مأساة طبيب فلسطيني يعمل في إسرائيل.. قتلت عائلته بقذيفة دبابة

أرسلوا آلية عسكرية إلى بيته فاستنجد بزملائه في إسرائيل وأنقذوه.. لكن الجيش عاد وقصف المنزل

الدكتور عز الدين.. متأثرا لفقدان أفراد من عائلته في قصف إسرائيلي (إ.ب.أ)
TT

الدكتور عز الدين أبو العيش، هو طبيب متخصص في أمراض النساء وباحث علمي من قطاع غزة، نكب أول من أمس مرة أخرى، وأضيف الى القائمة الطويلة لضحايا العدوان الاسرائيلي الوحشي على غزة. لكن قصته مختلفة في بشاعتها وفي حيثياتها الصارخة.

في أيام أكثر هدوءا من أيامنا، كان يدخل ويخرج من غزة الى اسرائيل بتصريح مميز، كونه طبيبا. عمل طويلا في مستشفى بئر السبع. ثم انتقل للتخصص في مهنته في مستشفى شيبا قرب تل أبيب. وقد تقدم في سلم التطور العلمي بشكل جعل إدارة المستشفى تضمه الى طاقم الباحثين. وفي السنوات الأخيرة يجري بحثا مشتركا مع الطبيبة اليهودية، ليئات ليرنر ـ جيبع، حول العوائق التي يواجهها الأطباء الفلسطينيون في علاج الأطفال المرضى والمصابين، والتي تشير الى ان الطفل الفلسطيني يمكث في المستشفى أكثر من الطفل الاسرائيلي بسبب العقبات التي يفرضها الواقع الفلسطيني في ظل الاحتلال والحصار.

لهذا الغرض، يحضر د. أبو العيش الى اسرائيل في مطلع كل أسبوع، ويمضي ثلاثة ايام من العمل والبحث ثم يعود الى غزة، حيث يمضي الوقت مع عائلته ويعالج نساء غزة. «كان يحمل كل التصاريح اللازمة للتنقل»، تقول شريكته في البحث، و«مع ذلك فقد عانى كثيرا من الجنود في المعابر. ولكنه لم يدع اليأس يصيبه من هذا العناء الشخصي وصبر لكي ينجز البحث على أمل أن يؤدي الى تحسين أوضاع أطفال بلده. وفي الوقت نفسه اكتسب خبرات غنية ومهمة تفيده في رفع مستوى العلاج في غزة». قبل عدة شهور تعرضت عائلته لمأساة كبيرة، حيث توفيت زوجته بالسرطان. وأصبح الأب والأم لأولاده الثمانية. وأصبح سفره للبحث في اسرائيل أكثر صعوبة، ولكنه بتشجيع من زملائه في المستشفى الاسرائيلي، استمر. في يوم الخميس الذي سبق الحرب العدوانية على غزة، عاد الى بلده كالمعتاد. وقد نشبت الحرب في يوم السبت، فلم يحضر الى المستشفى. وفضل البقاء مع أولاده. وتطوع في الوقت ذاته للعمل طبيب طوارئ في سيارة اسعاف، يتنقل من بيت مهدوم الى آخر، تحت خطر قصف الصواريخ والقذائف الاسرائيلية.

وكان يهدد حياته للخطر في كل ساعة، وشهد بعينيه كيف قصفت اسرائيل العديد من سيارات الاسعاف (26 سيارة، قتل فيها 13 عنصرا من الطاقم الطبي وجرح 27). ولم يتراجع.

وقد تفهم زملاؤه الأطباء والباحثون في المستشفى الاسرائيلي هذا التصرف، وكانوا على اتصال دائم به وهو على اتصال دائم بهم. ومن خلال ذلك، ربطوا بينه وبين التلفزيون الاسرائيلي التجاري (القناة العاشرة) وعدد من الصحافيين الاذاعيين، وأصبح يقدم تقريرا يوميا لوسائل الاعلام الاسرائيلية عن الأوضاع المأساوية في قطاع غزة. وفي ظل التعتيم الذي فرضه الجيش الاسرائيلي على ما كان يحصل في غزة، قدم الدكتور أبو العيش خدمة جلى لقضية شعبه. واكتسب مصداقية عالية في اسرائيل كون تقاريره دقيقة وصادقة وموقفه المبدئي واضح فهو ضد العنف بكل أشكاله ومن جميع الأطراف ولم يتردد في توجيه انتقاد ذاتي لسياسة حماس في غزة وليس فقط اسرائيل وجرائمها.

