مدارس الجاليات في الولايات المتحدة.. مسارح لتبادل الثقافات

منتقدوها يقولون إن مرتاديها باتوا معزولين عن العالم المحيط بهم

اطفال صوماليون في مدرسة في مينيسوتا (نيويورك تايمز)
TT

ظنّت فارتن ورسام، وهي مهاجرة صومالية، أنها تحسن التصرف عندما نقلت أولادها الخمسة إلى مدرسة ابتدائية معروفة في إحدى الضواحي الراقية لمدينة مينابوليس الاميركية، فالمدرسة فيها ميزات تعليمية، كما أنها قريبة من مكان عملها، ومن ثمّ يمكنها مقابلة المدرسين إذا طلب أحدهم ذلك. ولكن ورسام تقول إن أولادها سرعان ما تغيروا، بعد ان بدأوا يرتادون المدرسة، «أرادوا لبس السراويل القصيرة، وأصبحوا يطلبون شراء أشياء، وكنت أسألهم من أين جاءتهم هذه الافكار». قال لها الأولاد إن هذه هي الطريقة التي تسير عليها الأمور في أميركا. ولكن لم يكن هذا ما يحدث في بيت الأم الصومالية. وهكذا سرعان ما أعادت الأم اولادها إلى المدرسة الابتدائية الدولية، وهي مدرسة تحتوي على 560 تلميذا وسط مينابوليس وأسستها قيادات الجالية الشرق أفريقية التي تعيش في المدينة. وعلى الرغم من الوقت الاضافي الذي يقضيه الاولاد للوصول الى هذه المدرسة، الا ان النتيجة تستحق العناء: خمسة أولاد يتصرفون بطريقة جيدة، وأم تسيطر على كافة مقاليد الأمور داخل المنزل. ينظر إلى مدارس الجاليات، التي تحصل على تمويل حكومي في الولايات المتحدة ولكن لها إدارة مستقلة، على أنها وسيلة لتحسين الأداء الأكاديمي. وبالنسبة للعائلات المهاجرة، تمثل هذه المدارس ملاذا لأطفالهم تحميهم من ثقافة الشباب الأميركية السائدة في المدارس الكبرى. وتشبه المناهج الدراسية في المدرسة الابتدائية الدولية توين سيتيز، المناهج الدراسية التي يتم تدريسها في المدارس العامة الأخرى، والتي لها أهداف تعليمية كبيرة. ولكن في مدرسة توين سيتيز، تقول الفتيات إن بامكانهن ارتداء غطاء للشعر بحرية ومن دون أن يتعرضن للمضايقات. كما أن البوفيه يقدم طعاما يتناسب مع ما يردن كمسلمات، وفي كافة الفصول الدراسية يوجد مساعدون من شرق أفريقيا يفهمون احتياجات الطلاب الذين يمكن أن يكونوا قد قضوا أعواما في مخيمات اللاجئين. ويأتي الطلاب الذين يدرسون في مدرسة توين سيتيز الدولية من إثيوبيا وكينيا والصومال والسودان، وعدد قليل منهم من منطقة الشرق الأوسط. وفي وسط موجة الهجرة التي غيّرت شكل مينيسوتا على مدار العقود الثلاثة الماضية، تظهر المدارس الدولية بين ثلاثين مدرسة ضمن 138 مدرسة للجاليات في الولاية، وتركز هذه المدارس بالأساس على طلاب من مجموعات عرقية أو عائلات مهاجرة محددة. وبعد زيارة نحو ست من هذه المدارس، والاستماع إلى مدرسين وأولياء أمور، بعضهم من المهاجرين الصوماليين الذين ينظر إليهم على أنهم جدد نسبيا في ولاية مينيسوتا، وبعضهم مهاجرون لاتينيون يعيشون في الولاية منذ عقود، ندرك أن طموحات الأم ورسام بشأن المستوى التعليمي لأولادها، ومخاوفها، أمر شائع. يقول مارسيلو سوارز أوروزكو، المدير المشارك المسؤول عن دراسات الهجرة في جامعة نيويورك، «الأمر الجيد هو أن أطفال المهاجرين يتعلمون الانجليزية بصورة أفضل وأسرع مما كان عليه الحال في أي وقت، ولكنهم يتعايشون في مجتمع ينظر إليه آباؤهم على أنه مخيف جدا ويمتلئ بالتهديدات، فهو مجتمع يعادي السلطة وضد التعليم». ويقول بعض النقاد ان هذا النوع من المدارس يسهم في فصل التعليم العام من جديد، كما أنه يسير ضد فكرة قديمة تقول إن المدارس العامة هي المؤسسة الأولية لما يسمى «إناء الذوبان»، الذي يمثل الوسيلة التي تضمن هوية أميركية مشتركة بين المهاجرين القادمين من بلدان مختلفة. ويقول ديان رافيتش، وهو مؤرخ تعليمي، «من الأسباب الأساسية في دعم المجتمع الأميركي للمدارس العامة، توفير ثقافة مدنية سليمة لكل فرد، وهي الثقافة التي يتم الحصول عليها من خلال التعلم مع آخرين من ثقافات مختلفة».

ولكن الدكتور سوارز أوروزكو يقول ان معظم المهاجرين الجدد قد أصبحوا معزولين داخل المدارس العامة، وأن عدد كبير منهم أصبحوا يشعرون بالعزلة بمرور الوقت ولم يتمكنوا من التخرج. ويشير إلى أن مكانا مثل ولاية مينيسوتا، التي تتمتع بحركة مدارس عامة قوية، يمنح للآباء المهاجرين، الذين يقفون ضد أمركة أولادهم، دورا قويا في عملية تعليم أولادهم، كما أنه يظهر حرصهم على المشاركة في العملية الديمقراطية. ويضيف، «ما يقوله الآباء هو أنهم يريدون تعايش الأولاد وأن يتبادلوا الثقافة، ولكنهم، مع ذلك يريدون المشاركة في هذه العملية». ويقول علي سامو، وهو والد يبلغ من العمر 70 عاما ولديه ثلاثة أولاد في المدارس الدولية، «نربي أبناءنا هنا لأننا نريد منهم أن يكونوا قريبين منا، حتى لا يضيعوا». في صبيحة أحد أيام الأسبوع، تجمع عدد من أهالي الاولاد، بينهم ورسام وسامو، لعقد اجتماع في مكتبة المدرسة التي انتشرت على رفوفها العديد من القصص الكلاسيكية الأميركية. قال سامو إن التيه في أميركا يعني أن تضيع ثقافتك ولغتك وهويتك، إنه يعني التصرف مثل المراهقين الذين يراهم الآباء في الشارع، يرتدون ملابس الجينز الواسعة، ويدخنون ويتعاطون المخدرات ويسخرون من كبار السن. وأضاف، «أنا هنا في أميركا، وقد لاحظت ذلك، لقد رأيت أولادا يتعاطون المخدرات». وافقه الآباء من حوله على هذا الكلام. وقال جليل عبد الإله إن مما أحزنه أن وجد ابنيه اللذين يذهبان إلى مدرسة كبيرة، لا يعرفان التحدث بالصومالية. ويقول عبد الإله: «إنهما ليسا أميركيين ولا صوماليين».

* خدمة «نيويوك تايمز»