الأمير خالد الفيصل: لا بد على المجتمعين الخروج بضوابط وآليات تحد من خطورة «الفتاوى العشوائية»

خلال افتتاحه أعمال المؤتمر العالمي للفتوى وضوابطها

الأمير خالد الفيصل لدى افتتاحه عمال المؤتمر العالمي للفتوى وضوابطها في مكة المكرمة أمس (واس)
TT

نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، افتتح الأمير خالد الفيصل، أمير منطقة مكة المكرمة أعمال المؤتمر العالمي للفتوى وضوابطها بمبنى رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة أمس، بحضور أكثر من 170 عالما وفقيها إسلاميا، من أبرزهم الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ مفتي السعودية، والشيخ محمد رفيع العثماني مفتي باكستان، والشيخ يوسف القرضاوي الداعية والفقيه الإسلامي.

وبين الأمير خالد الفيصل في كلمة له، خلال الجلسة الافتتاحية لأعمال المؤتمر الذي يعتبره الكثيرون من أهم المؤتمرات لموضوعه المطروح، أن اجتماع العلماء والفقهاء يأتي لأمر جلل وهام للمسلمين لما للفتوى من أهمية في توحيد صف وكلمة المسلمين أمام العالم أجمع.

وقال أمير منطقة مكة المكرمة إن «الأمة تواجه شرا من داخلها» نتيجة الفتاوى التي يسوقها بعض المتشددين والمغالين، بحسب وصفه، عبر الفضائيات والمواقع الإلكترونية بشكل يوافق ويتبع أهواءهم، معتبرا الفتاوى المتشددة أصبحت تستخدم كذريعة ممن يكنون العداء للأمة الإسلامية.

وأشار إلى أن الوضع الجاري في غزة من مجازر إسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني تلقى من يستغلها ويسوق أفكاره عبر الفتاوى إلى الشباب، الذين وصف بأنهم باتوا «في خطر».

ودعا الأمير خالد الفيصل العلماء والدعاة المجتمعين في المؤتمر، الذي تستمر أعماله طوال ثلاثة أيام، إلى ضرورة وضع آلية وضوابط تحد من «فوضى الفتاوى العشوائية، ولا بد من التصدي لها».

وأكد أمير منطقة مكة المكرمة للمجتمعين أنه «من المملكة العربية السعودية، كعادتها، كل الدعم والعون لما ستخرجون به من مؤتمركم».

من جانبه، استهل الشيخ عبد العزيز آل الشيخ المفتي العام للسعودية كلمته بالحديث عن ما «يعتصر قلوب المسلمين من ألم شديد يقع على إخواننا الفلسطينيين، وما يتعرضون له من قتل وتشريد وتدمير».

وقال المفتي «إن هذا المؤتمر يعقد في هذه الأيام التي يعتصر قلوب المؤمنين الألم الشديد بهذا الواقع المرير وهذه الحملة الشرسة من اليهود وأعوانهم على إخوان لنا في فلسطين وما جرى من أحداث من قتل وتشريد وتدمير للممتلكات أحداث جسيمة ومصائب عظيمة نسأل الله أن يرفع البلاء».

وطالب الشيخ عبد العزيز آل الشيخ المشاركين في المؤتمر أن يخرجوا بقرارات نافعة ووثيقة جيدة تنظم أمر الفتوى وتحذر الناس من التسرع فيها «وتضع حدا لأولئك المتسرعين الذين يحاولون بث المسائل الشاذة والغربية».

واعتبر المفتي العام للمملكة، وهو رئيس المجمع الفقهي الإسلامي أيضا، أن من يفتون بغير حق يكذبون على الله وشبههم بالكفار والمشركين لكونهم يفتون بما يتبع أهواءهم، موضحا أن المفتي حين يسأل لا بد أن يكون لديه حسن نظر للقضايا ومقاييس للمصالح والمساوئ في الموضوع المنظور فيه.

وشدد آل الشيخ على أن المفتي لا بد أن يكون ذا علم بحق شريعة الإسلام وأدلة الأحكام ولغة العرب وقواعد الإفتاء والاطلاع على كتب أهل العمل السابقين ليستفيد من علومهم وتجربتهم.