في يوم الثلاثاء الماضي، عندما كان ابو العيش يتكلم في برنامج اذاعي مع النجمين الصحافيين، رافي ريشف ونتان زهافي، قطع البث فجأة وهو يخبرهم ان دبابة تصوب فوهتها نحو بيته وانه يشعر بأنهم سيطلقون القذائف نحو بيته. ثم اتصل بالصحافي شلومو الدار، مراسل الشؤون الفلسطينية في القناة الاسرائيلية العاشرة، وأخبره بذلك. وقال انه و25 نفرا من أفراد عائلته وعائلة شقيقه وأقربائه يعيشون حاليا في البيت وانهم لا يجرؤون على رفع الراية البيضاء خوفا من أن يقتلوا مثلما حصل لفلسطينيين آخرين. وانهم منبطحون على بطونهم في البيت، لا يقوى أحدهم على رفع رأسه بمن في ذلك الأطفال، حتى لا تقصفهم الدبابة الاسرائيلية. وقطع البث. فبادر الصحافيون الثلاثة للاتصال بالناطق بلسان الجيش في محاولة لوقف الاعتداء، ولكنه لم يساعد. فاتصلوا بزميلهم روني دانئيل، المراسل العسكري للقناة التجارية المنافسة «القناة الثانية»، الذي كان يوجد لحظتها في مقر القيادة الجنوبية للجيش، ونجح هذا في إقناع قيادة الجيش بالابتعاد عن بيت الطبيب. وقد اتصلوا به ليخبرهم بصوت مكسور ان الدبابة غادرت المكان ويشكرهم على جهودهم.

وقد كتب زهافي مقالا عممه على عدة صحف ومواقع في الانترنت يقول فيه انه يخجل من كونه اسرائيليا بسبب هذه الحادثة. ولكن الدبابة عادت الى البيت في يوم الجمعة، أول من أمس. وهذه المرة لم يكن أبو العيش في البيت. ولم يكن معه وقت لأن يخبر أحدا بما جرى: فقد أطلقت الدبابة حمم قذائفها على البيت، فقتلت على الفور ثلاثا من بناته وقتلت شقيقته وولدي شقيقه وأصابت جميع من في البيت بالجراح، وإحداهن ابنته المتوسطة أصيبت بجراح خطيرة وهدم البيت بالطبع. وقد كاد الطبيب أن يفقد صوابه وهو يحصي عدد الاصابات ويتنقل بين الضحية والأخرى. وقد تصادف ان اتصل به مدير المستشفى الاسرائيلي الذي يعمل فيه باحثا، البروفسور زئيف روتشتاين، ليطمئن على حالته فوجده منكوبا على هذا النحو. وراح ينظم حملة لجلبه والجرحى من أقاربه الى المستشفى لتلقي العلاج. ونجحت جهوده، خصوصا عندما تدخل الصحافيون الثلاثة المذكورون. ووصلوا الى المستشفى، وحاول الجيش منع الصحافيين من الدخول لمعرفة تفاصيل الجريمة، لكن قوة من الشرطة الاسرائيلية منعتهم، فأعلنوا الإضراب أمام الغرفة حتى سمح لهم. لكن أبو العيش كان في حالة يرثى لها. تارة يتحدث عن أحلام بناته القتلى.. «الكبرى تستعد للدخول الى الجامعة والثانية تطمح بأن تصبح طبيبة والثالثة أرادت دخول عالم الصحافة»، وتارة يحضن ولديه الجريحين. وتارة يسأل عن ابنته المصابة برأسها من شظية وتعالج في مستشفى بعيد. الجيش يقول ان سبب القصف هو ان نيرانا أطلقت من البيت باتجاه الدبابة، لكن الصحافي الدار يؤكد ان هذا مستحيل. ولكن مدير المستشفى يقول: «لنفترض ان رجال حماس استغلوا البيت وأطلقوا الرصاص منه، فمن يعطي لنا الحق أن نقصف البيت بالقذائف ونتسبب في مأساة رهيبة لعائلة كهذه؟!».