مؤتمر مكة المكرمة يصدر ميثاقا خاصا بالفتوى يعد الأول من نوعه في التاريخ الإسلامي

قدم المجتمعون 15 توصية للدول ووسائل الإعلام الإسلامية تحدد شروط المفتي

TT

اختتمت أعمال المؤتمر العالمي للفتوى وضوابطها، والذي انطلق تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بمقر الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة، وذلك بإصدار الميثاق الأول من نوعه في التاريخ الإسلامي لموضوع الفتوى تحت اسم «ميثاق الفتوى».

وتضمن ميثاق الفتوى المكون من ثلاثة أبواب رئيسية على 41 مادة، تتناول حقيقة الفتوى ومجالاتها وأهميتها وحكمها، وشروط المفتي، وصفاته وآدابه، وآداب المستفتي، وكذلك مشكلات الفتوى وأسبابها وآثارها، والحلول والضوابط الواجب اتخاذها في الفتوى.

ومن أبرز ما جاء في الميثاق الأول من نوعه للفتوى، تمثل في الفقرة السابعة من المادة الأولى حول الحالات التي يحرم على المفتي الفتوى إذا كان لا يعلم حكم المسألة أصلا. ولا يستطيع استنباط حكمها وفق الأصول الشرعية، وإذا كان الإفتاء بهوى من المفتي، وإذا كان منشغل الفكر، وفي حال لا يتمكن معها من التأمل والنظر، وإذا خشي غائلة الفتوى بأن تؤدي إلى مآلات غير محمودة.

كما حدد ميثاق الفتوى الحالات التي لا يجوز للمفتي الامتناع فيها عن الإفتاء، وهي: إذا خشي لحوق ضرر به، وإذا قام غيره مقامه، وإذا كانت الفتوى مما لا نفع فيها للسائل، وإذا كانت المسألة المسؤول عنها غير واقعة.

بينما وضع الميثاق، عبر الفقرة العاشرة، أهم الصفات التي ينبغي أن يتصف بها المفتي، وهي: أن يكون صحيح التمييز، قوي الفطنة، يتوصل بذكائه إلى إيضاح ما أشكل وفصل ما أعضل، وأن يتصف بالأناة والتثبت والحلم والمهابة والوقار.

بالإضافة إلى أن تكون له معرفة بأحوال المستفتين وبالواقع الذي يعيشون فيه، إما بنفسه أو بمن يستعين به من أهل الخبرة، وأن تكون لديه خبرة في تنزيل الأحكام على الوقائع، وذلك بالتلمذة على من صقلتهم التجربة، والاطلاع على فتاواهم، والتأمل في مآخذها، وكيفية تنزيل الأحكام على الوقائع.

وكذلك ما نصت عليه بعض النقاط في المادة الثالثة حول الحلول والضوابط للفتوى، من التحوط البالغ في الحكم بتكفير أحد من المسلمين، فلا يجوز تكفير مسلم إلا بإتيانه ناقضا من نواقض الإسلام، والحذر من الفتاوى الضالة المضلة التي تدعو الناس إلى سفك الدماء المعصومة بغير حق، والتأكيد على أن حفظها من أعظم مقاصد الشريعة الغراء.

وكذلك أهمية تحرير عبارة الفتوى تحريرا رصينا واضحا بعيدا عن الإيجاز المخل، أو الإطناب الممل، مع ذكر الشروط والقيود التي تتعلق بالحكم؛ لئلا تفهم الفتوى على وجه غير صحيح، وحتى لا يستغلها الذين يبغون إثارة الفتن بين المسلمين.

وأصدر المجتمعون، وهم أكثر من 170 فقيها وعالما إسلاميا شاركوا في جلسات المؤتمر خلال الأيام الأربع السابقة، 15 توصية للأنظمة السياسية ووسائل الإعلام والمسلمين في أصقاع الأرض، إضافة لبيان خاص للعلماء حول المجازر الإسرائيلية التي تمت في غزة خلال أكثر من 20 يوما.

وأوصى المجتمعون في المؤتمر العالمي للفتوى وضوابطها بعدد من التوصيات العامة من شأنها العناية بالفتوى ودعم مؤسساتها في الأمة الإسلامية، ودعوة كليات الشريعة والمعاهد الشرعية العليا للعناية بتدريس أصول الفتوى وضوابطها وما يتعلق بها من شروط المفتي وصفاته وآدابه.

