السياسة الخارجية بإشراف كلينتون: توازن دبلوماسي ـ عسكري.. وكل الخيارات مطروحة مع إيران

وزيرة الخارجية المقبلة تعد بـ«زواج المبادئ والتفكير العملي».. و«سياسة ذكية» في الشرق الأوسط

كلينتون في جلسة لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ أمس (رويترز)
TT

أكدت المرشحة لمنصب وزيرة الخارجية الأميركية المقبلة هيلاري كلينتون أمس عزمها إعادة «التوازن الدبلوماسي – العسكري» للسياسة الأميركية الخارجية بعد 8 سنوات من إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش، شهدت تراجع قوة وزارة الخارجية أمام وزارة الدفاع. وأفادت كلينتون، في جلسة لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ أمس لتنصيبها، بأن السياسة الخارجية الأميركية تحت إشرافها، في حال وافق مجلس الشيوخ على ترشيحها، ستكون مبنية على «زواج بين المبادئ والتفكير العملي، بدلاً من الآيديولوجية الصلبة»، في إشارة غير مباشرة إلى السياسة الخارجية في عهد بوش التي قادتها آيديولوجية المحافظين الجدد. وأضافت «الدبلوماسية ستكون الخط الأمامي في السياسة الخارجية».

واعتبرت كلينتون أن «إعادة قيادة الولايات المتحدة من خلال الدبلوماسية يضمن مصالحنا وأمننا وصورتنا في الخارج». وأضافت أن وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس نفسه يؤيد «إعادة الوظائف المدنية إلى الموظفين المدنيين». وقد شهدت السنوات الأخيرة مشاكل بين وزارتي الدفاع والخارجية حول تقسيم مهام في العراق وأفغانستان، تقليدياً كانت مدنية وبات الجيش مسؤولا عنها، مثل التنمية والعمل الدبلوماسي. وقالت كلينتون إن «الأولوية الأولى» في السياسة الخارجية لأوباما ستكون أفغانستان، مضيفة أنه يجب «الاستفادة من دروس العراق والعمل في إطار إقليمي، ولهذا السبب يعد العمل مع باكستان مهماً». وأضافت أن بعض القوات التي سيتم سحبها من العراق سترسل إلى أفغانستان، لكنها شددت في الوقت نفسه على التزام بلادها باستقرار العراق، موضحة: «نحن ملتزمون بإنهاء الحرب بطريقة مسؤولة في العراق والتواصل في أفغانستان». وتابعت: «هناك مجالات عدة سنواصل العمل عليها مع الحكومة العراقية مثل القانون والتعاون التقني والتعليم، وننوي العمل سريعاً مع الحكومة العراقية لوضع الفرق المناسبة لدعم الانسحاب». وكانت إيران على رأس الأسئلة التي وجهت إلى كلينتون أمس، حيث كان أول سؤال من رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ جون كيري، حول كيفية تعامل إدارة أوباما مع إيران. وردت كلينتون قائلة: «سنجرب نهجاً جديداً ربما يكون مختلفاً»، مضيفة: «لا تساورنا أية أوهام: نعلم أنه حتى مع إدارة جديدة تسعى إلى فتح حوار لمحاولة التأثير على موقفها (إيران)، من الصعب توقع النتيجة». وكانت كلينتون أبدت خلال الحملة الانتخابية تحفظاً على رغبة أوباما في فتح حوار مع طهران بدون شروط مسبقة. وأوضحت أمس: «الرئيس المنتخب وعد باتباع هذه السياسة وسنفعل ذلك». ولكنها أردفت قائلة إن أوباما لن يتخلى عن الخيار العسكري لضمان عدم حصول إيران على السلاح النووي. وقالت: «لن نسحب أي خيار مطروح على الطاولة» في التعامل مع إيران. وهذا هو المصطلح الذي استخدمته إدارة بوش في الرد على احتمال استخدام القوة العسكرية لمنع إيران من الحصول على أسلحة نووية. وأكدت كلينتون: «سنعمل كل ما بوسعنا لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي»، مضيفة: «نحن ننظر بقلق للدور الذي تلعبه إيران في العالم من خلال تأييد الإرهاب والسعي للحصول على سلاح نووي». وتابعت: «مهمتنا ستكون العمل على وضع الضغط المناسب لمنع إيران من المضي قدماً» في برنامجها النووي. ولم توضح كلينتون إذا كانت تنوي إجراء اتصالات شخصية بقادة إيرانيين في ردها على سؤال حول الاتصالات المباشرة مع إيران، قائلة إن إدارة الرئيس جورج بوش ما زالت في السلطة حتى 20 يناير (كانون الثاني). لكنها تعهدت باستشارة حلفاء الولايات المتحدة قبل اتخاذ أي قرار. وقالت: «لا نريد أن يأخذ أي من تصريحاتي اليوم أو تصريح للرئيس المنتخب حلفاءنا وأصدقاءنا على حين غرة»، مشيرة إلى أنه على حلفاء الولايات المتحدة وخاصة إسرائيل أن «يعلموا أن إدارة أوباما ستجري مشاورات واسعة ومعمقة وأننا عندما سنتخذ إجراءات سنتخذها بأكبر قدر من التنسيق» معهم. وفي ما يخص السلام في الشرق الأوسط، قالت كلينتون إنها ستعتمد «استراتيجية القوة الذكية» لكنها لم تطرح اقتراحات محددة لتحقيق السلام في المنطقة. وقالت: «الرئيس المنتخب وأنا نفهم رغبة إسرائيل للدفاع عن نفسها في ظل الظروف الحالية والتخلص من صواريخ حماس»، مضيفة: «علينا أن نتذكر الوضع الإنساني التراجيدي بسبب نزاع الشرق الأوسط، ونتألم لمعاناة المدنيين الفلسطينيين والإسرائيليين... وهذا ما يعزز تصميمنا للبحث عن اتفاقية سلام دائم وعادلة تجلب أمناً حقيقياً لإسرائيل وعلاقات طبيعية وإيجابية مع جيرانها، مع الاستقلال والتقدم الاقتصادي والأمن للفلسطينيين في دولتهم». وشددت على أن الحل للوضعية التراجيدية في المنطقة وحماية المدنيين من الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني هو سلام دائم، وأنها ستشجع إسرائيل والفلسطينيين لتحقيق هذا الهدف. وتابعت أن الأحداث في غزة عززت إصرارها وإصرار الرئيس المنتخب أوباما على السعي من أجل التوصل إلى اتفاق سلام عادل ودائم، موضحة: «سنبذل كل جهد لدعم عمل الإسرائيليين والفلسطينيين الذين يسعون إلى تحقيق هذه النتيجة».

