قصف إسرائيل للشريط الحدودي في رفح يشرد مئات العوائل الفلسطينية

مآس وقتل وهدم وتحد

اطفال فلسطينيون هجرهم العدوان الاسرائيلي مع اسرهم ينتظرون وجبة طعام في مدرسة تابعة للاونروا في جباليا شمال غزة امس (رويترز)
TT

قبل ستة أشهر قرر تحدي الواقع، ورفض الاستسلام للظروف التي يمليها، فقام عادل زعرب، 35 عاماً، ببناء بيت من الطين على قطعة من الأرض تملكها عائلته، متاخمة للشريط الحدودي، الذي يفصل مصر عن قطاع غزة في الطرف الجنوبي من مدينة رفح، اقصى جنوب القطاع.

وسبب بناء البيت الطيني هو انه كان من المستحيل بالنسبة لهذا الصحافي الذي يعمل مراسلاً لإحدى الفضائيات واذاعة محلية، بناء بيت من الإسمنت لعدم توفر مواد البناء جراء الحصار الذي تفرضه إسرائيل. ما أقدم عليه عادل كان مثالاً على قدرة الشباب الفلسطيني على التكيف مع ظروف الحصار، لدرجة أن الكثير من وسائل الإعلام سلطت الضوء على ما قام به. وعندما شرعت الطائرات النفاثة الحربية الإسرائيلية من طراز «إف 16» مؤخراً بإلقاء أطنان من المتفجرات على طول الشريط الحدودي وحتى قبل أن يتم قصف المناطق المحيطة ببيته، تركه عادل وانتقل للعيش عند أسرته. وحدث أول من أمس ما كان يحذر عادل منه، اذ دمرت منزله صواريخ وقنابل طائرات إف 16 النفاثة التي اسقطت على الشريط الحدودي. وعندما كان يتحدث عادل لـ «الشرق الاوسط»، كان يمكن من على ركام منزله رؤية الكثير من البيوت، وبعضها بيوت تعود لعوائل من عشيرته التي تقطن على الشريط الحدودي وقد دمرت بشكل كامل أو جزئي. وحسب مصادر بلدية رفح، فإن المئات من البيوت قد دمرت بسبب القصف المتواصل. وقال محمد خليل لـ «الشرق الاوسط»، وهو يحاول تخليص حقائب مدرسية من تحت ركام منزل العائلة، إنه لم يعد أمام عائلته إلا التوجه إلى إحدى المدارس التي تعود لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين «الأونروا» للإقامة بها بعد أن تقطعت به وبعائلته السبل.

وعلى طول الشارع الفرعي الذي يقع أمام صف من البيوت التي دمرت يمكن للمرء مشاهدة النساء والأطفال والرجال وهم يقومون بتخليص أمتعتهم من تحت الركام ويتجهون لتخزينها عند أقاربهم أو أصدقائهم حتى يكون بالإمكان الخروج من هذه المحنة. لكن العوائل التي تقطن للشرق من بيت عادل ولم تقصف المنطقة المحيطة بها، لم تنتظر حتى الموجة الاخرى من القصف فاخلت منازلها من كل شيء تقريباً، لتقليص حجم الخسائر. القاسم المشترك لمعظم هذه المنازل هو حقيقة أن سقفها من مادة الأسبست، أي أن فرص انهيارها كبيرة في حال قصف المنطقة. وتلقي الطائرات الإسرائيلية على منطقة الشريط الحدودي قنابل ضخمة ذات قدرة على اختراق الأعماق وتنفجر داخل الأرض محدثة ارتجاجات كبيرة، بهدف تدمير أكبر عدد ممكن من الأنفاق أسفل المنطقة. ومن يتمعن في وجوه الرجال والنساء والأطفال يعلوها الحزن والألم بينما يقومون بنقل امتعتهم على رؤوسهم وظهورهم، يقرأ فيها شعورا عميقا بالعجز وقلة الحيلة. لكن في رفح لا تدمر البيوت فقط لقربها من الشريط الحدودي، بل، وكما هو الحال في معظم مناطق القطاع، تدمر فقط لمجرد قربها من بيت أحد قيادات حركة حماس أو جناحها العسكري كتائب عز الدين القسام. الصحافي محمد الجمل الذي يعمل مراسلاً لصحيفة «الأيام» المحلية نموذج لهذه الحالات. ويقول الجمل الذي يقطن في مخيم يبنا جنوب المدينة، لـ «الشرق الأوسط» إن بالقرب من منزله يقطن أحد قيادات حماس، وكان هو وعائلته يدركون أن بيت هذا القيادي سيقصف، الأمر الذي سيؤدي الى تدمير البيوت المجاورة، وضمنها منزله، مشيرا الى أنه تبعاًَ لذلك قام بإخلاء المنزل، وحدث ما توقع، فقصف منزل القيادي، ودمر منزله. ويشير الجمل الى أن زوجته وابناءه الأربعة يعيشون عند ذوي زوجته، في حين أنه يقضي الأيام تارة لدى أهل زوجته، وتارة في بيت أخته. من المصاعب التي واجهته، حقيقة إنه لم يقم بإخلاء حاسوبه الشخصي وبعض المقتنيات الضرورية للعمل، فتلفت بالقصف. وأكد الجمل أنه على الرغم من أن الصحيفة طلبت منه عدم العمل والاعتناء بأسرته، إلا أنه قرر تحدي الواقع وقام بشراء مولد، حيث فتح له اصدقاؤه وزملاؤه بيوتهم، لكي يواصل العمل. وهو الآن يواظب على العمل رغم الظروف المستحيلة التي يعيش فيها. ويؤكد الجمل أنه كان معنيا باستئجار شقة للإقامة فيها، لكن في ظل تهافت الناس على الشقق، لم يعد هناك شقة يمكن استئجارها.

واستطاع أيمن ابو عريضة الذي يقطن قبالة المتنزه في وسط مخيم «الشابورة»، شمال المدينة، وبقية أفراد عائلته، التكيف مع التدمير الجزئي الذي لحق بالمنزل المكون من اربع طوابق وتقطنه خمس عائلات.

وقال أبو عريضة وهو صحافي ايضا لـ «الشرق الأوسط» إن طائرة إف 16 أطلقت صاروخا على المتنزه، فأصابت شظية منه بيت العائلة، فقتلت أحدى اخواته، في حين أصيب عدد من أخوانه واخواته، ودمرت الشقق الأمامية ولحق دمار جزئي بالشقق الخلفية. ويضيف أنه لم يكن هناك مجال أمامه وبقية اخوانه للبحث عن ملاذ آخر، فقرروا البقاء في البيت، بحيث تقطن كل عائلة من العوائل في غرفة من الغرف في الشقق التي بقيت بها بعض الغرف سليمة.