وحدد الشيخ الدكتور عبد الله التركي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، في كلمته خلال افتتاح المؤتمر، أهم المشكلات التي تواجه موضوع الفتوى لدى المسلمين في «تجاسر من هم ليسوا أهلا لها والإفتاء بغير علم، ومن أمانة المفتي مشاورة نظرائه من فقهاء، ومن هم أعلم منه، وأن ينظر لمسألة الفتوى وفق ظروف السائل لها».

وأشار الدكتور التركي إلى أن المآسي والنكبات والحروب على المسلمين وديارهم من إسرائيل ومَن وراءَها في العصر الحديث وممن سبق من أعداء الإسلام والمسلمين يؤكد بلا شك أن المستهدف ليس فلسطين وحدَها أو فئة من الفلسطينيين ولكنها الأمة الإسلامية ودينها ومقدراتها مجتمعة، وقال «لا تكفي النداءات والبيانات ولا الشجب والاستنكار مع أهمية ذلك كله بل يجب الوقوف بصراحة لتشخيص سبب ضعف المسلمين وما يواجهونه من تحديات داخلية وخارجية والأخذ بالأسباب التي تؤدي إلى قوتهم التي يدافعون بها عن أنفسهم وبلادهم».

وشدد على أن على علماء المسلمين والمشاركين في هذا المؤتمر أن يقفوا وقفة جادة مع النفس ويتعاونوا بصدق مع ولاة أمرهم، ويعملوا على نبذ الفرقةِ وتصحيحِ السلبيات ويركزوا على وسائل محددة لبناء الأمة من جديد دونما يأسٍ ولا قنوط ودونما تساهل ولا تفريط في أحكام الله.

وأكد الشيخ الدكتور التركي على نداء الرابطة، خلال الفترة الماضية، بدعوة الحكام والمحكومين بتقديم كافة المساعدات والمعونات وفتح المعابر واتخاذ كافة الوسائل لإيقاف الممارسات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، واصفا هذه الممارسات بأنها «إهدار لحقوق الإنسان».

من جانبه، أكد الشيخ محمد رفيع العثماني مفتي باكستان، الذي ألقى كلمة ضيوف المؤتمر بالإنابة، أن أهمية المؤتمر العالمي للفتوى تنبع من مناقشة الضوابط والآليات المتبعة وفق مشكلات العصر الحالي، معتبرا أن الفتوى ترتبط بمختلف المواضيع السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، والمتغيرات التي تشهدها كافة المجالات خلال وقت قصير، بحسب قوله.

وأضاف المفتي العثماني «في عالم اليوم الذي يشهد أزمات وتكتلات عالمية، تمثل المؤتمرات، كهذا المؤتمر، رسالة عالمية تسهم في التحول والنقاش».

وكشف الشيخ الدكتور صالح بن زابن المرزوقي البقمي الأمين العام للمجمع الفقهي الإسلامي، خلال كلمته، أن هذا المؤتمر يأتي ضمن جملة من المؤتمرات الهامة لجميع أفراد الأمة الإسلامية، موضحا أنهم – أي في المجمع الفقهي – يعتزمون تنظيم مؤتمر خاص حول إثبات الشهور القمرية خلال الفترة المقبلة، دون أن يحدد موعدا.

وأضاف «سيتم بحث هذه القضية الهامة بين علماء الشريعة والحساب الفلكي، كما سيتم تنفيذ وإعداد ندوة تقويم لدول أوروبا الواقعة بين خطي عرض 48 و 66 شمالا وجنوبا، بعد أن عرضوا على المجمع الفقهي مشكلتهم، والحرج الذي يعانونه في تحديد أوقات عباداتها».

واعتبر الأمين العام للمجمع الفقهي الإسلامي أن رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وولي عهده الأمير سلطان بن عبد العزيز لهذا المؤتمر، وافتتاح أمير منطقة مكة المكرمة له، «لهو شاهد حي من شواهد الدعم المادي والأدبي المستمر والمتجدد للهيئات الإسلامية ومجامعها ودور العلم ومعاهدها».

