وعد أوباما الانتخابي للانسحاب من العراق خلال 16 شهرا يثير تساؤلات القادة العسكريين

مسؤولون عراقيون يؤكدون استعداد البلاد لانسحاب القوات الأميركية قبل الموعد

عراقي يتابع في «الشرق الأوسط» أمس التغطية الإخبارية لتنصيب باراك أوباما رئيسا للولايات المتحدة (أ.ب)
TT

أظهرت الإشارة الوحيدة في خطاب تنصيب الرئيس الأميركي باراك اوباما للعراق، تفكير الإدارة الجديدة في ما يخص العلاقات مع العراق، إذ قال «سنبدأ وبشكل مسؤول بترك العراق لشعبه». وكان العراق، وخطط الانسحاب منه، على رأس جدول أعمال الرئيس الجديد أمس، في يوم عمله الأول في البيت الأبيض، إذ التقى مع أرفع المسؤولين المهتمين بالملف العراقي، وعلى رأسهم قائد القيادة المركزية ديفيد بترايوس ووزير الدفاع روبرت غيتس أمس، لبحث قضية الانسحاب. وكان من المرتقب أن يقدم القادة العسكريون شرحا لأوباما حول الأوضاع في العراق، مشددين على أن وعد الانسحاب يجب أن يكون متماشيا مع الظروف في العراق. وبعد أن جعل اوباما وعد الانسحاب من العراق خلال 16 شهرا من دخوله للبيت الأبيض أحد ركائز حملته الانتخابية، ويعمل على تنفيذ الوعد. إلا أن مصادر عسكرية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن المسؤولين في وزارة الدفاع حريصون على جعل اوباما يتفهم انه لا يمكن وضع جدول زمني صارم من دون الأخذ بعين الاعتبار الأوضاع على الأرض. ورفضت المصادر الكشف عن هويتها بسبب حساسية الموضوع، منتظرين انتهاء اوباما من مشاوراته مع المسؤولين العسكريين، قبل التعليق علنا على العملية. وقال عسكري رفيع المستوى مقرب من بترايوس لـ«الشرق الأوسط» «لقد حقق اتفاق وضع القوات الأميركية (بين بغداد وواشنطن الذي وقع نهاية العام الماضي) الكثير من الأمور التي وعد بها اوباما، إذ خرجت القوات القتالية من غالبية المدن العراقية، ونعمل على إنهاء هذه العملية خلال الأشهر المقبلة». وأضاف «منذ سنوات وهدف القوات الأميركية هو الانسحاب بعد أن تصبح القوات العراقية قادرة على حماية بلادها من دون تدخلنا، ولكن لا يمكن فعل ذلك قبل أن تكون القوات العراقية جاهزة، فلا يمكن السماح بتراجع الأوضاع الأمنية». ويقدر القادة العسكريون أن اوباما قدم وعدا لناخبيه، ولكن قال المصدر «السياسيون يقولون شيئا عندما يريدون من الشعب أن ينتخبهم، ولكن بعد الانتخاب يكون لديهم متسع من المعلومات يلزمهم باتخاذ المواقف الملائمة». وأفاد مصدر عسكري في «البنتاغون» أن «الكثير من الأمور يجب النظر فيها على الصعيد العسكري والسياسي»، موضحا «هناك رابط بين التطورات في العراق وسحب القوات من هناك، وزيادة القوات في أفغانستان وهذا أمر مهم». وأضاف «هناك التزام من المسؤولين العسكريين والمدنيين الأميركيين تجاه العراق، وسيشرح القادة لاوباما ضرورة هذا الالتزام». وهناك ارتياح عام في الأوساط العسكرية الأميركية من أن وزير الدفاع غيتس يواصل مهامه رغم تغيير الإدارة، بالإضافة إلى أن بترايوس، وقائد القوات الأميركية في العراق حاليا جنرال راي اوديرنو، لديهما خبرة طويلة في العراق. وقال المصدر المقرب من بترايوس «هناك استمرارية منذ الإدارة الأخيرة، من خلال هذه الشخصيات، ومن خلال الخطوات التي وضعت للانسحاب». وأضاف «الجنود يريدون العودة إلى بلادهم، ولكن يريدون ذلك بكرامة وبعد إنهاء المهمة في العراق». ويوجد للولايات المتحدة حاليا 142 ألف جندي في العراق و33 ألف جندي في أفغانستان. ومن المتوقع أن يزود قادة البنتاغون أوباما بقائمة لخيارات الانسحاب والمخاطر التي تكون متعلقة بكل منها، بما في ذلك الانسحاب خلال 16 شهرا. وخيار الانسحاب في غضون 16 شهرا يعني خروج القوات المقاتلة من العراق في مايو (آيار) 2010. وكانت الولايات المتحدة قد توصلت مؤخرا إلى اتفاق مع العراق يتطلب انسحاب جميع القوات الأميركية بحلول نهاية عام 2011. وفي بغداد، قال علي الدباغ، الناطق الرسمي باسم الحكومة العراقية، إن خطوات الحكومة العراقية تنسجم مع خطط رئيس الولايات المتحدة باراك اوباما حول وضع القوات الأميركية في العراق، مشيرا إلى أن «الرئيس الأميركي كان قد طمأن الجانب العراقي بما سماه الانسحاب المسؤول من العراق». وأضاف الدباغ لـ«الشرق الأوسط»، عبر الهاتف من بغداد أمس، أن «الجانب العراقي يرغب في انسحاب القوات الأميركية قبل الموعد المقرر في الاتفاقية العراقية الأميركية لأننا نريد الاعتماد على قواتنا لحفظ الأمن بعد أن تتلقى المزيد من التدريب».

