غزيون في رام الله: أجسادنا هنا وعقلنا هناك

جرحى ومرضى ومسيحيون ممنوعون من العودة للقطاع بفعل العدوان

TT

العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة، يصيب الغزيين حتى وهم بعيدون عن بيوتهم واراضيهم. وفي الضفة الغربية حيث يعيش بعض الغزيين الذين يعملون او ترعاهم السلطة. فمنهم من غادر القطاع بفعل سيطرة حركة حماس هناك، قبل اكثر من عام ونصف العام، ومنهم من علق في الضفة، لا عمل له ولا سكن ولا اقارب، ويريد العودة الى غزة في كل دقيقة، لكنه ممنوع بفعل الحرب والاجراءات الاسرائيلية.

في أحد فنادق رام الله المتواضعة، تجلس سارة عدوان، 57 عاما، بانتظار انتهاء الحرب التي ترقب تفاصيلها دقيقة بدقيقة عبر الشاشة الصغيرة، فقد تركت هناك كل أهلها والقلق لديها بلا حدود.

وكانت عدوان تعتقد أنها ذاهبة في رحلة علاج الى رام الله، وانتهى لتجد نفسها وشقيقتها مضطرين للانتظار حتى ينتهي العدوان.

وغادرت سارة القطاع في أواخر اكتوبر (تشرين الاول) من اجل تركيب مفصل صناعي، وفعلا نجحت عمليتها التي اجرتها في مدينة نابلس، وكان يجب ان تعود مع نهاية ديسمبر (كانون الاول) لكن اسرائيل رفضت السماح لها بذلك. وقالت سارة لـ «الشرق الاوسط»: «الحياة هنا صعبة جدا». واضافت «أنا لا أغادر التلفزيون، كل اهلي وشعبي في غزة.. انا تعبت نفسيا». وتابعت «اختي اللي بترافقني، كمان تعبانه نفسيا، وبتبكي وبتصرخ طول الليل»، ومضت تقول «الوضع في غزة مأساوي اصعب من هجرة الـ 48 هذه إبادة جماعية.. سوونا حقل تجارب جربوا في غزة كل انواع الاسحة.. حرام حرام اللي بيصير هناك». وأمضت سارة عدوان، وهي بنت شقيق كمال عدوان، القيادي الفلسطيني الذي اغتيل في بيروت عام 1973 مع رفيقيه، ابو يوسف النجار، وكمال ناصر، حوالي شهرين في نابلس، وكانت العملية على نفقة السلطة الفلسطينية، واضطرت السلطة كذلك لان تحجز لها غرفة في احد فنادق رام الله، إذ لا اقارب لها وذلك في اطار مساعداتها للعالقين من اهالي غزة في الضفة. وتعتبر عدوان نفسها ميتة في رام الله، اذ تقول «أنا جثة هان (هنا).. العقل هناك، الارض عنا هي العرض، والنكبة مش راح تتكرر، احنا مليون ونص نسمة، ومش راح نطلع، وراح نظل نقاوم، شو ذنب الاطفال ينضربو قنابل فسفورية، احنا صامدين ليوم الدين».

واضطرت السلطة الى استضافة كثيرين غير سارة. وقال الدكتور مدحت طه، وهو مسؤول الملف الصحي في وحدة المساعدات في ديوان الرئاسة، لـ «الشرق الاوسط»: «في 30 شخص انهوا علاجهم ومش قادرين يرجعوا بسبب حماس، وفي هناك حوالي 20 اخرين انهوا علاجهم ومش قادرين يرجعوا بفعل العدوان». وحاول بعض المرضى العودة بعد أن انهوا علاجهم في المستشفيات الاسرائيلية، لكن اسرائيل رفضت السماح لهم بالعودة الى غزة، فعلقوا في رام الله. هؤلاء حجزت لهم السلطة غرفا فندقية، بعدما كانت استأجرت 3 شقق لجرحى الاقتتال الداخلي الذين يتعالجون او انهوا علاجهم. وقال طه «نلجأ لعدة فنادق في رام الله وهي فنادق يجلس المريض فيها احيانا شهرا او اكثر». وتخطط السلطة لنقل مرضى من مستشفيات اسرائيلية الى مستشفى المقاصد في القدس، لاستكمال علاجهم، بعد أن اخذت السلطة قرارا بعدم التحويل الى اسرائيل، بسبب العدوان.

وبحسب طه، فإن «معاناة بعضهم مضاعفة، فهم لا يستطيعون العودة الى غزة لانهم مطلوبون لحماس، واليوم فانهم قلقون جدا على مصير عائلاتهم بفعل العدوان». أما محمد النجار، 28 عاما، الذي اصيب في الاقتتال الداخلي في غزة، ويعمل في حراسة الشخصيات في ديوان الرئيس، فانه كان وما زال يخطط للعودة الى القطاع بعد رحلة علاج طويلة من اسرائيل الى رام الله، ثم الاردن، ورام الله مجددا. وقال لـ «الشرق الاوسط»: «قبل العدوان كنت انوي العودة الى القطاع، انا ما الي إلا غزة وكل اهلي موجودون في غزة». وبرغم ان جهات اجنبية عرضت على محمد وبعض رفاقه السفر الى الخارج، الا انه رفض كما يقول، لانه يريد العودة الى غزة. وبالنسبة لمحمد لا يوجد «اكثر من هيك مرارة»، مضيفا «الوضع صعب جدا هنا، ولدي رفاق بترت اقدامهم بفعل الاقتتال».

وقال محمد «الكل يريد ان يعود ويعيش بغزة مهما كانت الصعوبات». وما يمنع محمد اليوم هو العدوان فقط، لان الاسرائيليين يرفضون اعطاءه تصريحا لذلك، وليس حماس. واذا جاز القول، فان محمد، كان اكثر حظا من غيره، اذ تؤمن السلطة له الاقامة والمأكل والمشرب، وسيارة تنقل، لكن اخرين علقوا في رام الله، لا يجدون مثل هذه المزايا، وقال طه، «اول من امس اعطى الرئيس تعليمات بصرف مساعدات للطلبة الغزيين في جامعات الضفة، الذين تقطعت بهم السبل»، وكان هؤلاء يعتمدون على تحويلات مالية من اهاليهم في القطاع والان انقطعت هذه التحويلات. وقبل أيام صرفت السلطة حوالي 300 دولار لاكثر من 200 مسيحي عالقين ايضا في الضفة، وجاؤوا من غزة لحضور احتفالات اعياد الميلاد التي الغيت لاحقا احتجاجا على العدوان.