فرنسا جاهزة للتعامل مع حكومة فلسطينية تضم وزراء من حماس

باريس تستعجل المؤتمر الدولي للسلام ودبلوماسيون يتخوفون من عائقين إسرائيلي وأميركي

اطفال فلسطينيون يحتسون الشاي على انقاض منزلهم في مخيم جباليا شمال غزة امس (إ ب أ)
TT

سارعت باريس أمس بالإعلان عن موقف متقدم أمس بشأن التعامل مع حكومة وحدة وطنية فلسطينية، تضم وزراء من حركة حماس، ردا على ما اقترحه الرئيس الفلسطيني محمود عباس (ابو مازن) في خطابه أمام قمة الكويت. وقالت الخارجية الفرنسية إن باريس «جاهزة للعمل مع حكومة وحدة وطنية تحترم مسار السلام وتلتزم التفاوض مع إسرائيل من أجل إنشاء دولة فلسطينية تعيش لجانب إسرائيل بأمن وسلام». وفي رده على شروط الرباعية الثلاثة التي وضعت بوجه حماس لدى تشكيلها الحكومة الفلسطينية عقب انتخابات 2006 وهي الاعتراف بإسرائيل واحترام الاتفاقات السابقة والتخلي عن العنف، ركز الناطق باسم الخارجية أريك شوفاليه على الشرط الثالث الذي وصفه بأنه «عنصر رئيسي بشكل مطلق».

وقال شوفاليه إن باريس «تنظر الى المستقبل أكثر مما تعود الى الماضي» في إشارة الى وجود معطى جديد يتعين التعامل معه، مضيفا أن «المصالحة الفلسطينية عامل أساسي في عملية الخروج من الأزمة وبشكل عام من أجل التوصل الى السلام وإقامة دولة فلسطينية». وفي أي حال، تعتبر فرنسا أن كيفية تشكيل الحكومة «أمر يعود للفلسطينيين أنفسهم» وان وجود مثل هذه الحكومة «عامل أساسي للسلام».

وجاء هذا التطور في الموقف الفرنسي قبل اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي المقرر اليوم مع وزيرة الخارجية الإسرئيلية تسيبي ليفني. وقالت مصادر فرنسية إن «استعجال» باريس الإعلان عن موقفها هذا هو «رسالة موجهة للأوروبيين والأميركيين وإسرائيل والرئيس الفلسطيني» على السواء ومعناها أنه «حان الوقت لنغير النهج». وبحسب هذه المصادر، فإن فرنسا «تريد أن تتلافى الفخ السياسي الذي حشرت أوروبا نفسها فيه عندما وضعت شروطا كانت تعرف سلفا أنه يصعب على حماس قبولها كما هي، الأمر الذي حرمها من التأثير على حماس ومن أخذ العلم بالتطور الذي أبدى مسؤولون من حماس استعدادهم للقيام به ومن ذلك قبول دولة فلسطينية على أراضي 1967».

وليس سرا أن مسؤولين فرنسيين كبارا قالوا أكثر من مرة إنه «يتعين أن نجد طريقة للتحاور مع حماس» غير أن امتناعهم عن ذلك كان بهدف تحاشي إضعاف أبو مازن وكذلك عدم إغضاب إسرائيل والمحافظة على وحدة المقاربة الأووربية. يذكر أن حماس موجودة على لائحة الاتحاد الأوروبي للمنظمات الإرهابية. ويعني الكلام الفرنسي أن باريس مستعدة للتعاطي مع الحكومة الفلسطينية الجديدة «من غير التدقيق في هوية أعضائها وانتماءاتهم السياسية طالما أن هذه الحكومة تريد التفاوض والحوار طريقا لإيجاد حل للنزاع مع إسرائيل». ويستشف من حرص باريس على إعلان موقف من حكومة الوحدة وقبل التشاور مع الأوروبيين وأيضا الآخرين أن باريس تريد وضع الأوروبيين وإسرائيل والإدارة الأميركية الجديدة أمام أمر واقع جديد وهو إمكانية التعاطي مع حماس وتفادي الطريق المسدود إذا ما اتفقت السلطة وحماس على التفاهم والعمل معا مجددا. ولا يستبعد أن يسعى الاتحاد الأوروبي الى بلورة استراتيجية سياسية جديدة إزاء حماس ومجمل النزاع.

