مسؤولة أميركية تعترف بتعذيب محتجز سعودي في غوانتانامو

استغرقت التحقيقات معه 50 يوما.. والأساليب المستخدمة أثرت على صحته

TT

توصلت المسؤولة بالإدارة الأميركية، والمنوط بها اتخاذ القرار بشأن ما إذا كان يتعين إحالة معتقلي غوانتانامو إلى المحاكمة أم لا، إلى حقيقة، مفادها أن الجيش الأميركي عذب المواطن السعودي المزعوم تخطيطه للمشاركة في هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، الإرهابية. وقد اشتمل التحقيق معه استخدام أساليب استجواب قاسية مثل الحبس الانفرادي المستمر، والحرمان من النوم، والإجبار على التعري، والتعريض طويل المدة للبرودة، الأمر الذي أسفر عن وصوله إلى «حالة خطرة على حياته». وصرحت سوزان كراوفورد في أول مقابلة معها منذ أن تم تخويل وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس سلطة عقد المحاكم العسكرية في فبراير (شباط) 2007 بـ«أننا عذبنا محمد القحطاني، وقد استوفت المعاملة التي تلقاها التعريف القانوني للتعذيب. ولهذا السبب لم أحل القضية إلى المحاكمة».

وتعتبر كراوفورد، القاضية المتقاعدة، والتي خدمت كمستشارة عامة للجيش خلال فترة إدارة ريغان، كما عملت في منصب مفتش عام للبنتاغون عندما كان ديك تشيني يتولى حقيبة الدفاع، تعتبر أول مسؤولة بارزة في إدارة بوش مختصة بالمراجعة والتحقيق في الممارسات التي يتم انتهاجها في غوانتانامو، تعلن علانية أن أحد المعتقلين قد تعرض للتعذيب.

وأوضحت كراوفورد - البالغة من العمر 61 عاما - أنها توصلت إلى هذا القرار بناء على مجموعة أساليب التحقيق، والفترات التي تمت فيها، وتأثيرها على صحة القحطاني.

وقالت: إن «الأساليب التي استخدموها جميعها مجازة، إلا أن الأسلوب الذي طبقت به كان عدائيا بصورة مفرطة، ومستمرا. فإذا كنت تفكر في التعذيب، فأنت تفكر في عمل له تأثير بدني مروع. ولم يكن هذا أي عمل خاص، لقد كان جمعا بين أشياء كان لها تأثير صحي عليه، وهو ما أضر بصحته، ودفعني بعيدا عن وصفه بأنه تعذيب».

وقال المحققون العسكريون في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) إنهم سيسعون لإعادة تحريك القضية من جديد ضد القحطاني، البالغ من العمر 30 عاما، وذلك على أساس التحقيقات المتكررة الأخرى التي لم يتم فيها استخدام الأساليب القاسية. إلا أن كراوفورد - والتي كانت قد رفضت توجيه اتهامات تتعلق بجرائم الحرب تجاهه في مايو (أيار) 2008 - أفادت خلال اللقاء بأنها لن تسمح بأن يمضي التحقيق قدما.

جدير بالذكر أن القحطاني أنكر دخوله الولايات المتحدة قبل شهر من اعتداءات 11 سبتمبر (أيلول)، وزعم أنه كان يخطط ليكون المختطف رقم 20 في المخطط. وقد تم أسره لاحقا في أفغانستان، ثم نقل إلى معتقل غوانتانامو في شهر يناير (كانون الثاني) 2002. واستغرقت التحقيقات معه 50 يوما، حيث بدأت من نوفمبر (تشرين الثاني) 2002 وحتى يناير (كانون الثاني) 2003، إلا أنه بقي رهن الحجز الانفرادي حتى أبريل (نيسان) 2003.

وأفادت كراوفورد، التي طالعت بنفسها سجلات التحقيق، والوثائق العسكرية الأخرى الخاصة بالقحطاني: «كان الاتصال الوحيد له مع المحققين على مدار 160 يوما. وخضع للتحقيق لنحو 18 - 20 ساعة على مدار 48 يوما من إجمالي 54 يوما. وكان يقف عاريا أمام إحدى العميلات، وتعرض للتفتيش من خلال التعرية، وشتيمة أمه وأخته بأقذع الألفاظ».

