سنوات بوش الثمانية في البيت الأبيض.. سوداء أم بيضاء؟

يغادر واشنطن إلى مزرعته في تكساس ويتأمل صورته في المرآة وهو راض عن نفسه

بوش يقف وحيدا ينظر الى عدسة المصور بين مجموعة من قادة العالم خلال اجتماع لقادة بلدان الناتو في بوخارست في أبريل الماضي (رويترز)
TT

يغادر الرئيس الاميركي جورج بوش البيت الابيض خلال أيام، بعد ثماني سنوات عاصفة، خاضت خلالها الولايات المتحدة حربين، وتعرضت لاكبر هجوم ارهابي في تاريخها، وعصفت بها أزمة اقتصادية شبيهة بأسوأ أزمة في تاريخها وقعت في ثلاثينيات القرن الماضي... وانتهت بضربة حذاء كاد ان يتلقاها رئيسها الذي هوت شعبيته الى الحضيض، في انحدار لم يسبق له مثيل في تاريخ الرؤساء الاميركيين. ولكن في المقابل، فقد حقق بوش داخلياً بعض النتائج التي سترتبط باسمه أو بادارته، ومن بينها مشروعه الطموح «لا طفل خلف الأبواب» الذي جعل التعليم متاحاً حتى نهاية المرحلة الثانوية.

وعلى الرغم من هذه الحصيلة السلبية لسنوات حكمه الثمانية، فقد دافع بوش عن نفسه باستماتة في المؤتمر الصحافي الاخير الذي عقده في البيت الابيض، حيث قال: «عندما كنت أتجول في البلاد لم يكن معظم الناس غاضبين، ولم يكونوا عدائيين نحوي، ولم ألتق أناساً يختلفون معي، هذا الامر ليس صحيحاً. التقيت مع أشخاص لم تعجبهم قراراتي، لكنهم كانوا متحضرين في طروحاتهم». وأضاف: «الذين يقولون اشياء سيئة عني عددهم محدود». ويعتقد بوش ان الرؤساء يحاولون تجنب القرارات الصعبة لتجنب الجدل والخلاف، ولكنه يقول عن ذلك: «هذا لا يتطابق مع طبيعتي. أنا من نوع الاشخاص الذين يقبلون على العمل الصعب، وفي زمن الحرب يكون الناس عاطفيين، وأستطيع ان اتفهم ذلك. انني استمع لأصحاب الاصوات المرتفعة لكنهم لا يؤثرون على سياستي وكيف اتخذ قراراتي». وقال بنبرة لا تخلو من اعتزاز: «عندما أعود الى منزلي في تكساس وأرى وجهي في المرآة سأكون فخوراً. لا اعرف ماذا سيكون الموقف لو كنت سمحت للاصوات المرتفعة والناقدة ان تحول بيني وبين اتخاذ القرارات الضرورية لحماية البلاد». يعتقد بعض المراقبين المتعاطفين مع بوش انه لم يكن ليفوز بفترة رئاسية ثانية بعد غزوه للعراق وتعامله مع تداعياته مع هجمات سبتمبر (أيلول) الى الحد الذي سمح فيه «باستعمال التعذيب» لاستجواب من اتهموا بالارهاب، لولا تأييد الكثيرين لقراراته. وفي هذا الصدد يقول مارتن بيرتس رئيس تحرير «نيو ريبابليك» التي تعد واحدة من أعرق الاسبوعيات الاميركية، لـ«الشرق الاوسط»: «أعتقد ان أداء الرجل (جورج بوش) كان جيداً خاصة على صعيد محاربة الارهاب والقضايا الخارجية بما في ذلك غزو العراق. انا كنت دائما معه ومع هذه الادارة (إدارة بوش). معهم في بعض الامور وليس في كل شيء. ولكني لست متعاطفاً معهم حول وجهات نظرهم بشأن القضايا الاجتماعية او الاقتصادية». ويعتقد بيرتس ان بوش الذي واجه هجمات سبتمبر (أيلول) في السنة الثانية له في المكتب البيضاوي، تصرف بحزم، ويقول: «كان عليه ان يفعل ما فعله عندما وصل الارهاب الى اميركا من متطرفين يريدون بث الرعب في بلادنا». ويرى بيرتس ان بوش «تصدى للارهاب ووفر الأمن للاميركيين وجعل التعليم متاحاً وحاول تسوية وضعية 12 مليون مهاجر على الرغم من معارضة حزبه وقام باعفاءات ضريبة مهمة لكنه أخفق في توسيع شرائح الطبقة الوسطى ومحاربة الفقر».

