الغموض يحيط بمستقبل المحاكم العسكرية في غوانتانامو.. بعد إعلان أوباما تعليق المحاكمات 120 يوما

الإدارة الجديدة طلبت مهلة 4 أشهر لإعادة دراسة الملفات و4 متهمين من أصل 5 يرفضون القرار

باراك أوباما وزوجته ميشال وجو بايدن وزوجته جيل وهيلاري بيل كلينتون خلال القداس الصباحي أمس في الكاتدرائية الوطنية في واشنطن (أ.ب)
TT

بعد تنصيبه مباشرة، طلب الرئيس الاميركي باراك اوباما تجميد الإجراءات القضائية امام المحاكم الاستثنائية في غوانتانامو لمدة 120 يوما. وكشفت مذكرة وزعت على الصحافيين الموجودين في غوانتانامو لتغطية محاكمة الخمسة الكبار المتهمين بالتخطيط لهجمات سبتمبر (أيلول)، وجلسة الاستماع الخاصة بعمر خضر الكندي المتهم بإلقاء قنبلة يدوية على جندي في الجيش الاميركي بأفغانستان نهاية 2001، ان مدعي المحاكم الاستثنائية طلب من القضاة العسكريين تعليق الاجراءات القضائية، بطلب من الرئيس اوباما لمدة 120 يوما. الا ان اربعة من المتهمين الخمسة المعتقلين في غوانتانامو، رفضوا خلال جلسة استماع في قاعدة غوانتانامو البحرية في كوبا أمس، تعليق الإجراءات القضائية الجارية بحقهم كما طلب اوباما.

وكانت «الشرق الأوسط» قد توقعت اغلاق ملف اللجان العسكرية لمحاكمة قيادات «القاعدة» وطالبان، نقلا عن احد كبار الجنرالات بعد ساعات من تنصيب الرئيس اوباما. وجاء في ملفات معتقل غوانتانامو في خليج كوبا، أنه تم تقديم الطلب «من أجل مصلحة العدالة وبتوجيهات من رئيس الولايات المتحدة». واشار المدعي كلايتون تريفيت في المذكرة التي قدمها للقضاة العسكريين روبرت غيتس تطلب الحكومة من اللجان العسكرية تأجيل اجراءاتها حتى 20 مايو (ايار) المقبل. وجاء في ملفات معتقل غوانتانامو، أنه تم تقديم الطلب «من أجل مصلحة العدالة، وبتوجيهات من رئيس الولايات المتحدة». وكان جو ديللا فيدوفا المتحدث باسم اللجان العسكرية، قد قال لـ«الشرق الاوسط» امس، ان «ممثلي الدفاع في قضية عمر خضر لم يعترضوا على قرار الرئيس اوباما». وأشارت المذكرة الى القضيتين اللتين تنظر فيهما هذه المحاكم حاليا، الأولى تتعلق بخمسة رجال متهمين بتدبير اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر (ايلول)2001، والثانية التي ينظر اليها القاضي الكولونيل بات باريش، فتتعلق بعمر خضر الكندي الذي قتل عسكريا اميركيا في خوست بافغانستان، في أعقاب سقوط حركة طالبان. وكان القاضي بات باريش قال للموجودين في القاعة أول من امس: «سنواصل الجلسة (الأربعاء)، ما لم يصدر أمر من اللجنة المعنية»، في اشارة الى توقعه تجميد عمل اللجان العسكرية». وكانت أول خطوة رئاسية له أمر الرئيس أوباما بتجميد العمل بمشاريع القوانين التي لم تبت بها إدارة الرئيس بوش. وحتى قبل أن يصدر الأمر اختار اوباما تعليق هذه الاجراءات القضائية، التي تثير جدلا ولغطا حول شرعيتها القانونية في قمة اعمالها في غوانتانامو.

