الجنوب منقسم بين متحمس لغزة ورافض للاستدراج ومصادر حزبية تؤكد أن حزب الله بات محرجا

صواريخ العرقوب انعكست قلقا على الجنوب اللبناني والمخيمات الفلسطينية

جندي لبناني يلتقط صورا لصاروخ أطلق أمس من الجنوب اللبناني وسقط قرب بلدة الماري داخل الأراضي اللبنانية (أ ب)
TT

على وقع ما يجري في غزة، يعيش الجنوب اللبناني وسط الهواجس والمخاوف، اذ يشعر ابناء الجنوب، ويشاطرهم عدد من القيادات السياسية الرأي، في ان ثمة من يعمل سرا لاقحام لبنان في المعركة الدائرة في غزة وفتح جبهة الجنوب اللبناني. وما يزيد من شكوك الاهالي وقلقهم ويجعلهم في حالة ارتياب دائم، تلك الصواريخ المجهولة الهوية والجهة التي تقف وراءها والتي تطلق من الجنوب باتجاه المستوطنات الاسرائيلية.

وقد بدت الاجواء المسيطرة على الجنوب امس ملبدة بالترقب والحذر وسط سباق محموم بين محاولات «لملمة» الوضع ومعالجته وبين التخوف من انفلاته وانزلاقه نحو المواجهة. ووسط ذلك كله، بدا «حزب الله» الذي اتخذ منذ ايام تدابير احترازية لمواجهة اي احتمالات معلنا «التعبئة» في صفوفه، متكتما حول ما يفكر به وان كان محرجاً الى اقصى حد، على حد قول مصادر سياسية بارزة في الجنوب. فهو، من جهة، بدأ يواجه بأصوات حتى من داخل صفوفه بانه يقف متفرجاً حيال ما يجري في غزة، ومن جهة اخرى، يدرك جيداً انه لا يستطيع فتح جبهة الجنوب لاعتبارات متعددة.

علي حيدر المواطن الشيعي الذي يعمل سائق سيارة اجرة، كان في الامس متخوفاً من احتمالات التصعيد في الجنوب. لذلك شرع في البحث عن شقة سكنية ليستأجرها في صيدا ليلجأ اليها مع زوجته وابنائه الخمسة في حال تدهور الوضع. يقول علي: «قد تقع الحرب في اي لحظة. ولست مستعداً لان افقد احداً من اسرتي». ويضيف: «نعم ما نشاهده في غزة يدمي قلوبنا. وقد عشناه قبل عامين في جنوب لبنان (في اشارة الى حرب تموز 2006). لكن لا اوافق على فتح جبهة الجنوب نصرة لغزة، في حين ان جبهات عربية اخرى لا تزال مقفلة منذ العام 1973» (في اشارة الى جبهة الجولان السوري).

صاحب احد المحال التجارية في صيدا راح يخزن فرش الاسفنج وكأن الحرب على الابواب على اعتبار أن النازحين من المناطق الساخنة يستخدمون هذه الفرش. «الشرق الأوسط» سألت صاحب المحل عما يدفعه الى هذا التصرف فاجاب: «اياكم والاعتقاد ان ما يجري في غزة لن ينتقل الى لبنان» مضيفا: «ألم تسمعوا بما جرى اليوم (اطلاق الصواريخ من الجنوب باتجاه اسرائيل). على ماذا يدل هذا؟ انه فقط يشير الى ان قوى الامر الواقع ستفتح جبهة الجنوب».

وحديث الرجل عن «قوى الامر الواقع» يدفعنا الى لفت انتباهه الى ان «حزب الله» المعني الاساسي بجبهة الجنوب ينفي مسؤوليته عن اطلاق الصواريخ، فيجيبنا قائلا: «وحدّ الله يا عمي. هل انت مقتنع بان ليست لهم علاقة؟ لا احد يتحرك من دون معرفة حزب الله».

