الأنبار: الانتخابات المحلية تفجر صراعات قبلية.. و«البعث» ينشط سرا

زعيم قبلي يوظف صورتين له مع بوش وأوباما.. ومخاوف من مواجهات دموية

مدخل قصر الشيخ أحمد أبو ريشة في الأنبار (نيويورك تايمز)
TT

هنا داخل محافظة الأنبار القاحلة، تحول اهتمام القبائل التي شكلت ذات يوم المصدر الرئيسي لدعم عمليات قتل الجنود الأميركيين، إلى المنافسة في إطار الانتخابات البلدية، والتي - حال تحقق أفضل السيناريوهات المحتملة - قد تنجز الوعود الأميركية بتحقيق الاستقرار داخل العراق عبر صناديق الاقتراع.

والآن، تعمد القبائل إلى التحايل من أجل الاستحواذ على أو الاحتفاظ بالسلطة، في الوقت الذي يشكو فيه السكان هنا بشدة من أن أدوات الديمقراطية تضفي بريقا خادعا على الفساد والتشاحنات الداخلية، والنظرة الإقطاعية العميقة إزاء المناصب المنتخبة - التي لم يكن أحد ليتخيل وجودها في عهد صدام حسين - باعتبارها فرصة للسيطرة على حصة أكبر من الموارد والقوات الأمنية البلدية.

وتعليقا على هذا الأمر، أكد الشيخ عبد الجبار، وهو زعيم قبلي كبير، أن «هذه فوضى». يذكر أن الشيخ عبد الجبار يحظى بإجلال البعض باعتباره «الأمير» الحكيم للأنبار، بينما يسخر منه آخرون متهمين إياه بالانتهازية والسعي لتوجيه دعم قبيلته إلى المتنافس ذي الحظ الأوفر.

وتشير الأرقام إلى وجود ما يزيد على 500 مرشح مقسمين بين 37 جماعة سياسية، ما يشكل مجموعة ثرية من الخيارات، مقارنة بمقاطعة الانتخابات التي تمت منذ أربع سنوات. ويشن شيوخ القبائل حملات انتخابية نشطة، معلقين صورا لأنفسهم مع شخصيات سياسية أخرى. ونجح أحد زعماء القبائل في تعليق صور له مع كل من الرئيس الأميركي السابق جورج بوش والجديد باراك أوباما.

إلا أن هناك عناصر تخلق اختلافا بين الأنبار، التي سادها الفقر وغياب القانون، حتى في عهد صدام حسين، والكثير من المناطق الأخرى بالعراق. إذ ينتمي غالبية أبناء المحافظة إلى السنة، وعليه نجد أن المشاحنات لا تقع لأسباب طائفية أو عرقية، وإنما قبلية. وعندما بدأ الأميركيون في تقديم أموال للمتمردين السابقين وزعماء القبائل، لمعاونتهم في إقرار الأمن، أبدوا تفضيلهم لبعض القبائل على حساب أخرى، ووصل الأمر في الكثير من الحالات إلى تشريد البعض من مناطقهم ليحل محلهم آخرون.

وكان من شأن ذلك خلق حالة من الاستقرار العام على السطح، تخفي وراءها غضبا قبليا ينذر بزعزعة الاستقرار. ويخشى الكثيرون من تحول هذا الغضب إلى أعمال دموية في أثناء الانتخابات أو بعدها.

من جانبها، تسعى قوات الصحوة، على نطاق واسع، لتحويل السمعة التي اكتسبتها كصانعة سلام، إلى نفوذ سياسي، بحيث تتحول إلى قوة سياسية تمثل الأقلية السنية، في مواجهة هيمنة رئيس الوزراء الشيعي نوري المالكي، والأحزاب الشيعية. وهنا في الأنبار على وجه التحديد، ترمي القوى السياسية الجديدة إلى تحدي الحزب الإسلامي العراقي، الذي أصبح الحزب السني الرئيسي في أعقاب انتخابات عام 2005، لكن غالبا ما يواجه اتهامات بالفساد والاستبداد.

في مساء أحد الأيام الماضية هنا في الرمادي، حمل عدد من الخدم البنغلاديشيين صينيات مملوءة بالأرز ولحم الضأن من أجل الأشخاص الذين قدموا إلى مسكن الشيخ أحمد أبو ريشة الفخم، للتعبير عن تمنياتهم بفوز الشيخ، الذي رغم عدم ترشحه شخصيا في الانتخابات، فإنه يساند قائمة من المرشحين. ويسعى حزبه لنيل الأصوات من خلال التعهد بإعادة بناء اقتصاد الأنبار الذي دمرته الحرب وخلق فرص عمل.

بيد أنه كلما تعمق المرء في تحليل الوضع، ظهرت التوترات أكثر وضوحا.