وبعد وقت قليل من انتهاء مراسم حفل التنصيب الرئاسي، وقع كبير موظفي البيت الأبيض رام إيمانويل مذكرة تشير إلى أن إدارة الرئيس الجديد تريد إعادة النظر في جميع المشاريع التي لم يتم البت بها. وكان أوباما وعد بأن يكون إغلاق المعتقل أول إجراءاته في البيت الأبيض. لذلك قرر البدء بتعليق النظام القضائي، الذي أقامته إدارة الرئيس السابق جورج بوش لمحاكمة معتقلي غوانتانامو بتهمة ارتكاب جرائم حرب. وقال القائد العسكري الكوماندر جيفري غوردون، المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) «سوف يتلقى القضاة الطلبات ويراجعونها». وقال أحد القادة العسكريين الذي رفض الإفصاح عن هويته، إن أوباما أصدر أوامره المتعلقة بذلك ليلة الثلاثاء شفهياً في البداية، وذلك من خلال وزير الدفاع روبرت غيتس. وكانت ادارة الرئيس السابق جورج بوش قد انشأت هذا النظام الاستثنائي القضائي لمحاكمة المعتقلين في غوانتانامو عام 2006، وهم 21 متهما حاليا بينهم 14 مثلوا امام قضاة من اصل حوالي 245 معتقلا، بحسب مصادر وزارة الدفاع الأميركية. وتفيد الوثيقة بأن المدعين العسكريين تلقوا امرا من غيتس مباشرة بإعطاء وقت كاف الى الادارة الجديدة لإعادة النظر في ملفات المعتقلين حاليا في غوانتانامو، الذين تقرر انه لا يمكن الافراج عنهم لا يمكن الافراج عنهم او نقلهم. وسيكون على الادارة بعد ذلك تحديد ما اذا كان من الممكن ملاحقتهم لجنح ارتكبوها وأي قضاء انسب لملاحقات مقبلة لهم. وكانت اللجان العسكرية وهي ليست محاكم استثنائية او فيدرالية، في انتظار اختبار كبير للمرة الثالثة يتمثل في المضي قدما في محاكمة عمر خضر الكندي. وخلال فترة عمل اللجان العسكرية القصيرة، حكمت هذه اللجان على سالم حمدان سائق زعيم تنظيم «القاعدة» اسامة بن لادن بالسجن خمس سنوات ونصف السنة، امضى منها خمس سنوات ونصف، وقضت ايضا بالحكم على اليمني احمد البهلول مسؤول الدعاية في تنظيم ابن لادن بالسجن مدى الحياة. وخلافا لكل مبادئ القانون الاميركي المتعارف عليه، قبلت هذه المحاكم ادلة تنتزع بالاكراه وادلة غير مباشرة أي شهود لا يمثلون امام المحكمة للادلاء بإفاداتهم. وبقي معرفة ما اذا كانت هذه اللجان ستستبدل بعد اربعة اشهر من الان. ويدعو معظم محامي الدفاع العسكريين والمدنيين، وكذلك المنظمات الحقوقية، الى مثول المعتقلين الذين يتم اتهامهم بعد دراسة ملفاتهم كل على حدة امام محاكم فيدرالية اميركية. ويقول محامون عسكريون في غوانتانامو ان هناك امكانية انشاء «نظام جديد ملائم لقضايا الارهاب». وطرحت امكانية انشاء نظام جديد ملائم لقضايا الارهاب وخصوصا التمييز بين دعم الارهاب والعمل الارهابي الارهاب، لكنه يتطلب قانونا خاصا. ويقول الخبراء ان الرئيس الجديد لن يجازف بنص يمكن ان يعرقل الكونغرس اقراره. وكان وزير العدل الاميركي ايريك هولدر، قد تحدث في الكونغرس خلال جلسة الموافقة على تعيينه عن احتمال العودة الى استخدام هذه اللجان، شرط اضفاء شكل جديد عليها بصورة اكثر جدية. وحتى الآن لم يحاكم الرجال الخمسة المتهمون بتدبير اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر بعد سبع سنوات على وقوعها. وكانت القوات الأميركية، المسؤولة عن المعتقل، قد تعرضت لانتقادات حادة، وخصوصاً فيما يتعلق بانتهاك حقوق المعتقلين وتعرضهم للإساءات والتعذيب. وتصر إدارة بوش التي أقامت المعتقل عام 2002 في قاعدة أميركية بخليج كوبا، على أن المشتبهين بالإرهاب تلقوا معاملة ملائمة، وأنهم حصلوا على معاملة تتفق والنظام المعمول به لمحاكمتهم. ومن بين المشتبهين بالإرهاب الذين يواجهون المحاكمة، القيادي في تنظيم «القاعدة»، خالد شيخ محمد منسق هجمات سبتمبر، والذي اعلن في المحكمة يوم الاثنين الماضي بعربية فصيحة، انه العقل المدبر لتلك الهجمات، وانه فخور بذلك. وقاطع خالد شيخ محمد القاضي وكذلك رمزي ابن الشيبة القاضي عدة مرات، واشتكى من انه لا يستطيع التواصل مع ابنته المريضة في ايران، مشيرا الى تواصله مع الاعلام ايضا، ورفع في يده نسخة من جريدة «واشنطن بوست»، وقال «نحن لسنا رجال عصابات في السجون الاميركية، ونحترم بعضنا بعضا». وقال خالد الشيخ محمد إنه لا يعبأ بالإعدام، وطلب من المحكمة السماح له بالدفاع عن نفسه، بحجة أن محاميه يمثل «الناس الذين عذبوني»، واتهم رئيسها بممارسة «الإرهاب» لأنه لا يعطيه فرصة الكلام، واتهم المحققين بتعذيبه. كما قال رمزي بن الشيبة في جلسة صاخبة «لقد فعلنا ما فعلنا، ونحن فخورون بـ11 أيلول». من جهته، قال اللفتنانت كوماندر وليام كوبلر من البحرية الاميركية، الذي يدافع عن السجين الكندي عمر خضر اول من أمس في لقائه مع مجموعة من الصحافيين، ان ممثلي الادعاء يسعون للحصول على تعليق جميع محاكمات جرائم الحرب لحين الحصول على مزيد من التوجيه من ادارة الرئيس أوباما «وسيكون هذا الخبر سعيدا».

