فريق الاستخبارات التابع لأوباما يدخل مرحلة جديدة في محاربة الإرهاب

رؤساء أجهزة الاستخبارات الجدد لن يكملوا سياسة إدارة بوش

TT

مع تقديم الرئيس المنتخب باراك أوباما، يوم الجمعة، لفريق الاستخبارات التابع له، من المتوقع أن تدخل الولايات المتحدة في مرحلة نُظر إليها على أنها المرحلة الثانية في حملة مكافحة الإرهاب التي انطلقت بعد الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001.

وقد وعد أوباما ومرشحو كبار العملاء بالابتعاد التام عن سياسات إدارة الرئيس بوش، عبر تركيز الانتباه بصورة أكبر على ما ينوون إلغاءه، الذي سيكون من بينه، إغلاق معتقل غوانتانامو، ووقف استخدام وكالة الاستخبارات المركزية لأساليب الاستجواب «المطورة». غير أن الإدارة المقبلة، لم تكن واضحة بشأن ما ستقدمه من برامج بديلة، لتحل محل تلك التي أحدثت الكثير من الإدانة من غالبية دول العالم، والتي كانت دائماً تشيد بها إدارة الرئيس بوش على أنها عامل رئيسي في الحفاظ على أمن البلاد.

ويواجه الفريق، الذي تم تقديمه يوم الجمعة، مهمة ضخمة، تتركز حول كيفية الإجابة عن تفاصيل خطط الفترة المقبلة. ويتوقع الكثير من أعضاء مجلس النواب ومسؤولي الاستخبارات أن يجد دنيس بلير، الأدميرال البحري المتقاعد والمرشح لرئاسة الاستخبارات الوطنية، وليون إي بانتا، الذي اختاره أوباما ليرأس وكالة الاستخبارات المركزية، نفسيهما وسط نقاش حاد. وتقول جين هارمن النائبة في الكونغرس، التي قدمت مشروع قانون «فريداي» لإغلاق معتقل غوانتانامو، الذي يماثل مسودة القانون التي قدمت في مجلس النواب: «نحن بحاجة إلى حديث عن هذه المشكلات مرة أخرى».

وتشير هارمن إلى أن الولايات المتحدة لم تقم بعد مضي أكثر من سبع سنوات على أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001، سوى بوضع استراتيجيات بعيدة المدى للتعامل مع المعتقلين، فتقول «كيف يمكن أن نفهمها؟، وأين ذهبت؟، وما هي العملية التي ستمر من خلالها تلك الاستراتيجيات؟ والمتوقع من إدارة أوباما أن تقوم بتنفيذ تلك الاستراتيجيات».

وفي الوقت ذاته، أوضح مسئولو الاستخبارات السابقون والحاليون، أن هناك فروعاً أخرى في جهاز إدارة بوش لمكافحة الإرهاب، قد يجد أوباما وفريقه صعوبات في إنهاء عملها، إن لم يدعمها بشكل كامل.

ومن تلك الصعوبات، السجون السرية خارج الولايات المتحدة، التي تديرها وكالة الاستخبارات المركزية ـ والتي لا تخضع لإشراف الصليب الأحمر الدولي ـ إضافة إلى استخدام طائرات «بريداتور» التي تعمل بدون طيار، لإطلاق الصواريخ على المواقع المشتبه بها لنشطاء «القاعدة» وطالبان في باكستان، التي غالبا ما توقع ضحايا مدنيين.

ويبدو أن أوباما قد ترك مساحة من التراجع في تعليقه يوم الجمعة، عندما تعهد بأن تقوم إدارته «بالعمل وفق القيم الأميركية، طالما أننا نقوم بحماية أمننا دون استثناءات».

وذكر أوباما في ملاحظته، برامج الاستجواب التي كانت تمارسها وكالة الاستخبارات المركزية على وجه الخصوص، دون التطرق إلى ترسانة الاستخبارات الأخرى، التي ربما تكون أمراً يصعب تنحيته. وتوقع ريتشارد كلارك أحد كبار مسؤولي مكافحة الإرهاب السابقين، الذي قام بتقديم الاستشارة إلى فريق بوش، والذي يتوقع أيضاً أن يكون من بين فريق سي إس إيه المقبل، ألا يكون أوباما أقل شراسة في مطاردة «القاعدة»، فيقول «دأب أوباما على التحدث عن استخدام القدرات العسكرية المتاحة لدينا في أفغانستان للتعامل مع الإرهاب، وهو ما يوضح كل شيء».

ومع ذلك، يشير كلارك إلى أنه يعتقد أن الإدارة الجديدة لن تنتهج سياسة الاستجوابات التي تنتهجها وكالة الاستخبارات المركزية فقط، بل ستقوم بإحداث تغييرات شاملة في البرامج السرية الأخرى. وعندما سئل عن السجون السرية الأخرى عبر العالم، قال كلارك: «أعتقد أنها ستغلق، لكن ذلك لن يكون بداية عمل الإدارة الجديدة».

