هيلاري وكيري وأوباما ينسقون أدوارهم الجديدة

ارتقاء ثالوث جديد إلى سدة السياسة الخارجية الأميركية

TT

مع ارتقاء السيناتور جون كيري (عن ولاية ماساشوستس) منصة لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ أمس، للترحيب بالسيناتور هيلاري رودهام كلينتون (السيناتور عن ولاية نيويورك) في جلسة التصديق الخاصة بشغلها منصب وزيرة الخارجية كمرشحة الرئيس الأميركي المنتخب باراك أوباما، فإنه بذلك يشير إلى ارتقاء ثالوث جديد يهيمن على سدة السياسة الخارجية.

وتلفت الجلسة الانتباه إلى الطبيعة الشائكة للعلاقات بين الأطراف المختلفة. وقد كان كيرى أول من سلط الأضواء على أوباما على المستوى الوطني، عندما دعاه ليلقي الكلمة الرئيسة في اجتماع الحزب الديمقراطي عام 2004، ودعمه على حساب هيلاري في أوائل الحملة الانتخابية الرئاسية في بداية عام 2008، وهو ما أصاب حملة هيلاري بالكثير من الارتباك. بيد أن أوباما اختار منافسته السابقة لهذا المنصب الدبلوماسي الرفيع، وهي وظيفة سعى إليها كيري صراحة بدعم من كبار مناصري أوباما؟ وبدلا من الانضمام إلى إدارة أوباما، تولى رئاسة لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، بهدف إعادتها إلى دورها المرموق السابق.

ويبدو أن الثلاثة قد تجاوزوا خلافات الماضي، فيجري كيري وهيلاري مناقشات برلمانية حول ماهية الرحلات الخارجية التي يمكنهم القيام بها سويا مستقبلا، في حين يعمل أوباما على تقريب علاقات العمل مع هيلاري عبر سلسلة من المكالمات الهاتفية واللقاءات منذ أن اختارها لمنصب الخارجية في منتصف نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي. غير أن كيري سيضطلع بمهمة أخرى غير مهمة كلينتون والرئيس، ففي مقابلة تليفزيونية، قال كيري إنه ليس من بين أهدافه جر إدارة أوباما إلى دائرة الانتقاد، لكن من ناحية أخرى «فأنا لا أعمل لديهم، واللجنة (تمثل) فرعا مستقلا، ونحن نقوم عند الضرورة، وبكل بوضوح بالدفع والمداهنة والحث ومحاولة محاسبة المسؤولين، لكننا سنقوم بذلك بطريقة أتمنى أن تكون بناءة بصورة تامة ومبنية على شراكة قدر الإمكان».

ويمثل ترؤس كيري للجنة العلاقات الخارجية ذروة حياته العملية، التي بدأت بظهوره أمام اللجنة كأحد الجنود الذين حاربوا في فيتنام، وكان عمره آنذاك 27 عاما ليعارض فكرة الحرب، وقدم كيري تساؤله الشهير للجنة، الذي أضفي سمة مميزة لحياته فقال: «كيف تطلبون من رجل الدفاع عن فكرة خاطئة؟». وقد كانت تلك هي اللجنة التي زاد كيري من شعبيتها كمحقق، وكان يتتبع تمويل الشبكات الإرهابية في نهاية الثمانينيات وأوائل التسعينات من القرن الماضي، وقال إنه يود أن يجلب تلك الروح التحقيقية إلى كل اللجنة، ليس للتنقيب عن أخطاء إدارة بوش، وإنما لإلقاء الضوء على التحولات العالمية الغامضة، مثل إشراك الكيانات الخارجية، والأموال الأميركية التي تنفق على محاربة المخدرات، كما أنه يعد لبرنامج بيئي قوي، إضافة إلى احتفاظ اللجنة بمكانتها المعتادة كمؤسسة بحثية تتعامل مع القضايا الدولية فور بزوغها.

وقال كيري إنه يتوقع أن تواجه كلينتون بعض التساؤلات الصعبة من أعضاء اللجنة، من بينها نشاطات زوجها التجارية، لكنه توقع أن يكون الجو داخل اللجنة متسما بالود والجدية، كما أبدى إحباطه من عدم تمكنه من الفوز بذلك المنصب.

