايهود باراك، اضافة الى قيادة الجيش. وامتعض باراك من ادخال ليفني الى هذا الاطار قائلا انها لا تستطيع المساهمة بأي شيء في هذا الاطار، ولكن أولمرت رفض احتجاجه. وأبقاها في الطاقم القيادي، وذلك ليس حبا فيها ولا ايمانا بقدراتها، بل لأنه يريد المساس بباراك ومكانته. فهو لا يزال يضمر له ضغينة وحقدا لأنه يتهمه بالمسؤولية الأولى عن الاطاحة به من رئاسة الحكومة. ولكن خلال الحرب يبدو ان هذا الثالوث يعمل بتعاون كامل، باستثناء حادثة واحدة وقعت يوم الأربعاء الماضي، عندما سرب باراك الى الصحافة أمر مبادرة وزير الخارجية الفرنسي، برنار كوشنير، لوقف اطلاق النار ليومين من أجل سد الاحتياجات الفلسطينية الحيوية في القطاع. وقال باراك انه يؤيد المبادرة. وفي حينه هاجمه أولمرت وليفني واعتبر موقفه خنوعا ويبث ضعفا اسرائيليا من دون أساس. ولكن أولمرت عاد لتصحيح الوضع فدعا كلا من باراك وليفني الى لقاء مصالحة في اليوم التالي وواصلوا معا ادارة الحرب بتعاون كامل.

وحظيت هذه الحرب من اللحظة الأولى بدعم من المعارضة الحزبية في اليمين واليسار على السواء، بل ان رئيس الليكود بنيامين نتنياهو أعلن عن وقف حملته الانتخابية ضد حزبي «كديما» و«العمل». ودعاه أولمرت الى عدة لقاءات خلال الحرب وطلب منه أن يساهم في شرح الموقف الاسرائيلي في العالم. والأحزاب الوحيدة التي عارضت الحرب في اسرائيل هي الأحزاب العربية، وبينها الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، بقيادة محمد بركة، التي تضم عناصر يهودية من أنصار السلام. ووقفت ضد الحرب أيضا مجموعات من حركات السلام، التي تعتبر صغيرة ومحدودة النفوذ ولكنها مثابرة في السعي للسلام.

بيد ان هذه الوحدة لم تدم طويلا. وفي اللحظة التي بدا فيها إن الغارات الجوية الاسرائيلية لا تلحق الاضرار في حماس بل بالمدنيين وتدمر مقومات الحياة الانسانية وتتسبب في نقص في المياه والكهرباء وتفجر مشاريع المجاري وتنشر الأمراض وتدمر الجهاز الصحي، وبالتالي تفجر مشاعر الغضب والكراهية لاسرائيل في العالم العربي وسائر دول العالم، بدأت تسمع أصوات أخرى. وقرر حزب «ميرتس» اليساري (5 نواب في الكنيست)، تغيير موقفه تماما ونشر يوم الجمعة الماضي اعلانا ضخما يقول فيه انه يعارض الحرب كما تدار اليوم ويعتقد ان السبيل لوقف اطلاق صواريخ القسام على البلدات الجنوبية يجب أن يكون في المسار السياسي ودعا إلى التفاوض الإسرائيلي المباشر مع حماس. وفي اليوم نفسه خرجت تسع نساء يهوديات من امهات الجنود المحاربين يطالبن بوقف الحرب والجنوح الى السلام، ومثل هذا النشاط يلفت النظر في اسرائيل، حيث ان حملة النضال من أجل انسحاب اسرائيل من لبنان بدأت في حينه بمظاهرة لأربع امهات وانتهت بانسحاب اسرائيلي في سنة 2000. وأقيمت في اليوم التالي (السبت) مظاهرة للجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة شارك فيها مئات اليهود في تل أبيب. وكان من الممكن أن يشارك فيها ألوف لو وافقت الجبهة على طلب الشرطة الالتزام بعدم رفع العلم الفلسطيني.

