«الدعوة» يتحول من حزب يطالب بحكم إسلامي.. إلى تنظيم ذي توجهات علمانية

الأحزاب المنافسة تخشى شعبية المالكي.. والانتخابات المحلية استفتاء عليها

عراقيون يشيعون في مدينة الحلة، أمس، جثمان مرشح في قائمة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في انتخابات مجالس المحافظات تم اغتياله أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

يظهر رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بوجه متجهم، في ملصقات انتخابية، علقت في كافة أنحاء العراق في هذه الأيام. لا يشارك المالكي في انتخابات المحافظات المقرر عقدها في الحادي والثلاثين من يناير (كانون الثاني) الجاري، ولكن «ائتلاف دولة القانون»، الذي يتكون من مجموعة مرشحين يخوضون الانتخابات، معتمدين بالأساس على سجل حكم المالكي، قرر استخدام صورة رئيس الوزراء في الحملة الانتخابية، ومن ثم تحولت الانتخابات إلى استفاء على حكمه. يتوقع أن تكون الانتخابات الاختبار الأكثر أهمية حتى الوقت الحالي للمساعي التي يبذلها المالكي من أجل تعزيز نفوذ الحكومة المركزية، ومعها نفوذه أيضا. وإذا ما نجح في تكوين قاعدة من السياسيين المحليين المستعدين لدعم ومساندة فكرة الحكومة المركزية، سيكون المالكي قد عزز كثيرا فترةً مدتها ثلاثة أعوام تحول خلالها من برلماني مغمور إلى أقوى شخصية في العراق منذ حقبة صدام حسين. ومع أن ماضي حزب الدعوة يتلخص في أنه تنظيم سياسي شيعي يعارض الحكومات العلمانية، تجنب المالكي وائتلاف دولة القانون الرسائل الدينية الصريحة، واستخدم بدلا منها وعودا شعبية وتعهدات تحسين الوضع الأمني والخدمات الأساسية، مثل المياه والكهرباء. وتهدد الشعبية المتنامية لنوري المالكي نفوذ الحلفاء القدماء، بمن فيهم الأكراد وأتباعه الشيعة، مع الاعتقاد المتنامي أنه قد أصبح رجلا قويا. ويخشى المنتقدون أن يعزز المالكي من نفوذه السياسي خلال الانتخابات المقبلة. ويقول وليد صالح، وهو عضو في البرلمان ينتمي إلى الكتلة الكردية «لقد تخلصنا من الدكتاتور والكابوس صدام حسين، ثم جاءنا هذا الدكتاتور الجديد الذي يرتدي ثياب الديمقراطية».

ومع ذلك، فقد أظهرت مقابلات أجريت مع أكثر من 100 عراقي في مختلف أنحاء العراق دعما واسعا للمالكي، ويعود ذلك في الكثير من الحالات إلى سياسات الذراع الطويلة التي يتبعها وتقلق حلفاءه. ويقول الشيعة إنهم يدعمون المالكي، وكذا الحال مع الكثير من السنة، حيث ترى أعداد متزايدة منهم، أنه قيادي غير طائفي. وقد تمكن المالكي من بناء هذا الصيت خلال العام الماضي، عندما قام بهجمات عسكرية ضد ميليشيا رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، الذي كان في يوم من الأيام حليفا، وكذلك من خلال التهديدات الموجهة للأكراد، الذين يمثلون جزءا مهما في الائتلاف الحاكم الذي يترأسه. ويقول صلاح عبد الرازق، وهو مدير حملة ائتلاف دولة القانون على مستوى العراق، إن لديه استراتيجية بسيطة لهذه الانتخابات قائمة في مجملها على المالكي. ويضيف عبد الرازق، وهو مرشح لمقعد في مجلس المحافظة ببغداد «نحن جميعا مرشحو المالكي، ونريد أن نجسد أهدافه في المحافظات».