فقبل الغزو الأميركي عام 2003، لم تكن قبيلة أبو ريشة بين القبائل الأكثر قوة. لكن مع حشد المؤسسة العسكرية الأميركية لقوات الصحوة، ازدهرت مكانة قبيلته بحصولها على دعم أميركي ونفوذ سياسي. يذكر أن شقيق الشيخ أحمد، عبد الستار بوزيغ الريشاوي، تولى قيادة قوات الصحوة حتى مقتله في حادث تفجير انتحاري وقع بسبب خيانة حارسه الشخصي في سبتمبر (أيلول) 2007.

واليوم، تحيط بضيعة أبو ريشة نقاط تفتيش تتبع الجيش العراقي وقوات الشرطة. وتظهر الثروة التي نالها الشيخ أحمد حديثا، باعتباره قائد قوات الصحوة، في إسطبلات للخيول العربية ومزرعة لتربية الجمال وقصر كبير، إضافة إلى شركات تجارية واستثمارية في الإمارات العربية المتحدة.

وعلى الضفة المقابلة من النهر الممتد أمام ضيعة أبو ريشة، تعيش قبيلة أبو ذياب وسط زراعات النخيل. ويُلقب زعيمها، الشيخ محمد الهايس، بـ«الحوت»، لما حصل عليه من عقود مجزية من جانب المؤسسة العسكرية الأميركية، حسبما اعترف شقيقه الشيخ حميد الهايس. وتزين قصر الشيخ محمد الفخم، المزدان بسلالم مرمرية وثريات مصنوعة من الكريستال، صورة ضخمة له مع الرئيس بوش.

من ناحيته، قال الشيخ حميد، الذي يعد نفسه واحدا من القادة الأوائل لقوات الصحوة، إن الشيخ أحمد «أساء» إلى إرث شقيقه الراحل عبد الستار، بتشكيله حزبا سياسيا واتخاذه خطوات ودية تجاه الحزب الإسلامي العراقي، الذي يصفه الشيخ حميد بالعدو اللدود للقبائل.

وعليه، شكل الشيخ حميد وشقيقه قائمة انتخابية منافسة أطلقوا عليها «قبائل العراق».

ومن بين أنصاره الشيخ جبار الفهداوي، الذي يتهم الشيخ أحمد بغرس بذور الشقاق داخل الكثير من القبائل، بما في ذلك قبيلته، أبو فهد، من خلال دعمه لأفراد بعينهم من أبناء القبائل وتفضيلهم على آخرين وتعامله معهم باعتبارهم القادة الحقيقيين.

وقال الشيخ جبار (35 عاما)، والذي يملك شركة مقاولات، إن: «الشيخ أحمد ورث قوات الصحوة من عبد الستار، وحولها إلى شركة لإبرام اتفاقات وعقود»، مضيفا: «لقد انقسمت الأنبار، وانقسمت القبائل على نفسها».

وداخل موطن قبيلة أبو نمر، ذات النفوذ الواسع، الكائن بمدينة هيت، غرب الرمادي، أبدى بعض أبناء القبيلة تأييدهم لأبو ريشة، بينما استهزأت بهم مجموعة منافسة داخل القبيلة، ونعتتهم بـ«قطاع الطرق السريعة» غير المؤهلين لخوض معترك الحياة السياسية الداخلية.

ووسط هذا الوضع، بدأ البعض داخل الأنبار في التحول بهدوء باتجاه بدائل أخرى. على سبيل المثال، قال اللواء سعدون الجميلي، القائد السابق بالقوات الجوية العراقية، والذي يتولى حاليا قيادة وحدة شرطية نخبوية في غارما، إن نسخة أعيد بناؤها من حزب البعث الذي كان يتزعمه صدام حسين، أصبحت الآن أكثر شعبية. ورغم الحظر الرسمي المفروض على حزب البعث، أكد الجميلي أن الحزب الجديد يعمل سرا حاليا داخل الأنبار ويحقق تقدما كبيرا في إعادة تجميع صفوفه.

وأشارت تقارير إلى أن الحزب الجديد عقد اجتماعا لأعضائه في أواخر العام الماضي بمدينة الخالدية. وشدد الجميلي على أن: «أكثر الأحزاب الجديرة بالاحترام الآن هو البعث»، مستطردا أن بعض القادة القبليين، بل وبعض أقاربه، لا مكان لهم في السياسات الانتخابية.

أما في شوارع الرمادي والفلوجة، فقد غاب الحماس تجاه الانتخابات، وتصاعدت الاتهامات المتبادلة بين الحزب الإسلامي العراقي وقوات الصحوة، بنهب الكثير من مليارات الدولارات التي خصصتها الولايات المتحدة والحكومة العراقية لإعادة الإعمار. وبالفعل، يبدو الكثير من جهود الإعمار داخل المحافظة شكليا فحسب.

* خدمة «نيويورك تايمز»