خلال حكم الرئيس بوش ظهر مفهوم «المحافظون الجدد» الذي تبناه نائبه ديك تشيني. يرى المحافظون الجدد ان «المحافظة على قيم المجتمع الاميركية» يجب ان يكون هو الاساس والموجه لاميركا والعالم. وطبقاً لهذا المفهوم تم تقسيم العالم ليس الى شرق وغرب كما كان الشأن اثناء الحرب الباردة، بل الى«محور خير» و«محور شر». محور الخير يؤمن بالحرية الاقتصادية وهيمنة قوانين السوق والديمقراطية الجديدة، وبأن العالم يجب أن يسير وراء اميركا، وفي «محور الشر» هناك «الدول المارقة» التي تدعم فعلياً «الارهاب والارهابيين». ويعتقد بوش انه نجح في هذا السياق لأن الحروب التي خاضتها اميركا في الخارج «جعلت الشعبين العراقي والأفغاني ينتظمون في صفوف طويلة لاختيار حكامهم عبر صناديق الاقتراع». وفي مجال تقييم إرث بوش يرى فرد بارنز المحلل السياسي في مجلة «زي ويكلي ستاندر»، والباحث غير المتفرغ في معهد «اميركان انتربرايز» في واشنطن، ان بوش لديه ثماني انجازات واضحة، حددها هابارنز لـ«الشرق الاوسط» كالتالي: «معارضته معاهدة كيوتو التي راهن عليها آل غور ولوبي البيئة والاوروبيون. الانجاز الثاني تعامله الصارم مع الارهابيين الذي أدى الى انقاذ أرواح الاميركيين. الانجاز الثالث يرتبط بالانجاز الثاني وهو مسألة اعادة الاعتبار لسلطات وصلاحيات الرئيس حيث بادر مثلاً على التنصت على المكالمات الهاتفية من دون حتى إذن قضائي. الانجاز الرابع مساندته لاسرائيل مما جعله يفخر بانه كان افضل صديق لها في البيت الابيض، وعلى الرغم من ذلك فرض على الاسرائيليين قبول مبدأ الدولتين. وإنجازه الخامس كان في مجال التعليم حيث طبق برنامجه الاصلاحي عبر قانون «لا طفل يترك خلف الابواب» والذي فتح المدارس للجميع. وإنجازه السادس والذي شرع في تطبيقه منذ عام 2005، نشر الديمقراطية في العالم. والإنجاز السابع هو نظام الرعاية الطبية الذي جعل بإمكان الحكومة تسديد فواتير المرضى المحتاجين أو تقسيطها. والإنجاز الثامن الذي يتجاهله كثيرون، وهو تعزيز العلاقات مع دول شرق آسيا وهي اليابان وكوريا الجنوبية واستراليا، من دون احداث قطيعة مع الصين.

