مئات آلاف الأميركيين السود احتفلوا بتنصيب أوباما بالغناء.. والبكاء

لحظات عاطفية سيطرت عليهم والكبار منهم في السن تذكروا مسيرة كينغ في المكان نفسه

جاكي وايانز، طالبة كولومبية، تبكي وهي تستمع إلى خطاب أوباما (أ.ب)
TT

في ركن يقع بين شارعي «إف ستريت» و«شارع 13» على بعد امتار من شارع بنسلفانيا الذي يربط بين الكابيتول والبيت الابيض، وقف ثلاثة رجال سود يرتدودن قبعات سوداء كبيرة وملابس شتوية ثقيلة ومعاطف يميل لونها نحو اللون الاصفر، وهم يرددون أغنية حزينة. كانوا يصفقون برفق ويتمايلون جهة اليمين واليسار في حين التفت حولهم مجموعة من النساء والرجال والاطفال من السود ايضاً، وهم يرددون معهم كلمات أغنية من الواضح انها من أهزوجة يرددها الافارقة الاميركيون في ولايات الجنوب تقول بعض كلماتها: «نعم نعم انه جاء من الحقل.. جاء من الحقل ومعه الغلة». كانت ولايات الجنوب هي الأكثر قسوة تجاه السود خاصة الذين كانوا يعملون في مزارع القطن والكاكاو. في هذه الولايات ابتدع السود غناء شديد العذوبة، شديد المرارة، مليئا بالغضب ومليئا في الوقت نفسه بالحبور.

بعد ان توقف الرجال الثلاثة عن الغناء اقتربت منهم، الاول الذي يقود المجموعة اسمه جاسون ميل، وهو يقف في الوسط، والثاني جاك غيريس، والثالث يدعى ريك روش. جاء الثلاثة من ولاية جنوب كارولاينا لحضور الاحتفالات بتولي باراك اوباما رئاسة الولايات المتحدة. جاؤوا بالحافلة الى العاصمة الاميركية ويقيمون مع صديق لهم في ريشموند في فرجينيا، وهم مثل كثيرين أمضوا ليلة بيضاء في هذا البرد القارس داخل بناية توجد بها محلات مأكولات في «إف ستريت». قال جاسون (67 سنة): «شاركت مرتين في المسيرات التي قادها دكتور كنغ هنا (مارتن لوثر كنغ)، كان يقول إنه يحلم باليوم الذي يذهب فيه الاطفال السود مع الاطفال البيض الى المدرسة. كنا نحن في كولومبيا (عاصمة جنوب كارولاينا) نتمنى ان نجد وظيفة، ونركب في المقاعد الامامية للحافلات (لم يكن يسمح للسود بذلك) أما اليوم نحن هنا لنحتفل بتولي اوباما رئاسة الولايات المتحدة .. شيء عظيم اليس كذلك؟».

وعندما قلت له ان اوباما إبن مهاجر، رد محتداً: «نحن جميعا من افريقيا، اجدادنا جاؤوا من هناك». وعن حلم كينغ اذا ما كان تحقق، قال: «واووو (كلمة استحسان اميركية) أنظر الى هؤلاء الناس (الحشود في شارع بنسلفانيا) ماذا تسمي هذا؟» اما جاك الذي علق صورة صغيرة لأوباما على صدره وتحتها عبارة تقول «كنت هناك»، وهي إشارات يقتنيها السود الذين جاؤوا من ولايات اخرى بكثرة خلال هذين اليومين من باعة متجولين في شوارع واشنطن، فقال إنه جاء الى هنا ليروي لابنائه الذين لم يتمكنوا من الحضور كيف مرت الاحتفالات بتنصيب رئيس اسود، وقال: «لدي بنتان وولد، زوجتي رحلت قبل عامين، ابنائي لم يتمكنوا من الحضور واعطوني مصاريف الرحلة، سأعود لأروي لهم كل شيء».

ريك كان متأثراً جداً، قال جملة واحدة «نعم انا هنا» وانخرط في نوبة بكاء. مئات الآلاف من السود كانوا يبكون بكاءً حتى قبل ان يمر موكب اوباما من الكونغرس باتجاه البيت الابيض. كان واضحا جداً أن أعداد السود في شارع بنسلفانيا، اكبر بكثير من البيض، لاعتبارين، لان واشنطن نفسها تعتبر مدينة للسود، والاعتبار الثاني ان كثيرين جاؤوا من مختلف الولايات المتحدة لان الحدث يتعلق بحلم كانوا يأملون فيه منذ قرون. وسط الحشود التقيت فتاة سوداء بدت في غاية السعادة تزور واشنطن لاول مرة تدعى انتونيا وارنر (25 سنة). جاءت انتونيا من مدينة سلما في ولاية الباما، وهي المدينة التي عرفت ثلاث مسيرات تاريخية في الستينات من أجل منح حق التصويت للسود. جاءت انتونيا من سلما الى واشنطن مع والدتها في رحلة استغرقت 16 ساعة بالحافلة. سألت انتونيا عن مشاعرها قالت: «لا استطيع ...لا أستطيع» وراحت تبكي. بعد أن هدأت قليلاً، قالت انها اقترعت لصالح باراك اوباما وشاركت مع المتطوعين في الحملة الانتخابية في سلما. كانت امها هي ايضاً تبكي قالت لي إنها لم تشارك في اي انتخابات قبل 1972 (وثيقة الحقوق المدنية لم تنفذ فعلياً إلا في السبعينات) ولم تكن تتوقع ان تشارك في تنصيب رئيس اسود صوتت لصالحه هي وابنتها وقالت: «شكراً للرب الذي منحنا الرئيس الرابع والاربعين». حاولت ان اتحدث مع انتونيا لكنها اعتذرت وهي تقول:«آسفة آسفة ...إنها لحظة عاطفية جداً».

قرب انتونيا وابنتها كان رجل اسود يرتدي وزرة بيضاء ويحمل أناء ضخما يوزع منه قهوة سوداء على الحشود، وهو يصيح «قهوة مجانية من بي إي تي». و«بي إي تي» هي قناة تلفزيونية خاصة بالسود (قناة السود للترفيه). السود يحتسون القهوة يبكون ويضحكون في الوقت نفسه. كانت المشاعر تستعصي على كل وصف.