وفي هذا السياق تجيء المبادرة الفرنسية التي أعلن عنها الرئيس ساركوزي في شرم الشيخ بدعوته الى عقد مؤتمر دولي للسلام سريعا وتشديده على أهمية التوصل الى إنشاء الدولة الفلسطينية هذا العام. وبحسب المصادر الرسمية الفرنسية، فإن باريس «تعمل على بلورة مشروع مؤتمر لكن ما زال الوقت مبكرا للحديث عن تاريخه والأطراف المدعوة له وبرنامجه». غير أن فرنسا تريد الإسراع في الدعوة الى المؤتمر. وقالت الخارجية أمس انه «سيكون لحظة حاسمة على درب إنشاء الدولة الفلسطينية». وتشدد المصادر على ضرورة الاستفادة من كارثة غزة «للعودة بأسرع وقت الى مسار السلام والبناء على الزخم الدبلوماسي» الذي ظهر في شرم الشيخ وإعادة «تعويم» الرئيس الفلسطيني و«نجاح» المبادرة المصرية ـ الفرنسية من أجل الدعوة الى المؤتمر الدولي.

غير أن الاستعجال الفرنسي، كما يرى دبلوماسيون في باريس، يحتاج الى توافر عاملين اثنين: الأول أميركي والثاني إسرائيلي. وفي السياق الأول، ترى باريس أن المهم اليوم هو الإلحاح على الرئيس الأميركي الجديد لكي ينخرط بسرعة في جهود السلام وجعل ملف الصراع الشرق أوسطي «أولى الأولويات لا أن يتركه لمرحلة لاحقة مخافة أن يحرق اصابعه ويخاصم أصدقاء إسرائيل في أميركا». وكان الاتحاد الأوروبي تحت الرئاسة الفرنسية قد أعد «ورقة تعاون» مع واشنطن حول مواضيع الشرق الأوسط وإيران وأفغانستان، وقام برنار كوشنير، وزير الخارجية الفرنسي، بتسليمها لفريق أوباما قبل الحرب على غزة. وترى باريس أن «تعبئة» كبرى الدول الأوروبية (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا وإسبانيا والرئاسة التشيكية) من أجل «تعويم» المبادرة المصرية والوصول الى وقف النار «تظهر قدرة أوروبا على التأثير». غير أن باريس «متيقنة» من أن دور واشنطن «أساسي وحاسم» لكنها لم تعد تقبل الانتظار الى الأبد. أما العامل الإسرائيلي فترى باريس أنه الأصعب خصوصا إذا وصل زعيم الليكود بنيامين نتنياهو الى السلطة. وقبل الحرب، جاء نتنياهو الى باريس للقاء «صديقه» ساركوزي. وبحسب مصادر فرنسية واسعة الاطلاع فإنه أعرب عن شكوكه إزاء إمكانية التوصل الى اتفاق مع الفلسطينيين حول قضايا الوضع النهائي، ولذا فإنه يرى أن البديل هو حل مرحلي والمساعدة على تحسين الوضع الاقتصادي في الأراضي الفلسطينية وتسهيل التنقل ورفع بعض الحواجز وخلافه.

وترى باريس أن مجيء نتياهو سيعقد الأمور بشكل كبير. ولذا فإن المسؤولين الفرنسيين يريدون مساعدة تسيبي ليفني من غير أن يعطوا الانطباع بأنهم يتدخلون في الشؤون الإسرائيلية الداخلية. وهذا ما يفسر إسراعهم في إقرار تعزيز العلاقة مع إسرائيل وابتعادهم عن انتقاد الأداء الإسرائيلي بقوة في الحرب الأخيرة، وهو ما ظهر خلال زيارة ليفني الى باريس في الأيام الأولى من الحرب.