لماذا تريد إسرائيل وقف النار من طرف واحد؟!

TT

القرار الإسرائيلي بوقف اطلاق النار من طرف واحد، جاء كتعبير للرغبة الحقيقية في غالبية الأوساط السياسية والعسكرية المتنفذة بوقف الحرب، ولكنه في الوقت نفسه مطب تنصبه اسرائيل لقيادة «حماس». لقد كان الاسرائيليون يحبذون لو ان وقف النار جاء من الطرفين، بحيث تظهر المسألة وكأن «حماس» تصيح من الألم أوقفوا النار. ولكنهم يشعرون ان «حماس» ليست متعجلة في أمرها، وها هي ترفض وقف النار وفقا للمبادرة المصرية. ويفسر الاسرائيليون موقف «حماس» هذا ليس على انه تعبير عن القوة أو النصر، بل لأنها تريد انهاء الحرب بطريقتها. فهي، أي حماس، تماطل لكي تتحين فرصة القيام بعملية تحقق لها مكسبا عسكريا ميدانيا ما. فالنجاح الاسرائيلي في اغتيال سعيد صيام، قبل ثلاثة أيام، وفر لاسرائيل «صورة النصر» التي تبحث عنها لإنهاء القتال. وهي تريد «صورة نصر» مضادة، تستطيع «حماس» الخروج بها من الحرب منتصرة، كأن تنجح في قتل مجموعة كبيرة من الجنود الاسرائيليين مثلما حصل في نهاية حرب لبنان، أو كأن تنجح في تنفيذ عملية تفجير نوعية داخل اسرائيل أو تسقط طيارة أو تدمر دبابة أو أي مكسب آخر شبيه.

و«حماس» واثقة من انها ستستطيع تنفيذ عملية كهذه في حالة بقاء الجيش الاسرائيلي في المواقع التي يحتلها اليوم. في الوقت نفسه، تعرف «حماس» ان اسرائيل تعيش حالة من الضغط الشديد وان الوقت لم يعد في صالحها. فهي لا تريد ان تواصل القتال، الذي يتميز بالأساس في قتل المدنيين وتدمير قطاع غزة وتشريد المواطنين واللاجئين، من دون حدود. واسرائيل لا تريد ان يقام حفل ترسيم الرئيس الأميركي الجديد، باراك أوباما، في البيت الأبيض بعد غد الثلاثاء على دوي الغارات الاسرائيلية، وتخشى ان يؤدي ذلك الى كارثة انسانية أخرى تضطر الرئيس الجديد لأن يهاجم اسرائيل في أول تصريح له.

كما ان الضغوط الدولية بدأت تترك أثرا على القيادة الاسرائيلية، حيث ان العالم كله يواجه اسرائيل بالنقد والهجوم. وقد وصفت اسرائيل بدولة ارهابية خلال لقاء لوزيرة الخارجية الاسرائيلية، تسيبي لفني، في قلب العاصمة الأميركية واشنطن. وهي لا تريد المزيد من العداء الدولي وبالتالي المزيد من القرارات الدولية التي تدينها وتحاول إجبارها على وقف النار. ولأن اسرائيل تخشى من أن تستغل «حماس» كل لحظة من أجل الفوز بـ «صورة النصر» تلك، تقوم قواتها بتشديد الغارات الجوية والقصف المدفعي البري والبحري بتصعيد خطير. «لا تتركوا لهم مجالا للتنفس»، أمر قائد العمليات الحربية يوآف غالانت. وبما ان هذا الضغط الأعمى يسفر عن المزيد من الكوارث الانسانية لأهالي غزة، تريد اسرائيل أن تجد طريقة لوقفه، حتى ولو من جانب واحد. فتعلن انها أوقفت الحرب لأنها حققت أهدافها منها (استعادة قوة الردع وضمان مكافحة تهريب الاسلحة الى قطاع غزة). فإذا لم تتجاوب «حماس» وواصلت القتال، فإن اسرائيل تستطيع ان ترد وتستأنف حربها وهي تقول: «لقد بذلنا كل جهد ممكن لوقف النار ولكن حماس هي التي تريد الاستمرار. واسرائيل تهدد فعلا بالرد على استئناف القتال بصورة أشرس في حالة خرق حماس لوقف النار. وكل ما تريده عندئذ هو أن تبدو حماس مذنبة في ذلك».