في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين كان المقاتل محمد العلي في نوبة حراسة امام احد مقار حركة «فتح»، يتحسر على «ايام ابو عمار» ويقول: «من بعده ضاعت فلسطين». وما يعتقده ضياعاً لفلسطين جعله مؤيداً لاطلاق الصواريخ من جنوب لبنان باتجاه اسرائيل «حتى لو كانت القيادة العامة بزعامة احمد جبريل هي من يقف وراء اطلاق الصواريخ». وفي الوقت نفسه، ينتقد العلي «تباطؤ حزب الله في فتح جبهة الجنوب. اللهم الا اذا كان كل ما يقوله الحزب عن دعمه لفلسطين مجرد كلام وخطابات».

رفيق لعلي في السلاح يقول ان انعقاد القمة العربية «لا يعدو كونه مسرحية ليس الا. فالسوريون سوف يزايدون ويتحدثون عن المقاومة والعدو. لكنها اقوال وخطابات لا تسمن ولا تغني من جوع». في الجامعة اللبنانية في صيدا كانت الطالبة في كلية الحقوق والعلوم السياسية رولا مياسي قد انتهت لتوها من المشاركة في اعتصام تضامني مع غزة. وتقول انها متوترة هذه الايام وتتألم كثيراً للدماء التي تسفك في غزة لاسيما على مستوى الاطفال ولان «الوضع في الجنوب لا يبشر بالخير. انه عض اصابع حتى يأتي دورنا». وتنتقد «الصمت عن انتهاك حقوق الناس». وترى ان الحل لمأساة غزة «يكمن في ان تتصرف حركة حماس التي نؤيدها وندعمها بحنكة وحكمة وتجعل مصلحة الشعب الفلسطيني فوق كل اعتبار ويتم تسليم غزة اذا لزم الامر الى سلطة الرئيس الفلسطيني ابو مازن».

مفتي صيدا ومنطقتها الشيخ سليم سوسان أدان العدوان الصهيوني على فلسطين واطفال غزة ونسائها وسفك الدماء وتدمير المنازل ولكنه قال «ننظر بعين الريبة والقلق حيال الصواريخ التي تطلق من الجنوب باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة» واصفا إياها بـ«الصواريخ العبثية التي تهدف إلى استدراج لبنان في هذا الوقت المشبوه». ودعا إلى «التمسك بالجيش اللبناني كحام للسياج الوطني» مشددا على «التمسك بالقرار 1701» وعلى «ان وحدة الموقف العربي هي الامر المطلوب لوقف العدوان».

رجل الدين الشيعي محمد علي الحسيني الذي اعلن منذ ايام عن تنظيم بقيادته اطلق عليه اسم «المقاومة الاسلامية العربية» يؤيد مواقف الدول العربية التي ساندت لبنان. ويقول ان مقاوميه «وهم من السنة والشيعة يقفون الان بكامل جهوزيتهم لمواجهة اي عدوان اسرائيلي على الجنوب» .

ولكن كيف تقرأ القيادات الفلسطينية في لبنان ما يحصل؟

تبذل هذه القيادات جهداً مضاعفاً من اجل الظهور بمظهر المتوحد حيال الدم المسفوك في غزة. ويسجل المراقبون بارتياح بالغ حالة الود والوفاق القائمة بين رئيس ممثلية منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان عباس زكي وممثل حركة «حماس» اسامة حمدان اذ يعتمدان نفس الخطاب. وهو ما اثنى عليه النائب وليد جنبلاط الذي يحرص دائما في لقاءاته معهما على التأكيد على وحدة موقفهما.

يشيد حمدان باهتمام لبنان الرسمي والشعبي بقضية غزة ومآسيها، لكنه في الوقت نفسه يرفض ان تكون معاناة سكان القطاع عنوانا للهزيمة. ويعتبر ان تجاوز العرب خلافاتهم «امر يساعد على تعزيز الموقف الفلسطيني الداخلي».

مسؤول الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في مخيمات الجنوب فؤاد عثمان قال لـ «الشرق الاوسط» ان الفلسطينيين في لبنان «حريصون على الأمن والاستقرار ويثقون كلياً بالجيش اللبناني ودوره المقاوم. وأي إخلال بالأمن ينعكس سلباً على الفلسطينيين سواء في غزة او في لبنان». ويؤكد: «ان مسار المقاومة واحد لا يتجزأ سواء في غزة او لبنان» رافضا التطرق الى موضوع فتح جبهة الجنوب اللبناني عبر اطلاق الصواريخ على المستوطنات الاسرائيلية.