الفترة الانتقالية تقدم مؤشرات على حكم أوباما: لا يخاف المواجهة ولا اتخاذ القرارات

أسلوب قيادته يذكر بانضباط جورج بوش وشغف بيل كلينتون

بوش يعانق أوباما مهنئا بعد أن أدى الرئيس الجديد اليمين الدستورية (أ.ف.ب)
TT

قبل يوم واحد من انتقاله إلى أحد أفخم المنازل في البلاد قام باراك أوباما بزيارة إلى أحد ملاجئ المراهقين المشردين. قضى أوباما بضع دقائق يطلي الجدران أمام الكاميرات التي باتت تصاحبه الآن أينما ذهب. سألته كارا فولر، عاملة الملجأ، عما إذا كان قد تعب، فرد عليها قائلا: «أنا لا أشعر بالتعب» وسألها: «هل رأيتني وقد بدا علي الإرهاق من قبل؟ كلا ليس بعد، فما زال الأمر في بدايته».

خلال الأيام السبعة والسبعين التي أعقبت انتخابه، كان أوباما ممتلئا بالثقة، ولم يكن متحمسًا أو هادئًا، لكنه كان شجاعًا نظرًا لعظم المشكلات التي تنتظره، كما أنه لم يبد ضيقه من بعض العقبات التي واجهته حتى الآن. لا يزال من الصعب تصنيف أوباما، أو قراءة تفكيره، فهو ماض في إحداث أكبر توسع للحكومة خلال أجيال. وقد وصل إلى أقصى حدود التقاليد القديمة ليضع أسس إدارته الجديدة التي ستضطلع بمحاولة إنقاذ البلاد من الأزمة، لكن بالرغم من كل الخطوط التي وصل إليها، بات من الواضح أنه ركز عملية صنع القرار في البيت الأبيض. سيضطر أوباما في النهاية إلى الاختيار بين النصائح المتنافسة والأولويات. وهو ما سيجعله يخاطر بإحداث خيبة أمل أو غضب للناخبين الذين لا يزالون يأملون في أن يروا منه ما توقعوه. ما رأته أميركا حتى الآن من أسلوب قيادته يستدعي إلى الأذهان انضباط جورج بوش وشغف بيل كلينتون، ولا يخشى أوباما من اتخاذ القرارات والإعلان عنها بصراحة ـ حيث شكل فريقه في وقت قياسي ـ لكنه سعى إلى الحوار الفكري الوطني في وقت تعاني فيه البلاد من قلق كبير.

وقد أعد أوباما الكثير من الأفكار للإدارة، حتى قبل توليه الحكم، لكنه أيضًا حاول تكييف التفاصيل لأن الظروف تغيرت. قبل أن يصبح رئيسًا، ومنذ أن كان طفلاً، تبوأ أوباما مكانة في المجتمع الذي يمتد إلى ما وراء القيادة السياسية. وتحول إلى رمز وأيقونة للشباب وعلامة على التحرر للجيل القديم الذي لم يكن ليعتقد أن رجلا ذا بشرة ملونة يمكن أن يرتقي تلك الدرجات ليقسم انه سيحافظ ويحمي ويدافع عن الدستور الذي كان يعد الرجل الأسود ثلاثة أخماس الرجل الأبيض.

أوباما شخصية شهيرة في ثقافة شهيرة. فها هو يتحدث عن ممارسته للرياضة البدنية على الشاطئ، وأضحت صوره على كل المجلات بداية من مجلة السياسة الخارجية إلى مجلة بيبول. وما حاول منافسوه إلصاقه به من تهم كالتعالي، قال عنه مساعدوه إنه الراحة مع القوة والمسؤوليات المتعلقة بها. وقال جون دي تشيرما الرئيس المشارك في فريقه الانتقالي «إنه نوع من الحياة التي تعيش في منطقة خالية من الضغائن وهو قادر على الاطلاع على معلومات كثيرة واتخاذ القرار الصائب. لكنه يعلم أيضًا أن عليك القيام بأفضل ما يمكن واتخاذ قرارات صعبة». وترجع بعض تلك الأخطاء في بعض منها إلى تلك الثقة المفرطة. فقد عرف أوباما بيل ريتشاردسون حاكم ولاية نيو مكسيكو الذي أسهم اشرافه على عملية التحقيقات في عقود الدولة بصورة رئيسة في إقصائه من الترشح لمنصب وزير التجارة، وعلى نفس المنوال قام أوباما بتوطيد علاقته بتيموثي جيزر واختاره كوزير للخزانة برغم ماضيه السابق في الفشل في دفع ضرائبه. لم يخرج إلى الصحافة سوى القليل عن تلك الأحداث، لكن مساعديه وصفوا اتخاذ القرار عند أوباما بأنه يتمتع بالكفاءة والحزم. وقالوا إنه عندما يجلس على طاولة الاجتماعات يبدأ في صياغة الأسئلة التي يود الإجابة عليها ثم يقدم لكل شخص الفرصة للحديث ويشارك الجميع في ذلك أيضًا، وفي نهاية الأمر يقوم بإجمال ما استمع إليه والرأي الذي يميل إليه. ذلك الشخص الذي اعتاد السهر كان يقوم باتصالات لمساعديه في العاشرة مساءً، أو قد يقوم بذلك بعد أن يضع ابنته في السرير.

لن يصف بودستا كيف تم اتخاذ القرار بسحب ترشيح ريتشاردسون، لكنه قال إن الأمر استغرق تسع ساعات وليس أياما. ذلك التناقض مع كلينتون، الذي كان يحب المناقشات الموسعة ويستغرق وقتًا طويلاً في اتخاذ القرار، وقد وصفه بودستا الذي عمل ككبير موظفي البيت الأبيض في عهد كلينتون الرئيس الأسبق بأنه ذكي و«يفكر بصورة منفردة، حسب الحاجة، وأنا أميل إلى الاعتقاد بأن أسلوب الرئيس المنتخب في التعامل مع المشكلات أكثر عقلانية وعمقًا».

وقد اختار أوباما عدم الحذر خلال الفترة الانتقالية، فقد جلب خصمًا ديمقراطيًا هي هيلاري كلينتون إلى مجلس الوزراء، وأغضب مناصريه من الشواذ والليبراليين عندما دعا القس ريك وارن الذي يعارض الإجهاض وزواج المثليين لكي يتلو صلاة يوم التنصيب. وعلى الرغم من إرجاء أوباما شؤون السياسة الخارجية بحجة أن «أميركا لا يوجد بها إلا رئيس واحد في الفترة الراهنة»، إلا أن السياسة الداخلية لم تندرج تحت هذه القاعدة، فقد دعا الكونغرس إلى المصادقة على دفع مبلغ 350 مليار دولار هي حجم أموال خطة الإنقاذ المالي وبدأ نقاشات حول توفير 800 مليار جنيه لبرامج الإنفاق وخفض الضرائب.

ويقول إدوارد ريندل حاكم ولاية بنسلفانيا واصفًا أوباما: «إن لديه الشجاعة والقدرة على النظر إلى الأمور والتصرف بجرأة حيالها، وتتمثل الحنكة السياسية في التمهل واختيار الطريق الأسهل ومحاولة كسب عدد من الانتصارات».

* خدمة «نيويورك تايمز»