الضلوعية: حليف سابق لـ«القاعدة» يحكم وسط استياء وجهاء المدينة ومجلسها المحلي

خليل يستمد قوته من خلفيته الدينية والسلاح والمال.. ويقول: لا حكمة في تذكر سنوات الفشل

ناظم خليل «الرجل القوي» في الضلوعية («واشنطن بوست»)
TT

يرتدي ناظم خليل ملابس رجال الدين التي اعتاد عليها. كما تميزه بعض الجروح التي أصابت جسده عندما كان يحمل السلاح محاربا. وفي مثل هذا البلد الذي أصبحت فيه السياسة بمثابة نوع جديد من أنواع التجارة، فإن نغمة حديثه قد أصبحت تشبه نغمة حديث التاجر الذي يسوّق بضاعته، حيث يعرض سلعته في مقابل الحصول على السلطة. ومع تمتعه بالشباب، وسيطرته على مدينته التي تشبه الواحة على شاطئ نهر دجلة، فإن خليل يمتلك القوة التي تمثل ثمرة العراق الموحد، كما أنه مسؤول عن المنطقة التي شهدت العديد من عمليات الإعدام التي كانت تجري في الشوارع، ثم انتقلت إلى ذراعي الجيش الأميركي ورئيس الوزراء العراقي، اللذين يمثلان الأعداء السابقين له. وتحليل موقفه واضح: فقد اعتاد على أن يكون في الجانب الخاسر. ومعادلته بسيطة: فمع السلطة الدينية والسلاح والمال، فإنه الآن يمثل السلطة في المدينة. وتساءل قائلا: «أنا متأكد من أن الأميركيين سوف يغادرون في وقت قريب، وليس هناك من هدف لقتلهم الآن. فبوسعي قتلهم في أي وقت وفي أي مكان، ولذا، فما الفائدة من عمل ذلك الآن؟ لقد كنا نعتقد في بداية الأمر أنه بوسعنا تحقيق أهدافنا من خلال السلاح ولكن -بصراحة- فإن ذلك النوع من الاستثمار لم يحقق نتيجة مرضية. وهذه الشركة لم تدر أرباحاً». ويرجع ظهور خليل هنا إلى ذلك الميراث من الحرب التي لم تنته بعد، وذلك الصراع الذي بدأ لتوه في العراق، وما سبقه من التكتيكات الأميركية لقمع الجماعات المسلحة وإحراق ما عدا ذلك من خيارات أخرى على مسرح الأحداث في العراق. لقد عملت الحرب والاحتلال على تغيير مفاهيم القوة القديمة هنا والتي كانت تتمثل في التقاليد والعلاقات. وفي أماكن مثل الضلوعية، فإن القادة الجدد والقوى الجديدة قد بدأت في الظهور، حيث تعيد رسم خريطة المدن والمناطق الجغرافية التي انتقلت إليهم من يدي صدام حسين، بعد ما وقع من أحداث وقتال للعناصر المسلحة. وقد ورث خليل الذي يبلغ من العمر 30 عاما عن عائلته أكبر مسجد في المدينة، حيث تجتمع فيه حشود المصلين يوم الجمعة لسماع خطبته. وهو يرأس المجلس الذي يراقب مئات الرجال المسلحين الذي تركوا الجماعات المسلحة والتحقوا بالوحدات التي تمولها الولايات المتحدة مثل قوات الصحوة والتي زادت أعدادها عن أعداد قوات الجيش والشرطة المرابطة هنا. ومن خلال ذكر اسم خليل –أو الملا ناظم كما يعرف هنا– يمكن العبور من نقاط التفتيش. وهو يرأس مجلسا يتكون من قادة القبائل وعلى اتصال برئيس الوزراء نوري المالكي الذي أبدى ترحيبا بالصداقة خلال اجتماع عقد في المنطقة الخضراء ببغداد. وليس بوسع مجلس المدينة المنتخب فعل شيء سوى أن يشاهد ويتذمر –سراً– من هذا الرجل الذي يخشونه. كما أن كبار المدينة يسخرون من سنه ونسبه وينظرون إليه نظرة فيها الكثير من عدم التقدير. ويقول عبد الله الجبوري، وهو عضو في المجلس وضابط سابق، وهو يبتسم: «في رأيي، فإن أي شخص يتمتع بالسلطة المطلقة يكون خطرا، حتى تجاه نفسه». وقد تمتع خليل على مدار وقت طويل بمكانة مميزة في مدينته التي يبلغ تعدادها 50 ألف نسمة، كما يتمتع بالحدائق وبساتين البرتقال. وقد كان والده محمد رئيس مسجد الخلفاء وهو أكبر مسجد في المدينة والذي ورثه خليل في سن 18. وكذلك كان جده خليل. وفي عهد صدام حسين، حاز على شهرة، حيث كان يوجه النقد للحكومة فيما يتعلق بأن عليها بناء المدارس وليس القصور. لكنه بعد عام 2003 وبعد سقوط صدام حسين، قد اكتسب شهرة لمعارضته الأميركيين ومطالبته بالدفاع عن السنة أمام الشيعة. وخلافا للمناطق الأخرى من العراق، لم يكن هناك أي غموض في الضلوعية حول الاحتلال. فمنذ البداية كان هناك استنكار شديد له. وقد كانت المدينة مسرحا لأول الجهود التي قامت بها الولايات المتحدة لمكافحة الجماعات المسلحة، حيث قام نحو 4.000 جندي أميركي بمشاركة الطائرات العمودية والعربات المصفحة بالدخول إلى المدينة في شهر يونيو (حزيران) من عام 2003. وقد قتلوا ثلاثة بينهم طفل في الخامسة عشرة، وقد تركت جثته لساعات تحترق تحت أشعة الشمس. لكن مقاومة الاحتلال كانت قد بدأتها «القاعدة» التي حكمت الضلوعية على مدار 16 شهرا بدءا من عام 2006. وقد كان يتم سحب الرجال الذين يتهمون بالتعاون مع الاحتلال من منازلهم وسياراتهم ويتم في بعض الأحيان قتلهم في الشوارع برصاصة في مؤخرة الرأس. وقد تم ذبح أحد إخوة رجل في الشرطة. وبصورة عامة، يقول السكان إن نحو 216 شخصا قد قتلوا. ولم يكن بوسع أحد إشعال السجائر في الشوارع. ويقول خليل: «من الناحية النظرية، كانت القاعدة جيدة».