وأرجع الشيخ الدكتور البقمي سبب حاجة المسلمين إلى الفتيا الراشدة، التي أكد وجودها في العصور الماضية، وأهميتها في العصر الحالي، نتيجة ما جد للفتيا من وسائل لم يخطر ببال أحد وقوعها، وكذلك ما ظهر من بعض من يتصدر لها عبر إصدار فتاوى شاذة عن سبيل الهدى، متنكبة عن الصراط المستقيم.

وتتواصل اليوم أعمال المؤتمر العالمي للفتوى، الذي يناقش ثمانية محاور رئيسية، بانعقاد ثلاث جلسات تتناول مواضيع: الفتوى وأهميتها، وتغير الفتوى، والموضوع الذي طال الحديث عنه، والمنتظر، حول فتاوى الفضائيات, بعد أن انطلقت أولى جلسات المؤتمر بمناقشة المحور الأول «الاجتهاد الجماعي وأهميته في مواجهة مشكلات العصر» البارحة، وكان من أبرز ما جاء في الجلسة ورقة العمل المقدمة من الشيخ الدكتور صالح بن حميد إمام وخطيب المسجد الحرام، ورئيس مجلس الشورى السعودي.

وقال الدكتور صالح بن عبد الله بن حميد «إن التصدر للإفتاء في الإسلام شأن ذو خطر حتى كان سلف الأمة الصالح يتهيبون الإقدام على الفتوى ويتدافعونها، مشيرا إلى أن بعض فقهاء المذاهب الفقهية المعتبرة يفتي بخلاف ما يدونه في كتبه من قواعد المذهب الذي يعتمده».

وأضاف «الأمة اليوم وقد تطورت أدوات الاتصال وتقنيات التواصل الأمر الذي سهل لكثير من المنتسبين إلى العلم والمشتغلين بالدعوة والإرشاد والتوجيه الديني مزيدا من التواصل مع الناس والجماهير فصاروا أهل تصدر، مما جعلهم مستهدفين بالاستفتاء والأسئلة الفقهية، وهو ما جرأ غير ذوي الاختصاص والأهلية على الدخول في هذا الباب والولوج في مسائل الأحكام، وفيهم من لم يستجمع شروط الإفتاء وأدوات الاختصاص».

وأكد الشيخ الدكتور بن حميد على أن الحاجة أصبحت ماسة في هذا العصر الذي اختص بكثرة نوازله ومستجداته وتشعبها إلى إعادة النظر في طرائق الفتوى ووسائلها وبخاصة تلك التي تتناول القضايا التي تلامس عموم الأمة ويطال تأثيرها سواد المسلمين.

وفي ورقة عمل للفقيه والباحث وهبة مصطفى الزحيلي عضو المجمع الفقهي الإسلامي، رأى أن من ثمار الصحوة الإسلامية في الآونة الأخيرة أن تحرك الفقه الإسلامي على مختلف الأصعدة والساحات بسبب وجود ظاهرتين ملموستين هما ظاهرة المصارف الإسلامية وما تحتاجه من إيجاد بدائل شرعية في المعاملات المصرفية عن المعاملات المشوبة بالربا والغرر، وظاهرة الاجتهاد الجماعي الذي امتد لبيان الحكم الشرعي القاطع والجريء في المذاهب والمبادئ والاتجاهات الإلحادية أو الضالة أو المنحرفة عن هدي الإسلام، والإصرار على تطبيق الشريعة الإسلامية في مختلف مجالات القانون.

وأفاد الزحيلي، وهو أستاذ كلية الشريعة في جامعة دمشق، أن مما شجع على الفوضى الاجتهادية انتشار سيل الطباعة المتدفق، في ظل افتقادها للرقابة العلمية الدقيقة، وبسبب كثرة القنوات الإعلامية الفضائية والمحلية، التي يتسرع فيها الواحد منهم بكل جرأة في إبداء رأيه، وهو يفتقد التكوين العلمي الصحيح، كما أن أغلبهم غير مختصين، أو يتسـاهلون في الفتوى تساهلا يعتمد على بعض الآراء الشـاذة أو الضعيفة أو المنكرة، حبا في السمعة والصيت والشهرة، والوصف بالتجديد.