وأوضح الدباغ قائلا «نأمل أن يكون قرار الإدارة الأميركية مشتركا مع قرار الحكومة العراقية، حيث كنا قلقين أن تتخذ الإدارة الأميركية قرارا منفردا بسحب قواتها»، مشيرا إلى أن «جو بايدن، نائب الرئيس الأميركي الجديد، كان قد أوضح للقيادة العراقية أن الرئيس اوباما ملتزم بموضوع سحب القوات من العراق، لكنه سيكون انسحابا مقننا، وباتفاق بين الجانبين العراقي والأميركي». واعتبر الدباغ أن «هذه الخطوات لا تؤثر في الاتفاقية الأمنية بين العراق وأميركا، بل تأتي داعمة لها».

ومن جانبه، توقع النائب عن الائتلاف الموحد عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان عباس البياتي، أن لا يكون هناك انسحاب سريع للقوات الأميركية من العراق، لكنه أكد لـ«الشرق الأوسط» أن «لدى الحكومة العراقية خطة بديلة للطوارئ في حال واجهت انسحابا سريعا ومفاجئا من البلاد، سيما أن القوات العراقية لديها القدرة الآن أكثر على ملء الفراغ الأمني، الذي سيحدثه هذا الانسحاب، وان تسيطر على أي توتر في أي منطقة أو محافظة من البلاد، سواء من حيث التأهيل أو العدة أو العدد»، مضيفا أن «قواتنا الأمنية وصلت إلى مرحلة يمكن معها أن تواجه أي مفاجأة من هذا القبيل، حيث توجد الآن في كل محافظة فرقة عسكرية، فضلا عن قوات الشرطة الوطنية والمحلية هناك».

وفيما إذا كانت هناك استعدادات كافية من قبل الوزارات الأمنية، خصوصا من حيث التجهيزات، قال البياتي «كنا نعاني سابقا من ضعف ونقص في تجهيز وتأهيل قواتنا الأمنية، لكن الآن توجد لدى وزارة الدفاع عقود للتسليح لمدافع ودبابات وبعض الطائرات المقاتلة تستطيع قواتنا معها أن تسيطر على الأرض، وبقليل من الدعم والإسناد من القوات الأميركية في حال واجهنا انسحابا من الأخيرة»، مشيرا إلى «أن الحكومة العراقية ليس لديها أي خشية أو قلق فيما إذا قررت الولايات المتحدة أن تسحب قواتها من العراق».