وحسبما أفاد التقرير العسكري، فقد تم تهديده في إحدى المرات بواسطة كلب يستخدمه الجيش يطلق عليه «زيوس». وذكر التقرير: أنه «تم إجبار القحطاني على ارتداء صدرية نسائية». كما ربطوا طوقا في الأغلال المصفد بها، جاعلين إياه يدور داخل الغرفة، وتابع التقرير أنه «أجبر على تأدية مجموعة من الحركات التي تقوم بها الكلاب».

واتسمت التحقيقات - وقد تم وصف أجزاء منها سابقا في المؤسسات الإخبارية الأخرى ومنها «واشنطن بوست» - بأنها كانت شديدة الكثافة، الأمر الذي أدى بالقحطاني إلى دخول المستشفى مرتين في غوانتانامو لتعرضه لبطء ضربات القلب، وهي الحالة التي يتعرض فيها المريض لانخفاض معدل خفقان القلب إلى أقل من 60 ضربة في الدقيقة، وهي حالة خطيرة يمكنها أن تؤدي إلى توقف القلب، والوفاة. وسجل التقرير أن معدل خفقان قلب القحطاني انخفض إلى 35 ضربة في الدقيقة.

وتلقي قضية القحطاني بدائرة الضوء على التحديات التي تواجه إدارة أوباما، في خضم محاولاته للسعي لإغلاق معتقل غوانتانامو المثير للجدل، ومنها المخاطر التي يفرضها أفراد يعتبرون شديدي الخطورة على أن يتم إطلاق سراحهم، إلا أن وضعهم وحالتهم القانونية يغلفها اللبس، وعدم اليقين. وتوصلت فرق مراقبة تابعة للمباحث الفيدرالية - وتعمد إلى جمع المعلومات دون استخدام المعلومات التي تم الحصول عليها من التحقيقات المثيرة للجدل - أن القحطاني كان ينوي الانضمام إلى خاطفي الطائرات الأميركية خلال أحداث سبتمبر (أيلول) 2001. وتجدر الإشارة إلى أن محمد عطا - زعيم المخططين، والذي لقي مصرعه في أثناء ارتطام الطائرة ببرج التجارة العالمي - ذهب إلى مطار أورلاندو للقاء القحطاني في 4 أغسطس (آب) 2001، إلا أن الشاب السعودي أنكر دخول الولايات المتحدة بواسطة مفتش هجرة اشتبه به.

وقالت كراوفورد عن القحطاني الذي ما زال حبيسا بمعتقل غوانتانامو: «ليس هناك أي شك في رأيي أنه كان من المفترض أن يكون في إحدى تلك الطائرات، إذا كان قد حصل على تصريح الدخول للبلاد في أغسطس (آب) 2001. فهو مختطف طائرات قوي، كما أنه رجل خطير للغاية، فماذا أنتم فاعلون به الآن إن لم توجهوا إليه أي تهمة أو تحاكموه؟ إنني مترددة في قول: لتدعوه يرحل».

وأشارت إلى أن هذا القرار سيتعين على الرئيس المنتخب باراك أوباما أن يتخذه. وقد قرر أوباما، يوم الأحد، أنه ينوي إغلاق مركز اعتقال غوانتانامو، ثم عاد وأقر بالتحديات التي يتضمنها هذا الموضوع، إذ قال في حديث له في برنامج «ذيس وييك» على قناة «إيه بي سي»: «إنه أصعب مما يعتقد الكثير من الأشخاص في ظني، إلا أننا ماضون في تحقيقه»، وأوضح أن جزءا من المشكلة يكمن في أن لديك مجموعة من الأشخاص المعتقلين، وقد يكون الكثير منهم بالغي الخطورة، إلا أنهم لم يخضعوا للمحاكمة أو يمثلوا أمام القضاء. كما أن بعض الأدلة الموجهة إليهم تشوبها الشوائب، حتى وإن كانت صحيحة».

يذكر أن الرئيس بوش، ونائبه ديك تشيني، أشارا إلى أن التحقيقات لم تتضمن التعذيب مطلقا، حيث شدد بوش في 6 سبتمبر (أيلول) 2006، عندما تم نقل 14 معتقلا شديدي الخطورة إلى غوانتانامو من سجون الاستخبارات الأميركية السرية، أن «الولايات المتحدة لا تعذب، فهذا ضد قوانيننا، وقيمنا». كما قال تشيني في مقابلة له مع «ويكلي ستاندرد» الأسبوع الماضي: «أعتقد أن الحزب الديمقراطي، على الجانب الآخر، يعتقد أننا مارسنا التعذيب فعليا».