ودعوة القائمين على مؤسسات التعليم إلى العمل على وضع الفتاوى الجماعية المعاصرة في المقررات التعليمية، ودعوة المجامع الفقهية ومؤسسات الفتوى والمعاهد والكليات الشرعية إلى إقامة الندوات واللقاءات للتعريف بالفتوى، وضوابطها، وبيان أهميتها، وخطرها، وحاجة الناس إليها.

ودعوة الدول الإسلامية إلى العناية بمؤسسات الفتوى، وتوفير المفتين في أنحاء كل دولة، حسب الحاجة، تيسيرا على الناس، ورفعا للحرج عنهم، ودعوة المجامع الفقهية وسائر مؤسسات الاجتهاد الجماعي إلى الاهتمام بمجالات عملها من خلال العمل على استيعاب القضايا والنوازل والإشكالات المستجدة في حياة المسلمين، مع إعطاء الأولوية لأكثرها إلحاحا وشيوعا وتأثيرا بين المسلمين.

إضافة إلى العمل على استفادة المجتمعات من الجهود والقرارات التي تصدرها وذلك بتبليغها والمساعدة على تطبيقها، والتواصل والتنسيق فيما بينها في واجباتها المشتركة، وتعزيز روح التعاون والتكامل، وتجنب الازدواجية والتعارض، والتأصيل الفقهي للعلاقات مع غير المسلمين في الواقع المحلي والعالمي في ضوء أحكام الشريعة وسماحة الدين.

والتوصية السادسة تمثلت في دعوة الدول الإسلامية والهيئات ذات العلاقة إلى دعم مؤسسات الاجتهاد الجماعي ماديا وأدبيا بما يمكنها من أداء رسالتها، والقيام بواجباتها، ودعوة المؤسسات الرسمية والشعبية في الأمة الإسلامية إلى عرض النوازل المشكلة والمستجدة على المجامع الفقهية وهيئات الفتوى المعتبرة وتنفيذ ما يصدر عن تلك المجامع والهيئات من فتاوى وقرارات.

ودعوة الدول الإسلامية إلى صيانة منصب الفتوى والمفتين بالشكل التالي: اتخاذ الوسائل الكفيلة بجعل المفتي الأهل المعين من قبل ولي الأمر مستقلا في فتواه، بعيدا عن المؤثرات غير الشرعية، ومنع غير المؤهلين للفتوى والمتساهلين فيها، وأهل الأهواء والحيل الباطلة من ممارسة الفتوى، حماية للدين والمجتمع.

وجاءت التوصية التاسعة داعية وسائل الإعلام المختلفة إلى نشر قرارات المجامع الفقهية وفتاوى مؤسسات الإفتاء المعتبرة، والتعريف بها، وعدم إتاحة المجال لغير المتخصصين في الشرع من التعرض لها والتشكيك فيها، ودعوة القائمين على وسائل الإعلام المختلفة إلى عدم تمكين غير المؤهلين للفتوى علما وعدالة من ممارستها عبر الوسائل الإعلامية، وعدم نشر الفتاوى الشاذة والترويج لها، والاستعانة بأهل العلم الموثقين لمعرفة ما يجوز نشره وما لا يجوز.

ودعوة العلماء والمتصدين للفتوى إلى استثمار وسائل الإعلام المختلفة في نشر الفضيلة والعلم الشرعي، وما يؤدي إلى صلاح الأمة والنهوض بها، ودعوة المتصدين للفتوى وهيئات الرقابة الشرعية للاستفادة مما يصدر عن المجامع الفقهية وسائر مؤسسات الفتوى، ودعوة أساتذة الجامعات والباحثين إلى تدريس قرارات المجامع الفقهية ومجامع البحوث، وهيئات كبار العلماء والاستفادة منها في البحوث العلمية.

وفي التوصيتين 14 و15، طالب المجتمعون بإنشاء معاهد عليا للإفتاء يدرس فيها المتفوقون من خريجي كليات الشريعة؛ ليتأهلوا لهذا الشأن، والتأكيد على ما سبق أن صدر من الملتقى العالمي الأول للعلماء والمفكرين المسلمين، المنعقد في رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة، في العام الهجري 1426، بدعوته الرابطة إلى إنشاء هيئة عليا للتنسيق بين المجامع الفقهية ودور الفتوى في العالم الإسلامي.