سياسي سوداني يستبعد تحالف المعارضة مع الغرب لخلق «كرزاي» سوداني

اختبارات صعبة تواجه اتفاق السلام بين الشمال والجنوب في عامه الرابع

TT

قال الكاتب والمحلل السياسي السوداني الدكتور حسن مكي لـ«الشرق الأوسط»، إن «صدور قرار من المحكمة الجنائية الدولية في حق الرئيس عمر البشير بشأن جرائم الحرب في إقليم دارفور يخلق أزمة مفتوحة على كل الاحتمالات». ورسم مكي، وهو أستاذ العلوم السياسية في جامعة افريقيا العالمية، 3 سيناريوهات محتملة حال صدور القرار، وهي ان يقوم مجلس الأمن الدولي بتعليق تنفيذ القرار، استنادا للمادة 16 من ميثاق الأمم المتحدة، والثاني: ان يقبل مجلس الأمن القرار ويصطحب عملية تنفيذ بسلسلة عقوبات سياسية واقتصادية على السودان، وربما عقوبات اخرى لم يحددها، والثالث: ان يرى مجلس الأمن الدولي ان الشعب السوداني لا علاقة له بما يجري وانما الامر يتعلق بشخص البشير، وبالتالي يفرض العقبات عليه بمنع الاتصال السياسي معه، ومنع السفراء من اعتماد وجودهم في الخرطوم من قبل الرئيس السوداني، بحيث يكون البديل لهذه المهمات هو النائب الأول.

وقلل مكي من احتمالات حدوث اية تداعيات سياسية مناوئة أو سالبة، على حد تعبيره، من قبل القوى السياسية السودانية، عن طريق خلق تحالف مع الغرب لخلق «كرزاي» سوداني يتولى الحكم في البلاد على النمط، الذي جرى في افغانستان بعد اقصاء حكومة طالبان، وقال «هذا الاحتمال غير وارد في السودان». غير ان مكي لم يستبعد ان يؤثر القرار بشكل أو آخر على مجمل الملفات السودانية المفتوحة، واضاف ان «صدور القرار يخلق ازمة مفتوحة على كل الاحتمالات، تتشكل في اي اتجاه من الاتجاهات السودانية».

وحسب تقرير لرويترز تهدد سلسلة من العواصف السياسية، التي تلوح في الافق بالسودان هذا العام، يمكنها تدمير اتفاق السلام بين الشمال والجنوب.

وفي حين تركز الاهتمام بشكل كبير على الصراع في دارفور بغرب السودان في الاونة الاخيرة، فان الاتفاق الذي أتم عامه الرابع الجمعة الماضي لانهاء اكثر من 20 عاما من الحرب بين الشمال والجنوب يبدو مهزوزا اكثر من اي وقت مضى، مع اقتراب المواعيد المحددة لتنفيذ الوعود التي قطعت عند التوصل للاتفاق.

ومن المقرر اجراء الانتخابات بحلول يوليو (تموز) قبيل استفتاء على استقلال الجنوب بحلول عام 2011. لكن قضايا أساسية مثل وضع الحدود بين الشمال والجنوب لم تحل بعد. وفوق كل هذا ما اذا كان الرئيس عمر حسن البشير سيواجه أمرا باعتقاله من المحكمة الجنائية الدولية بشأن الاتهامات بارتكاب جرائم حرب في دارفور.

وفي الوقت نفسه سيخفض تراجع أسعار النفط العالمية الميزانيات الرسمية في الشمال والجنوب بشكل كبير، مما ينهي الطفرة التي استمتع بها الجانبان لسنوات.

وقال جون رايل من معهد ريفت فالي، وهو مؤسسة بحثية تغطي شؤون شرق افريقيا، «سيكون هذا أصعب عام حتى الان، وهذا لان عددا من المشاكل المعروفة بدأت تتجمع».

وتشمل هذه المشاكل ما سيصل اليه تعداد وطني للسكان وتحديد موعد لاجراء الانتخابات وبنود تشريع جديد خاص بالاعلام والأمن الى جانب الخلافات بشأن الحدود.