وأشار عبد الرازق إلى أن الائتلاف، الذي يضم ستة أحزاب صغيرة بالإضافة إلى حزب الدعوة، يعتمد في حملته الانتخابية على وعود بتعزيز مركزية السلطة والحصول على الموارد من الحكومة المركزية عن طريق علاقاتهم بالمالكي. ولم يحضر المالكي، رئيس حزب الدعوة، حتى الآن أي فعاليات سياسية للائتلاف، ولكنه شارك في القرارات الهامة ذات الصلة بالحملة الانتخابية. ويقول عبد الرازق إن رئيس الوزراء قرر قبل حوالي ثلاثة أشهر أن الائتلاف يجب أن يحمل اسم «دولة القانون»، في إشارة ضمنية إلى الاسم الرسمي للخطة الأمنية في بغداد، ويعني الاسم فرض الالتزام بالقانون. ويذكر أنه منذ أن دشّن المالكي والمسؤولون الأميركيون الخطة في عام 2006، تراجعت أعمال العنف في العاصمة العراقية بصورة كبيرة جدا. ومع ذلك، تردد المالكي بداية الأمر في السماح باستخدام صورته على ملصقات الحملة، ويرجع ذلك، إلى خوفه من أن يكون ذلك سوء استخدام لمنصبه من أجل تحقيق أغراض سياسية، حسب ما يقول محسن الربيعي، نائب مدير الحملة. ويضيف الربيعي أنه في نهاية الأمر حصلت الحملة على تصريح من اللجنة الانتخابية المستقلة باستخدام صورته، كما تستخدم كل قائمة مرشحين أخرى ملصقات تظهر شخصيات سياسية بارزة. ولكن يقول مساعدون للمالكي إن تردده يعكس ميله إلى تجنب الفخر. ويقول الربيعي، الذي كان يعمل مديرا لمكتب المالكي عندما كان عضوا في البرلمان «إنه يعارض فكرة التظاهر كلية، وخلال اجتماع عقد مؤخرا، أسرف أحد الشيوخ في الثناء على رئيس الوزراء، فطلب مني أن أعطي الشيخ ورقة يطلب منه فيها التوقف عن ذلك». وبصورة عامة يصف المساعدون المالكي (58 عاما)، بأنه شخص متواضع لا يحب التظاهر. ودائما ما يرتدي المالكي بدلات محافظة ذات لون داكن ونظارته الشهيرة، وحتى عندما كان عضوا في البرلمان، كان المالكي يقوم بغلي الشاي لنفسه وينظف مكتبه، حسب ما يقوله الربيعي. ومع ذلك، ما زالت حياة نوري المالكي الشخصية لغزا محيرا بالنسبة لكثير من المواطنين، فنادرا ما يوافق على إجراء مقابلات معه.

ولد المالكي في قرية صغيرة جنوب العراق، وحصل على درجة الماجستير في الأدب العربي، وسرعان ما انضم إلى حزب الدعوة، الذي كان قد تأسس في عام 1957 كتنظيم شيعي معارض. كان التنظيم يدعو إلى حكومة ديمقراطية يشرف عليها رجال دين، يضمنون أن تتماشى قوانينها مع الإسلام. وبعد أن قامت حكومة صدام حسين التي ترأسها السنة، وكانت علمانية بصورة كبيرة، بحظر حزب الدعوة، هرب المالكي من العراق، وعاش في المنفى لعقدين من الزمان. في بداية الأمر عاش في إيران ثم انتقل إلى سورية، حيث كان في منصب رئيس المكتب المحلي للحزب. كان معروفا هناك بأنه «جواد»، ولكنه أسقط هذه الكنية عندما أصبح رئيسا للوزراء. ويقول مساعدون إنه حتى أقرب حلفائه لا يعلمون ذلك، عندما كان في المنفى في سورية، تبنى المالكي ابنة امرأة ماتت خلال عملية الولادة لأن أباها كان فقيرا ولا يستطيع أن يربيها، وبالإضافة إلى زينب، التي تبلغ حاليا من العمر 12 عاما، لدى المالكي أربعة أطفال، ثلاث بنات وابن.