ومنذ يوم الأحد، لم تخل صحيفة اسرائيلية من مقالات عدة تطالب بوقف الحرب. ونشرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» اول من أمس مقالا على صفحتها الأولى يدعو الى وقف القتال. ونشرت أمس مقالات أخرى في جميع الصحف تعارض استمرار الحرب. وحذرت «هآرتس» من اضاعة فرصة زيارة الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، واعادته من دون نتيجة. وقالت ان ساركوزي يفتح أمام اسرائيل طاقة أمل للوصول الى اتفاق تهدئة جديد مريح لاسرائيل ومدعوم عالميا، وعلى اسرائيل ان لا تصده وأن تتذكر ان رفض مبادرة ساركوزي سيكلف اسرائيل ثمنا باهظا بالأرواح.

* لنتعلم من الشيشان

* الكاتب الصحافي اليميني، بن درور يميني، يكتب في «معاريف» ان كل الاسرائيليين ملتفون حول هدف تصفية «حماس». ولكن السؤال الذي يطرح، هل العمليات الحربية في قطاع غزة اليوم تستهدف تحقيق هذا الهدف وفق خطة حرب مدروسة بالتفصيل، أم ان ما يجري هو انجرار وراء قادة حماس للدخول في حرب استنزاف طويلة الأمد.

فعلى اسرائيل ان تدرس التجربة الروسية في الشيشان، التي فشلت حتى الآن في القضاء على الارهاب الأصولي الاسلامي. فهناك دولة ذات حوالي مليون نسمة، أقل من عدد سكان غزة، تطالب بالاستقلال. خلال السنوات 1994 – 1996، دارت حرب دامية كان من المفترض أن تتمكن الدولة العظمى روسيا من مسحها عن وجه الأرض. لكن هذا لم يحدث رغم ان الروس اجتاحوا البلاد واحتلوها بيتا اثر بيت. فاضطروا الى التراجع. ووقعوا اتفاقا، ليس للاستقلال بل لشيء قريب من هذا. مرت ثلاث سنوات، شهدت فيها روسيا عدة عمليات ارهاب، ثم عادت الى الحرب. وهذه المرة بقيادة الرئيس المتشدد فلاديمير بوتين. الحربان أدتا الى دمار هائل ويقدر عدد القتلى الشيشان بين 80 و 300 ألف وألوف القتلى الروس. ورغم ان الشيشان ليسوا فلسطينيين ونحن لسنا روسيا وان الشيشان لم يحظوا بحملة تضامن ضخمة مثلما يحظى الفلسطينيون وان للشيشان لم يكن دعم من الأمم المتحدة ولم تكن لهم قنوات فضائية تدعمهم وألف كاميرا تلفزيونية من العالم، فإن الحرب الروسية هناك لم تحقق الهدف. ومع ذلك فأنا أقول اننا سننجح ولكن ليس بالانجرار وراء الاستفزازات الحماسية.

* نحن عصابة

* ويكتب النجم التلفزيوني، عوفر شلح، ان من يحارب عصابات مثل التنظيمات الفلسطينية في غزة يجب أن لا يضحك على نفسه ويدعي انه يدير حربا منظمة ذات مبادئ مهنية ونظريات. سيكون عليه ان يتصرف كعصابة. فما يجري في قطاع غزة ليست حربا اسرائيلية جاءت لمحو عار حرب لبنان، انما هي انجرار وراء أساليب حماس التي يقتل فيها أطفال ونساء وأناس أبرياء آخرون. والسبب في ذلك ان في اسرائيل لا توجد قيادة قوية تتخذ قرارات سياسية شجاعة لحل هذه المعضلة، وليس فقط من خلال القوة.

* الحمد لله أن والديّ توفيا

* الكاتبة الصحافية، عميرا هاس، كتبت مقالا في «هآرتس»، حمدت فيه الله على ان والديها توفيا في سنة 1991 ولم يتح لهما أن يشاهدا الضحايا الفلسطينيين للقصف الاسرائيلي الهمجي على قطاع غزة.

ووالدا هاس هما من اليهود الذين عانوا الأمرين من التمييز العنصري والمطاردات ضد اليهود في أوروبا، التي بلغت ذروتها في محاولة النازية ابادة اليهود. وكما تقول فإن والديها صعقا في حينه من العمليات الحربية الاسرائيلية في لبنان سنة 1982، فما الذي كان سيصيبهما لو انهما رأيا بشائع الحرب الاسرائيلية في غزة.