في روما.. سياح لا ينفقون

الروس أكثر من ينفق في هذه الأيام بين الأوروبيين.. والأميركيون غائبون عن الساحة

TT

بعد ظهر يوم بارد، كان أدنريا إلوسا واقفا خارج المدرج الروماني، ويرتدي ملابس تجعله يبدو وكأنه محارب روماني. في تلك الأثناء، كانت جماعات صغيرة من السائحين يمرون بالقرب منه، وكانوا يبتسمون وهم ينظرون الى الدرع الجلدية التي يرتديها على صدره، والسيف الممنطق في خصره، وخوذة الدراجة البخارية التي تعلوها فرشاة حمراء اللون. إلا أن أحدا منهم لم يتوقف لالتقاط صورة معه. دائمًا ما يمضي الشتاء قاسيًا على المحاربين الرومان، أو «قائدي المائة» عند الرومان، كما يصف إلوسا نفسه، إلا أن هذا الموسم على وجه الخصوص، أثبت أنه عسير وأكثر قسوة من غيره. ويقول إلوسا، وهو يعطس من أثر الزكام: «لم تنخفض الكمية، ولكن الجودة التي انخفضت. فالناس يأتون، إلا أنهم لا ينفقون». يبدو ان قوة العملة الاوروبية الموحدة، اليورو، والأزمة الاقتصادية ألقتا بظلالهما على السياحة، حتى في روما التي يتم التعويل فيها على السياح بشدة. كما أن السياحة فيها حتمية مثلها مثل الموت والضرائب، بل من المحتمل أنه يتم التعويل عليها أكثر من دافعي الضرائب أنفسهم. وقد انخفضت نسبة السياح الأجانب إلى روما ومنطقة لاتسيو المحيطة بنحو 12 بالمائة في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مقارنة بنفس الفترة من العام السابق. ففي الـ11 شهرًا الأولى من العام السابق، تضاءل العدد الإجمالي للسياح، سواء من إيطاليا أو أي منطقة أخرى، بنسبة 5 بالمائة.

أما عائدات شهر ديسمبر (كانون الاول)الماضي، فلم يعلن عنها بعد، الا انه من غير المتوقع أن تكون جيدة، والسبب في ذلك يرجع إلى الاقتصاد الهزيل، وإلغاء الرحلات المتكررة، والإضرابات التي حدثت في الخطوط الجوية الإيطالية (أليتاليا)، ناهيك من الأمطار الغامرة التي ضربت البلاد قبل اعياد الميلاد، الأمر الذي أدى في الغالب إلى فيضان نهر التايبر داخل المنطقة المركزية التاريخية بالمدينة. ولا تبدو الأمور أفضل حالاً على الإطلاق في الفاتيكان، حيث انخفض عدد الزائرين للاجتماع البابوي بنحو نصف مليون في عام 2008، ليصل إلى 2.2 مليون. وبالقرب من الكوليسيوم تبدو ملامح الكآبة والحزن على قائدي العربات التي تجرها الأحصنة. ويقول فابريزيو مانزون الذي يتقاضى أجرة توصيل تتراوح ما بين 65 دولارًا إلى 135 دولارًا، بحسب المسافة: «انخفض العمل بنسبة تتراوح ما بين 35 و40 بالمائة مقارنة من ثلاثة أو أربعة أعوام ماضية». ويضيف: «إنهم يخرجون (السياح) لتناول البيتزا»، ولكن إذا ما أردت الادخار «فإن أول ما تسقطه من قائمتك امتطاء عربة الخيل».

ويقول ستيف بورن، نائب رئيس التسويق في شركة «غلوباس» للجولات السياحية، والتي تعرض 33 حزمة لقضاء الإجازات في إيطاليا، إن السياحة انخفضت في إيطاليا بمعدل 10 بالمائة في عام 2008. وفي فندق إكسليسيور الفاخر، نجد أن الحياة داخله قد أصبحت أقل بطئاً خلال أي يوم من أيام الأسبوع المطيرة. ولدى سؤال الساقي في حول كيف تسير الأمور، انحنى وجهه تقريبًا إلى الأرض على سبيل التعبير الواقعي للكآبة والحزن السائدين. وأوضح النادل، الذي رفض الكشف عن اسمه، لأنه ليس مسموحًا له بالحديث مع الصحافة، أنه قد تم إخبار فريق العمل توًا بعمليات لتسريح وتخفيض العمالة. وفي هذه الأثناء، دخل رجل كبير السن بصحبة سيدتين شابتين أنيقتي الملبس، كانت إحداهما ترتدي قلادة من تصميم شانيل، ثم جلسا يتحدثان بالروسية. حينها قال النادل: «الروس هم أغنى الأوروبيين حاليًا. العرب يأتون، وبعض الإسبان، أما الأميركيون فبالكاد يأتون». وفي فندق دانييلي في فينيس، وهو فندق مملوك لفنادق ومنتجعات «ستاروود»، أضرب العاملون في الفندق عن العمل عشية العام الجديد، احتجاجًا على عمليات تسريح العمالة المقترحة. وقد تم إرسال النزلاء والضيوف ممن قاموا بالحجز للتجمع والاحتفال في مكان آخر. وأقرت سارة ميغليور، الناطقة باسم شركة «ستاروود»، أن الشركة ماضية نحو إعادة «هيكلة داخلية»، إلا أنها أحجمت عن التعليق على التقارير التي أفادت بأن الشركة تسعى لتسريح 650 عاملاً من إجمالي 2200 عامل في إيطاليا، واستشهدت بأنه ما زالت هناك مفاوضات عمالية مستمرة. وفعليًا، يعد الوقت مناسبًا للغاية بالنسبة لمن يملكون الأموال للقدوم إلى روما. فالأناس هنا بسطاء للغاية، كما أن ثمن تذاكر الطيران أرخص في الوقت الحالي، علاوة على أن المتاجر والمحال تعرض خصومات هائلة على السلع والبضائع. ومثل ما تفعل المحال التجارية في كل مكان، تعمد المحال الإيطالية إلى تخفيض الأسعار في شهر يناير (كانون الثاني) من كل عام، إلا أن التنزيلات هذا العام أضخم من الاعوام السابقة. ففي سوق «فيا كوندوتي» الاستهلاكي الكبير بالقرب من سبانيش ستيبس، تعرض محال تجارية مثل «غوتشي» و«برادا» تخفيضات كبيرة تتجاوز الـ50 بالمائة.

وعلى مقربة من المدرج الروماني، بدت الأمور أكثر بطئا بالنسبة لقائد المائة إلوسا. كان يفرك يداه من البرد، ويرمق المكان من حوله بحثًا عن أي شخص يريد التقاط صورة. في هذه الأثناء، رن هاتفه الجوال، فأجاب على الهاتف بعد أن جلبه من حقيبة حمراء تتدلى الى جانبه. كانت محدثته على الجانب الآخر والدته، فقال لها: «لا يا أمي، أشعر بقليل من البرد، لكن سأكون بخير. لا تقلقي، سأكون في المنزل قريبًا لتناول الغداء».

* خدمة «نيويورك تايمز»