وفي الوقت الحالي ستجري المواجهات حول هذه النقاط العالقة الخاصة باتفاق السلام الشامل لعام 2005 على مائدة المفاوضات. لكن خطر عودة الصراع المسلح حقيقي. ووقعت اشتباكات متفرقة بين جيشي الشمال والجنوب منذ توقيع اتفاق السلام، كان اخرها العام الماضي في بلدة ابيي النفطية، التي يزعم كل من الشمال والجنوب أحقيته بها. وقد تسوء هذه المشكلة مجددا هذا العام.

وذكر تقرير للمنظمة الدولية للاجئين وهي منظمة مساعدات مقرها الولايات المتحدة أن «السودان دخل فترة مضطربة من تطبيق اتفاق السلام الشامل. خطر انتشار أعمال العنف شديد».

ومن المقرر صدور نتيجة احصاء سكان السودان في فبراير (شباط). وأشار ساسة من الجنوب الى أنهم سيرفضون اي تعداد يظهر أن عدد الجنوبيين بين السكان، الذين قدر عددهم في ما سبق بنحو 40 مليون نسمة، يقل عن 15 مليونا. وبموجب بنود اتفاق السلام فان أي اثبات على أن سكان الجنوب يمثلون أقل من ثلث اجمالي عدد سكان السودان سيؤدي الى اعادة حساب حجم المال الذي يتدفق من عائدات النفط بالبلاد على جوبا عاصمة المنطقة.

والقضية التالية المثيرة للخلاف هي موعد الانتخابات. ومن الممكن أن يؤدي تأجيلها الى ارجاء الاستفتاء على انفصال الجنوب.

وقال وزير اعلام الجنوب غابرييل تشانجسون تشانج، ان قلة التخطيط يمكن أن تخلق ضغوطا هائلة وتؤدي الى انفصال المنطقة فجأة. وأضاف، قد يكون هذا وضعا خطيرا للغاية... من المؤكد أن هذا سيكون عاما ينطوي على تحديات.

وبعيدا عن هذا اتهم حزب الحركة الشعبية لتحرير السودان الجنوبي، الشمال بمحاولة عرقلة التشريع الخاص بالاعلام والأمن القومي وقضايا أخرى، وكلها أمور ينظر اليها على أنها متطلبات لاجراء انتخابات واستفتاء يتسمان بالحرية والنزاهة. كما أن هناك ضغوطا من خارج اتفاق السلام.

أقربها هو قرار المحكمة الجنائية الدولية، بما اذا كانت ستصدر امر اعتقال ضد البشير. ويتوقع أن يصدر قضاة المحكمة قرارا في غضون أسابيع. واذا وجهت للبشير اتهامات فمن المؤكد أن هذا سيؤدي الى تفجر قتال كبير بين الخرطوم ومتمردي دارفور الذين يشكون ايضا من اهمال الحكومة المركزية لهم. وقد يعني هذا تغيرا في ميزان القوى والقوات ايضا بين الشمال والجنوب.

ثم هناك الادارة الاميركية الجديدة تحت قيادة باراك اوباما، الذي لم يعلن بعد ما اذا كان سيواصل التفاوض مع السودان، كما فعلت ادارة الرئيس الاميركي الجمهوري جورج بوش، او يسير على نهج بيل كلينتون السلف الديمقراطي لبوش، الذي كان ينطوي على قدر اكبر من المواجهة.

والاقتصاد من عوامل التعطيل الكبيرة الاخرى نظرا لتراجع أسعار النفط الخام، الذي مثل اكثر من 60 في المائة من صادرات السودان العام الماضي. ولا يزال بعض المعلقين متفائلين، اذ يقولون ان مجرد صمود الاتفاق لهذه المدة انجاز. ويقول ديريك بلامبلي، رئيس لجنة التقدير والتقييم، وهي الهيئة الدولية المعنية بمراقبة اتفاق السلام بين الشمال والجنوب، ان «الاتفاق انجاز مذهل. لقد استمر وهناك الكثير لنبني عليه». وأضاف «أعتقد أن علينا أن ننظر الى الوجه الاخر للعملة. ماذا سيحدث اذا تداعى اطار العمل هذا وهذه القاعدة... سيكون هذا كابوسا».