وبحسب عدد من المراقبين وممثلي منظمات حقوقية فإن قرار تجميد لجان المحاكم العسكرية، لن يكون من السهل عودتها مرة أخرى في المستقبل. ورفض مسؤول في البنتاغون التعليق على القرار الجديد.

وكان باتريك باريش القاضي العسكري بمحكمة جرائم الحرب في خليج غوانتانامو، قد رفع الجلسة قبل ادلاء الرئيس باراك أوباما باليمين الدستورية اول من امس، تاركا المجال مفتوحا لكثير من التكهنات، لاحتمال أن جلسات الاستماع في المحاكم العسكرية، قد لا تستأنف مرة اخرى. وهناك جدل بين الخبراء القانونيين سواء ممثلي الدفاع او الادعاء، ووجهات نظر مختلفة في كيفية المضي قدما في الخطة الرامية الى اغلاق معسكر الأسر الاميركي الذي يضم نحو 245 رجلا مشتبها بصلتهم بالإرهاب والانتماء الى تنظيم «القاعدة» وحركة طالبان. وكان الرئيس الاميركي قد قال ان سجناء غوانتانامو يجب ان يحاكموا امام محاكم مدنية أو عسكرية عادية، لكن الأمر قد يستغرق شهورا، إذ سيتعين نقل بعض المساجين إلى بلدانهم واتخاذ قرار بشأن محاكمة الباقين، واتحد المدعون والمحامون في دعوة القضاة العسكريين. وكان أوباما قد بدأ أصلا باتخاذ خطوات لإغلاق المعتقل حسب وزير العدل المعين إريك هولدر، الذي تحدث عن تغيير جذري يمس اللجان العسكرية، التي هاجمتها جماعات حقوقية لسماحها باعتماد أدلة سرية ومعلومات استخلصت تحت التعذيب. ولم يستبعد وزير العدل الجديد تعويض اللجان بنظام يضمن الحقوق القانونية للمعتقلين، الذين قد يحاكمون بالولايات المتحدة. ودعا ممثلو الادعاء في مكتب التحقيقات الفيدرالي روبرت فولر للمساعدة في الجهود المبذولة للتركيز على الافادات التي أدلى بها عمر خضر.