وأشارت كلينتون إلى أن واشنطن «ستعزز علاقاتها مع السعودية ومصر والأردن ودول أخرى» في المنطقة لدعم سلام دائم في المنطقة. وأضافت أنها ستعمل على «إقناع إيران وسورية بالتخلي عن سلوكهما الخطر والتحول إلى عامل استقرار إقليمي». وتطرقت كلينتون للوضع في السودان وقالت إن سياسة جديدة ستتبع هناك وإنها ستعلن «إنذاراً» بالنسبة لـ«الكارثة الإنسانية» في دارفور. ولم تستبعد فرض حظر الطيران فوق الإقليم، مؤكدة أنها ستعمل على تسريع نشر القوات الأممية، لكنها قالت إن هناك خيارات كثيرة للتعامل مع الأوضاع في السودان.

وتطرقت كلينتون للأوضاع في أفريقيا، وقالت إن واشنطن «لن تسمح للإرهابيين بملاذ آمن في القرن الأفريقي»، كما ستعمل على إيقاف الحرب في الكونغو وستهتم بالأوضاع في زيمبابوي مع العناية بموضوع الصحة والأوبئة والأمراض والتعليم. وتطرقت كلينتون، في الجلسة التي استمرت عدة ساعات، إلى قضايا عدة منها ضرورة الحد من برنامج كوريا الشمالية النووي والعمل «ضمن إطار الأمم المتحدة» لحل القضايا الشائكة حول العالم. وحول علاقات واشنطن الدولية قالت إنها ستعمل على تعميق العلاقات التقليدية مع أوروبا بالتشاور خاصة مع فرنسا وبريطانيا وألمانيا. وقالت إن الإدارة الجديدة تريد علاقة «إيجابية وتعاونية» مع الصين، لكن ذلك سيعتمد على مواقف الصين، مع تعزيز التحالف مع اليابان. كما أشارت إلى أن الولايات المتحدة ستتعاون مع روسيا للحد من انتشار الأسلحة النووية. وفي مجال التغيرات المناخية أوضحت أن الدبلوماسية الأميركية ستعزز العلاقة مع الجارتين كندا والمكسيك، وكذلك أميركا اللاتينية، التي لم تحظ باهتمام يذكر من خلال عرض كلينتون أو عبر أسئلة أعضاء اللجنة.

ويتوقع أن يصوت مجلس الشيوخ غداً على تثبيت كلينتون في منصبها وزيرة للخارجية، ولا يتوقع أن تواجه معارضة شديدة. إلا أنها مضطرة لتقديم المزيد من التطمينات خاصة لأعضاء اللجنة من الجمهوريين حول عدم تأثير تبرعات حكومات وشخصيات أجنبية لـ«مؤسسة كلينتون» الخيرية التي يترأسها زوجها بيل كلينتون، على منصبها الجديد. وقال رئيس اللجنة السابق الجمهوري ريتشارد لوغر، «إذا تعارضت مصالح الولايات المتحدة مع التبرعات التي تتلقاها المؤسسة فيجب أن تتوقف المؤسسة عن تلقي مثل هذه التبرعات». وطالب عدد من أعضاء اللجنة بالمزيد من التطمينات. وبدت هيلاري واثقة من نفسها وهي تلقي كلمتها الافتتاحية وفي إجاباتها عن أسئلة اللجنة، وحضرت إلى جانبها ابنتها تشيلسي لكن زوجها لم يكن هناك، وقال مصدر قريب منه إنه تعمد ذلك حتى تسلط الأضواء فقط على زوجته. وتثبيت كلينتون في الإدارة الجديدة سينهي فترة الانقسام الديمقراطي بعد سباقها مع أوباما للحصول على ترشيح الحزب الديمقراطي للرئاسة الأميركية. وأثنى عدد من السيناتورات على قرار أوباما ترشيح منافسته السابقة لهذا المنصب الحساس وقبولها العمل تحت رئاسة منافسها السابق. وتتمتع كلينتون بشعبية خارج مجلس الشيوخ أيضاً، حيث أفاد معهد «غالوب» أمس أن شعبية كلينتون في أعلى مستوياتها منذ حوالي عِقد بين الشعب الأميركي، إذ قال 65 في المائة من الأميركيين إنهم ينظرون بإيجابية لها. إلا أنها رأت بعض التحديات التي ستواجهها أمس فيما يخص الرأي العام في السياسة الأميركية الخارجية، إذ عبر عدد من ناشطات السلام عن رفضهن للسياسة الأميركية تجاه غزة في جلسة استماع أمس، ونادى عدد منهن إلى كلينتون بصوت عالٍ يتساءلن: «أين صوتك يا هيلاري، ماذا تقولين لـ900 قتيل في غزة؟».