وقال «من الصعب التفريق بين الجلوس هنا كرئيس للجنة العلاقات الخارجية ومع استقلاليتي وحريتي، حيث يجب علىّ الاطلاع على كل قضايا السياسة الخارجية، وأنا أقلق بشأن خيبة الأمل. إنني أملك الحرية والاستقلالية، وهناك بعض الامتيازات في وزارة الخارجية، وهناك امتيازات من العمل هنا. الأمر جيد، إنني على ما يرام».

وتسعى هيلاري بقوة للنجاح في اختبارها الأول، فقد كانت متلهفة للتغلب على الاختلافات التي ظهرت بين تصريحاتها أثناء الحملة للفوز بترشيح الحزب، وتصريحات الرئيس التي ستكون مسؤولة الآن عن تنفيذها، وما لم يتضح هو ما إذا كانت هيلاري ستحظى بأولوياتها الخاصة بعملها أم لا، أو ما إذا كانت قد طورت خطة استراتيجية لدور أميركا والعالم.

وأوضح مسؤولو الفترة الانتقالية لإدارة اوباما أن كلينتون ستركز على موضوعين: تجديد القيادة الأميركية وإعادة محورية السياسة الخارجية لتعزيز المصالح الأمنية، وتقدم القيم الأميركية. وأضافوا أن هيلاري ستركز على استخدام «القوة الذكية?» للضغط من أجل الحصول على موارد أكبر لوزارة الخارجية، والعمل مع الكونغرس سويا بشأن السياسة الخارجية. وقد دأبت السيدة الأولى السابقة على وصف نفسها بأنها براغماتية ومؤيدة للتعاون مع دول العالم، وهو وصف ينطبق على أولئك الأشخاص الذين يتكيفون مع المواقف فور حدوثها، ولا يتبعون أصولا ثابتة. تتولى هيلاري منصبها الجديد في وقت تبلغ فيه الأزمة الاقتصادية ذروتها وتنخفض شعبية الولايات المتحدة إلى أدنى مستوياتها.

وقال ستيفن وولت أستاذ العلاقات الدولية في كلية كنيدي الحكومية بجامعة هارفارد: «إنها ذكية جدا، وليس لدي شك في قدرتها على تسيد الجلسة، لكن هيلاري لم تقدم أي وجهة نظر أو خطة عمل حول دور أميركا في العالم».

وتقول ويندي شيرمان، المستشارة المقربة من هيلاري والتي ترأس فريق تقرير وكالات الولايات، إن قوة العمل التي عينها أوباما، قبل بدء الانتخابات، قدمت تقريرا قوامه 35 صفحة حول أهم القضايا الرئيسة التي تواجه وزارة الخارجية والوزير الجديد. وقد أتبع الفريق الذي يتكون من 15 شخصا، تقارير أكثر إيجازا تم استخلاصها من خلال 400 مقابلة مع جماعات في داخل وخارج الوزارة. كما أخرجت وزارة الخارجية تقريرها الخاص، الذي تضمن مقالات صريحة من كل من مساعدي الوزير وكل مسؤول بعثة خارجية. وتقول شيرمان: «إنها تقرأ كل شيء، ولا بد أنها انتهت من قراءة آلاف الصفحات، إنها متقدة النشاط، وأتوقع أن تكون جادة وحاسمة».

الاختبار الأول الذي ستواجهه كلينتون كوزيرة للخارجية هو النزاع بين إسرائيل وحركة «حماس». وقد نالت هيلاري شهرة كبيرة كأحد أكبر مناصري إسرائيل، حتى إنها أكدت خلال الانتخابات الأولية للحزب الديمقراطي أن الولايات المتحدة يمكن أن «تمحو» إيران إذا ما شنت هجوما نوويا على إسرائيل، وأكدت على ضرورة ألا تتفاوض الولايات المتحدة مع حماس ما لم تنبذ العنف. ولكن منذ تسع سنوات مضت، قامت هيلاري، عندما كانت السيدة الأولى، بتقبيل ومعانقة سها عرفات زوجة الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وبعد أن قامت سها عرفات بإلقاء خطاب حماسي اتهمت فيه إسرائيل بأنها تستخدم الغاز السام ضد الفلسطينيين (ادعت هيلاري عقب ذلك أن الترجمة كانت غير كاملة)، وطالبت هيلاري بإنشاء دولة فلسطينية قبل أن تقر إدارة كلينتون الفكرة رسميا.

وقد ناقشت هيلاري مع مستشاري الأمن القومي ومسؤولي إدارة أوباما الآخرين الصراع في غزة، وبدأت في وضع تصور لردها، اعتمادا على السيناريو الذي سيواجههم في 20 يناير (كانون الثاني).

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»