وقد تم تطوير برنامج السجون السرية الأميركية في أعقاب الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001، ليضم مجموعة من المنشآت السرية، تمتد من أوروبا الشرقية، حتى تايلاند، لكن الولايات المتحدة قامت في عام 2006 بالاستجابة للضغوط التي مورست عليها من بعض الحكومات الغربية، وأغلقت تلك السجون، وقامت بترحيل 14 معتقلاً كانوا بها ـ من بينهم خالد شيخ محمد، الذي اعترف بمسؤوليته عن هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001 ـ إلى معتقل خليج غوانتانامو. بيد أن الإدارة احتفظت بجوهر البرنامج سليماً، حيث يعتقد أن الوكالة تدير منشأة سرية بالقرب من أفغانستان، ويشير الخبراء إلى أنه إذا ما أغلقت تلك السجون، إضافة إلى معتقل غوانتانامو، فإن الإدارة الأميركية ستواجه مأزقاً بشأن المعتقلين الذين لا ترغب في الإفراج عنهم. ويقول دانيال بايمن خبير الإرهاب في جامعة جورج تاون، والمحلل السابق بوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية: «إن قضية الاعتقال الوقائي قضية خادعة، فهي أداة شاملة وخطيرة، إذا ما وقعت في أيدٍ خاطئة، لكن هل تود أن تكون أنت الذي أطلق سراح هذا الجهادي الذي يمكن أن يقتل شخصاً ما؟».

من المتوقع أن يقرر فريق أوباما الاحتفاظ بتلك السجون التي تديرها وكالة الاستخبارات المركزية، وفق إطار عمل معدل، حيث يسمح للمرة الأولى بزيارتها من قبل مراقبين تابعين للصليب الأحمر الدولي، غير أن بعض الخبراء يعتقدون قيام الولايات المتحدة، على الأرجح، بإغلاق سجون السي آي إيه، والاعتماد بصورة أكبر على «الترحيل الاستثنائي للمعتقلين»، وهو ما يعني نقل الأسرى إلى سجون الدول الأخرى.

وكانت الولايات المتحدة قد بدأت تنفيذ تسليم المعتقلين في إدارة الرئيس كلينتون، لكن تلك العملية أصبحت مثارًا للجدل خلال إدارة الرئيس بوش، بسبب قضايا مثل قضية خالد المصري المواطن الألماني الذي اعتقل من قبل وكالة الاستخبارات المركزية، وتم ترحيله إلى أفغانستان، حيث احتجز عدة أشهر في أحد السجون السرية قبل أن يطلق سراحه، نظراً لأنهم قبضوا على الشخص الخطأ، وحال المصري كحال الكثيرين من أمثاله الذين قالوا إنهم تعرضوا للضرب والتعذيب.

ويتهم النقاد الـ سي آي إيه باستخدام برنامج تسليم المشتبه بهم إلى دول ذات سجلات حافلة بالتعذيب، لكن إذا كانت الولايات المتحدة غير راغبة في الاحتفاظ ببعض المشتبه بهم، فإن الخيارات تظل محدودة أمام أوباما. ويقول أحد مسؤولي الاستخبارات السابقين، الذي قدم استشارات لفريق أوباما: «أعتقد أن الصواب أن نتوقع أن يكون أوباما أكثر حذراً بشأن تسليم المعتقلين، لكني لا أتوقع أن تكون هناك سياسة أخرى تكون بديلة للقيام بعملية التسليم». ومن المتوقع أن يتمتع جون برينان مسؤول الاستخبارات رفيع المستوى السابق، الذي تم اختياره من قبل أوباما ليكون مستشاره لمكافحة الإرهاب، بسلطات كبيرة في هذا الشأن. وقد أجبر برينان على الانسحاب من الترشح لمنصب مدير الـ سي آي إيه بسبب علاقاته ببرامج الوكالة المثيرة للجدل، لكنه انتقد تلك الأساليب القاسية في المقابلة التي أجرتها معه قناة بي بي إس في عام 2006 قائلاً: «لا بد أن يكون للجانب المظلم حدود».

وحث مدير وكالة الاستخبارات الحالي مايكل في هايدن على ضرورة أن تكون الوكالة قادرة على استخدام أساليب تحقيق أكثر قسوة من تلك التي يصرح باستخدامها من قبل الجيش الأميركي، بالقول إن أساليب الاستجواب التي تنتهجها الوكالة نابعة من فهم مجتمع الاستخبارات للقاعدة. غير أن تشريعاً قدمه كبار الأعضاء في مجلس النواب، طالبوا فيه بضرورة التزام الوكالة بأساليب الاستجواب الميداني الذي ينتهجه الجيش، وأوضح أوباما يوم الجمعة أنه ينوي القيام بفرض قيود جديدة شاملة.

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» خاص بـ «الشرق الأوسط»