وقالت كراوفورد، التابعة للحزب الجمهوري: «إنني أتعاطف مع جامعي المعلومات الاستخباراتية في تلك الأيام عقب أحداث 11 سبتمبر (أيلول)، فهم لا يعلمون ما القادم، ويحاولون جمع المعلومات لجعلنا آمنين. ومع ذلك، فإنه ما زال هناك خط لا يجب أن يتم تجاوزه، وللأسف فإن هذا ما حدث».

وقال جيف موريل الناطق باسم البنتاغون في رسالة عبر البريد الإليكتروني: «دوما ما كانت الوزارة تأخذ ادعاءات التعذيب وإساءة المعاملة على محمل الجد، فلقد أجرينا أكثر من 12 تحقيقا ومراجعة عن عمليات الاعتقال التابعة لنا، ومنها التحقيق المتعلق بمحمد القحطاني على وجه الخصوص، المختطف رقم 20 المزعوم. وتوصلوا إلى مشروعية وقانونية أساليب التحقيق المستخدمة في غوانتانامو، ومنها الأساليب الخاصة التي تم ممارستها مع القحطاني عام 2002. ومع ذلك، وبالنظر إلى المراجعات التالية، تبنت الوزارة سياسات وإجراءات جديدة، أكثر صرامة في ما يتصل بعمليات التحقيق والاعتقال. ولم يعد مسموحا باستخدام الأساليب الصارمة محل الاعتراض - والتي تم استخدامها مع القحطاني - في كتيب الإرشادات الميداني التابع للجيش، رغم أنها كانت مشروعة آنذاك».

وبعد أن قضت المحكمة العليا في 2006 في القضية التي أقامها حمدان على رامسفيلد، بأن نظام المحكمة العسكرية الأصلي والمعد لمعتقلي غوانتانامو، ينتهك الدستور واتفاقيات جنيف، أعاد الكونغرس صياغة القوانين ومرر قانون المحاكم العسكرية، مؤسسين بذلك كيانا جديدا للمحاكمات التي تجريها تلك المحاكم العسكرية. ويحظر القانون التعذيب، إلا أنه يجيز الشهادة «القسرية».

وأومأت كراوفورد - التي خدمت كقاضية بمحكمة الاستئناف للقوات المسلحة الأميركية في الفترة ما بين 1991 و2006 - بأنها لا تعتقد أنه يجب السماح وإجازة الشهادة القسرية، موضحة: «أنتم لا تجيزونها في المحاكمة العادية».

وتعد كراوفورد - بموجب هذا القانون - مسؤولة محايدة لمراقبة الاتهامات، والمحاكمات، والأحكام الصادرة، كما أن لها سلطة تحديد القرار المطلقة على جميع القضايا القادمة من المحاكمات العسكرية.

وفي مايو 2008، أمرت كراوفورد بإسقاط تهم جرائم الحرب الموجهة إلى القحطاني، إلا أنها لم تعلن حينها علانية أن الاستجوابات القاسية كانت هي السبب. وقالت كراوفورد: «لقد أصابني الأمر بصدمة، وكنت غاضبة من هذا، كما كنت مرتبكة. فإذا تسامحنا مع هذا الأمر (وتقصد التعذيب) وسمحنا به، فكيف نعترض عندما يقع الرجال والسيدات في الخدمة العسكرية، أو آخرون، في الأسر، ويتعرضون لنفس تلك الأساليب؟ وكيف يمكننا أن نشتكي؟ وأين سلطتنا الأخلاقية لنشكو من هذا الأمر؟ حسنا، قد نكون خسرناها».

وتابعت: «إن الأساليب الصارمة المستخدمة مع القحطاني، صدق عليها وزير الدفاع آنذاك، دونالد رامسفيلد»، «فالكثير من هذه الأعمال تم بعلمه». جدير بالذكر أنه في الشهر الماضي، خلص تقرير للجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ إلى أن: «إجازة رامسفيلد باستخدام أساليب التحقيق الصارمة في غوانتانامو كانت سببا مباشرا وراء إساءة معاملة المعتقلين هناك». وأوضحت اللجنة أن أساليب التحقيق صارمة ومسيئة، إلا أنها امتنعت عن وصفها بالتعذيب.

واتهم مساعد لوزير الدفاع السيناتور كارل ليفن، رئيس اللجنة، الديمقراطي من ولاية ميتشغان، بالسعي وراء الزخم السياسي، إذ قال: «هذه رواية كاذبة، ولا يعوقها رجاحة الحقائق».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»