العراقيون يحملون مشاعر متناقضة لرئيس خلصهم من «ديكتاتور».. وأغرقهم في عنف لا ينتهي

البعض يقول إنه أعاد إليهم بريق الأمل بالحياة وآخرون يعتبرون الوجود الأميركي احتلالا

TT

يبدو ان الرئيس الاميركي جورج بوش لم يحصد خلال السنوات التي مرت على حكمه في الولايات المتحدة، سوى بعض خيبة الامل والكثير من الالام وبصيص من أمل في المستقبل بالنسبة للعراقيين، باعتباره السبب الرئيس لخلاصهم من حكم دام ثلاثين عاما، لم يشهدوا فيه غير آلام وآمال ضائعة وخيبات وموت وحرمان.

وفي جولة لـ«الشرق الاوسط» في الوسط والجنوب، تبين ان حصة بوش في قلوب العراقيين مليئة بالألم، على الرغم من اعتراف العديد منهم بانه وراء خلاصهم من حكم صدام حسين. ويقول طاهر الموسوي، «بوش من الشخصيات السياسية المحبوبة لدي، اذ قدم وللكثير من العراقيين خدمة كنا نحلم فيها، وهي القضاء على النظام السابق». ويضيف الموسوي ان بوش أعاد اليه حقه من النظام السابق، الذي قتل أباه وأخاه وهجره الى خارج العراق لمدة 13 عاما. شعور الموسوي يبادله اياه أيام محمد الخفاجي، وهو طالب يدرس الحقوق، ويقول ان «اغلب العراقيين يودعون بوش بتحايا حارة لما زرع في العراق من ديمقراطية كانوا يحلمون بها في الازمان السابقة». ويضيف الخفاجي ان بوش اراد فعل الكثير للعراق واراده ان يكون النموذج الديمقراطي في الشرق الاوسط، «لكن الايادي الخفية دخلت لإفشال المشروع وزرعت الفتن والقتال الطائفي». اما رفقة اسعد، الشابة البالغة من العمر 19 عاما، فلن تنسى ان طلقة اميركية كانت السبب في نهاية حياة والدها، الذي تقول انه لم يقترف ذنبا، الا انه كان يريد التسوق لعائلته من احد اسواق مدينة المقدادية في محافظة ديالى. وتضيف، «لم يستطع اكمال مشواره، اذ بدأ تبادل لاطلاق النار بين دورية اميركية واحد الخارجين عن القانون، تسبب بمقتل عشرات الابرياء في السوق. الاميركيون بدأوا يطلقون النار بشكل عشوائي».

تقول رفقة إنه عند دخول القوات الاميركية للعراق، «كان هناك نوع من الفرحة داخل كل فرد عراقي، لانهم تمكنوا من انهاء فترة مظلمة وحكم دكتاتوري، لكن سرعان ما تبدلت هذه النظرة وحل الظلام بدل الاحلام الوردية التي كانوا يتمناها العراقيون، وبدأ القتل والدماء والتصرفات الهمجية لكثير من الجهات». رفقة تشرح ان عائلتها فقدت المعيل الوحيد لها، وان في العائلة أربعة مرضى من اصل ستة ابناء. تقول انها تنظر اليوم الى الولايات المتحدة من خلال بوش نفسه، وكانت تتمنى ان يطبق ما قاله بوش لكن الذي حدث عكس ذلك. عدنان محيي حزام من سكان محافظة واسط، يقول ان قرار بوش بشأن العراق كان صحيحا، «فالعراق تحول من بلد مغلق ومظلم الى بلد ديمقراطي يستطيع فيه أي فرد التعبير عن رأيه بصراحة وعلنا من دون الخوف من السجن والموت». ويضيف انه وعلى الرغم ما جرى في العراق خلال السنوات الخمس الماضية، «فاننا على الاقل نستطيع القول انها مرحلة مخاض علينا تخطيها ومن ثم البدء من جديد ببناء وطننا». في الانبار، يقول محمد حبيب الراوي، وهو طالب في الاداب، انه على الرغم من انهاء ديكتاتورية صدام، فان الدمار الذي لحق بالبنى التحتية في العراق بسبب الصراع والحرب هو امر لا يمكن نسيانه. ويقول ان الانبار تضررت أكثر من غيرها بكثير، لكن عمليات البناء الان في مدينته تبعث على الامل.

الا ان هناك من لا يدين لبوش حتى باسقاط نظام صدام حسين، فابو محمد مثلا يقول، «بوش هدم العراق ولم يجعل من العراقيين أصدقاء له ونحن فرحين بمغادرته البيت الابيض». ويضيف ان «سياسية بوش مع العراقيين كانت الأكثر عنفا ودمارا وخلف لنا الكثير من التركات الثقيلة، عكس ما كنا نتوقع في الايام الاولى من سقوط النظام السابق».  ويشارك علي عرفان أبو محمد الرأي، اذ يقول، «عندما نذكر بوش نتذكر الملايين الذين قتلوا بسبب القصف الجوي والعنف الطائفي والقتل على الهوية والتهجير، وهناك العديد من النساء اللواتي ترملن وهن شابات، وايتام حرموا رعاية الاب بسبب موته على يد القوات الاميركية عن طريق الخطأ». ويضيف، «ارث بوش لدينا ارث اسود وسعداء لانه غادر البيت الابيض».

وفي محافظة البصرة ثاني اكبر المدن العراقية، التي لم يزرها الرئيس الأميركي طيلة فترتي رئاسته، فقد رسم فنان من المدينة صورة ساخرة له يظهر فيها الرئيس بوش يغادر البيت الأبيض وهو يحمل ملفا طبع عليه حذاء منتظر الزيدي ويقول، «هذا اغرب ما في رئاستي».

ووصف سكان المدينة ولاية بوش بالـ«حقبة المظلمة» على العراق، ويعتبرون ان بلادهم دفعت ثمنا غاليا «تلبية للنزعة العدوانية التي استفزت الرئيس الأميركي اثر أحداث سبتمبر (أيلول) 2001».

ويقول مهدي الحلفي، الفنان التشكيلي الذي رسم بوش حاملا ملفا عليه الزيدي: «اسم بوش يتردد في كل بيت منذ احتلال العراق عام 2003 لجسامة الأحداث التي رافقت دخول جنوده للعراق، وان انتهاء ولايته حدث مهم يراها كل مبدع من زاوية، وأنا أرى ان أجمل توديع شعبي له هو قذفه بفردتي حذاء الصحافي منتظر الزيدي، التي وثقتها برسم كاريكاتيري. من المؤكد ان تكون هذة الحادثة علامة بارزة في تاريخ رؤساء أميركا». ويقول الشيخ فرهود شعلان آل سليمان، وهو رئيس عشيرة بني زيد، التي ينتمي اليها منتظر، ان «فعلة منتظر رفعت رؤوسنا لأنه قام بتوسيم الرئيس الأميركي، أي جعل له علامة مميزة تكسبه بالمفهوم الشعبي العراقي الخزي والعار». ويضيف، «الاعمال الوطنية ليست غريبة على أبناء منطقة الشطرة (45 كم شرق الناصرية حيث تقطن العشيرة)، اذ سبق ان قام شبان من المدينة بمحاولة اغتيال عدي صدام الحسين، وان لم تنجح فقد حولته الى إنسان مقعد».

بين الامتنان والغضب، يترك بوش البيت الابيض مخلفا وراءه حربا تسببت بمشاعر متناقضة بين العراقيين، والاهم.. انها حرب لم تنته بعد.