إذا كانت هذه هي «الانجازات الثمانية» التي ستذكر لفترة حكم بوش، فإن جون لوكلت استاذ العلوم السياسية في جامعة «نوفا لكسندريا» في فرجينيا، يرى الأمر من زاوية مختلفة. ويقول لوكلت لـ«الشرق الاوسط» إن سجل الرئيس بوش في الفشل، «استثنائي». ويضيف: «خاض حربين في الخارج وأخطأ في التقديرات حولها كما قال بنفسه. وإذا كان الهدف في افغانستان هو اسامة بن لادن وتكسير ضلوع حركة طالبان، فإننا لا نعرف أين هو بن لادن وما يزال يمطرنا بشرائطه المسجلة، وحركة طالبان باتت لها أذرع طويلة. وفي العراق، ذهبنا لنحارب الارهاب وجمع اسلحة الدمار الشامل من مستودعات ديكتاتور، لكننا لم نجد أي اسلحة وبالمقابل انتقلت «القاعدة» الى هناك لتحاربنا. وفي الداخل وتحت شعار «الحرب ضد الارهاب»، فقدنا الكثير من الحريات». ويضيف لوكلت: «سأكتفي بعناوين إخفاقات بوش داخلياً، هناك إعصار كاترينا، ثم التطبيق السيئ لبرنامج الرعاية الطبية الذي جعل قرابة 40 مليون اميركي بدون تغطية صحية، وأزمة المنازل والارتفاع الحاد في نسبة البطالة. ثم جاءت اخيراً الأزمة الاقتصادية والتي ظلت إدارة بوش تنكرها حتى وقفنا على حافة أزمة الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي بل أكثر من ذلك بكثير». ويرى لوكلت ان «مفهوم نشر الديمقراطية ورؤى المحافظين الجدد للحريات لم تتجاوز شارع بنسلفانيا (الشارع الذي يوجد فيه البيت الابيض)». ثمة جانبان دائماً للصورة. لذلك هناك من يقرأ عهد بوش قراءة ايجابية، وهناك من يقرأه بصورة سلبية. في المجال الاقتصادي يرى المعارضون ان بوش أخفق في قراءة اشارات الانذار بشأن الوضع الاقتصادي. فهو شجع رفع الضوابط عن النظام المالي، مما أثار اختلالا أفضى الى الأزمة الحالية. كما بدد الفائض الكبير في الميزانية الذي تركته ادارة بيل كلينتون، تاركا لباراك أوباما عجزا يتوقع ان يتخطى الألف مليار دولار. ويقول المؤيدون إن إدارة بوش رصدت المخاطر في مرحلة مبكرة، غير انها اصطدمت بجمود الكونغرس الذي لم يتحرك بشكل سريع. وفي حرب العراق يقول المعارضون، ان بوش تجاهل معارضة حلفائه الرئيسيين ليجتاح العراق بدون تفويض من الامم المتحدة، ولدوافع غير صحيحة. وان كانت ادارته اعدت للاجتياح، إلا انها لم تخطط لما بعده، فعمت الفوضى هذا البلد. ويقول المؤيدون انه اذا كانت الاستخبارات الاميركية اخطأت بشأن امتلاك العراق اسلحة دمار شامل، فان صدام حسين كان يشكل فعلا خطرا. وفي افغانستان، يقول المعارضون انه لو لم يقرر بوش ارسال قوات الى العراق، لكانت قامت بدور مجد في افغانستان التي تشكل الجبهة الحقيقية في «الحرب على الارهاب»، وقد سمح بذلك لطالبان بإعادة تشكيل قوتها. اما المؤيدون، فيقولون ان الولايات المتحدة حررت 25 مليون افغاني، وهي تخطط لمضاعفة عدد قواتها هناك. وبشأن النزاع العربي ـ الاسرائيلي، يرى المعارضون أن الرئيس بوش اهمل هذه المسألة حتى 2007 وعمل لمصلحة اسرائيل، وأخطأت ادارته في توقعاتها لنتائج الانتخابات التي سجلت فيها حركة حماس انتصارا ساحقا مكنها من السيطرة على قطاع غزة. ويقول المؤيدون، ان بوش كان اول رئيس دعا الى قيام دولة فلسطينية تعيش جنبا الى جنب مع اسرائيل ورسخ هذه الفكرة في المنطقة. كما عزز السلطة الفلسطينية وحرك المفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية. وحول ايران يقول المعارضون ان بوش رفض إقامة حوار حقيقي مع ايران. ويقول المؤيدون ان بوش شكل تحالفا دوليا وأسس لوسائل ضغط متزايد على النظام الايراني. وحول محاربة الارهاب، يقول المعارضون تراجعت سلطة الولايات المتحدة الاخلاقية نتيجة سلسلة من المسائل والفضائح منها معتقل غوانتانامو والممارسات السرية في الحرب على الارهاب واللجوء الى اساليب تعذيب اثناء استجواب مشتبه بهم وفضيحة ابو غريب. ويرى المؤيدون ان الولايات المتحدة لا تمارس التعذيب، أما معتقل غوانتانامو والبرامج السرية، فقد كانت ضرورة وحالت دون وقوع اعتداءات جديدة في الولايات المتحدة.