لكنه يدرك أن عنف التطبيق قد أتى بنتائج عكسية. ففي هذه الأيام، يقول إنه يشعر بالأسى وأنه يرغب في محاربة الأميركيين، وليس الشيعة في مدينة بلد، وليس شعبه بكل تأكيد. لكنه اعترف كذلك بأنه قد أجبر على موازنة الأرباح والخسائر. ويقول «بعد أربعة أعوام من القتال، لم نحقق شيئا. لقد أفلست هذه الشركة». وقد كان في كلامه بعض التلميحات إلى نفاد صبره وقليل من الندم. ويقول: «لقد أغلقنا صفحة الماضي الآن، وليس هناك جدوى في تذكر سنوات الفشل».

وفي شهر يونيو (حزيران) من عام 2007، انقلب خليل على حلفائه وأعلن الحرب من مسجده. وقال: «على القاعدة أن تغادر وإلا واجهوا منا ما لم يتوقعوه. علينا أن نطردهم من قرانا وألا نرحمهم سواء كانوا كبارا أو صغارا». وقد حاول مؤيدو القاعدة في العراق قتله ثلاث مرات. ففي 19 من أكتوبر (تشرين الأول) من ذلك العام قاموا بزرع قنبلة تحت كرسي مسجده، وقد أصيب 136 مصليّا في ذلك اليوم. وقد أصيب خليل بنحو 30 إصابة على ذراعه ورجله اليسرى. ولكن في غضون أشهر قليلة، تمكن خليل، من خلال العمل مع القوات الأميركية والشركة والرجال الذين تركوا القاعدة وانتقلوا إلى الميليشيات التي تدعمها الولايات المتحدة، من مكافحة هذه الجماعة. ويقدر السكان بأن نحو 80 من أعضائها قد ألقي القبض عليهم وأن نحو 70 آخرين قد قتلوا، حيث قتلت القوات الأميركية نحو 50 وقتلت الشرطة العراقية نحو 20. وقد بقي نحو عشرة أو أكثر من مقاتلي الجماعة يرتادون حدائق ومزارع المدينة. وفي تقديره الخاص فإنه يعتقد أنه الرجل الأخير الذي ما زال صامدا. وفي غرفة الاستقبال في منزله، يضع صورة له وهو يحمل بندقية قنص وحوله قوات الأمن العراقية والعناصر المسلحة التي تحالفت مع الأميركيين وجندي أميركي. ويقول: «إن لديّ رفاقا جددا». وأردف مبتسما: «لا يمكن لإنسان الكهف أن يعيش في عصر العولمة».

* خدمة: «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»