ويقول عبد الرازق، مدير الحملة، إن الحزب لم يعد يركز على الدين. ويضيف «المالكي إسلامي كفرد، ولكنه كرجل دولة، لا.. إنه علماني. في الوقت الحالي لدينا أولويات، حيث لا توجد منازل للمواطنين ولا غذاء ولا أمن، هناك احتياجات ضرورية للمواطنين قبل أن نقوم بأشياء مثل أن نحظر الكحوليات أو نجبر المرأة على ارتداء الحجاب». ويؤكد «في الأساس، المالكي عراقي، ولا يمكن أن يكون إسلاميا في الوقت الحالي».

ويعد تحول حزب الدعوة من المطالبة بحكم ديني إلى تلبية الاحتياجات اليومية للمواطنين اتجاها عمليا تتبعه التنظيمات الحاكمة في البلاد الإسلامية في الشرق الأوسط. ويقول محللون وبرلمانيون إن هذا التحول يمثل تطورا إيجابيا في النظام السياسي العراقي، فخلال الانتخابات الماضية، في عام 2005، اتبع الكثير من الناخبين التوصيات السياسية لشخصيات دينية مثل آية الله علي السيستاني، المرجع الشيعي الأعلى في العراق، الذي كانت موافقته على ائتلاف شيعي موسع سببا في فوزه خلال الانتخابات. وفي الوقت الحالي، تراجع السيستاني عن التصديق، في الوقت الذي تعتمد فيه الائتلافات على الأحزاب والشخصيات السياسية بعد أن كانت تعتمد في الماضي على الطائفية والنزعات العرقية. وقد حل محل الملصقات التي كانت تحمل صورة السيستاني ملصقات أخرى تحمل صورا لسياسيين مثل المالكي وعبد العزيز الحكيم، رئيس المجلس الأعلى الإسلامي في العراق، الذي تمثل قائمة مرشحيه الخطر الأكبر لائتلاف المالكي خلال هذه الانتخابات. ويقول غسان العطية، المحلل السياسي ومدير مؤسسة العراق للتنمية والديمقراطية، وهي مؤسسة علمانية، إنه ليس من الواضح السبب الذي دفع المالكي للتوقف عن الحديث عن الدين. ويضيف العطية «واضح أن المالكي يريد البقاء في السلطة، فأي شخص يصعد على سلم السلطة لا يريد النزول عنه، ومن ثم فعليه أن يتكيف ويتغير. ولكن ما زلنا لا نعرف (إجابة) السؤال الأكثر أهمية: هل المالكي مخلص في ارتداء عباءة الإصلاح بدلا من عباءة الإسلام؟».

ويضيف العطية إنه سوف ينظر إلى المالكي على أنه الفائز في الانتخابات حتى لو حصل الائتلاف على محافظتين فقط. ويسيطر حزب الدعوة في الوقت الحالي على محافظة كربلاء. ويقول مساعدون في الحملة الانتخابية إنهم يعتقدون أن الائتلاف يمكن أن يفوز بأغلبية مقاعد في بغداد والنجف والبصرة وذي قار. ولكن يجب على الائتلاف التغلب على اتجاه خفي يرى أن المالكي يتجاوز سلطاته.

ويقول مسؤول أميركي بارز، شرط عدم ذكر اسمه، لحساسية الموضوع، إن هناك على الأقل 142 برلمانيا، أي أكثر من المطلوب بأربعة برلمانيين، سوف يدعمون الإطاحة بالمالكي خلال تصويت سحب الثقة منه. ولكن – يضيف - ويوافقه برلمانيون بارزون من مختلف الأطياف السياسية: إنه من غير المحتمل إجراء مثل هذا التصويت في هذه المرحلة لعدم وجود بديل واضح، كما أن ذلك يمكن أن يؤدي بالبلاد إلى حالة من الفوضى. * خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»