الغزيون الذين دمر جيش الاحتلال منازلهم.. يشعرون أن معاناتهم ستطول

أحدهم قال لـ«الشرق الأوسط» : وددت لو أني مت قبل أن أقف على ركام منزلي

TT

لا يكاد أشرف خليل النجار، 30 عاماً، يفارق ركام بيت عائلته الذي كان مكوناً من ثلاثة طوابق ويضم ست شقق سكنية تؤوي عائلته وعائلات اشقائه الخمسة في الطرف الشمالي لقرية «خزاعة»، التي تقع جنوب شرقي قطاع غزة. ولا يخلو بيت في المنطقة من التدمير الكلي أو الجزئي بفعل القصف بواسطة الطائرات النفاثة والمروحية. وقال أشرف لـ«الشرق الاوسط» متحدثا عن المأساة التي حلت بعائلته وبعوائل اشقائه، أنه في الساعة السابعة والنصف من صبيحة اليوم الثاني عشر للعملية البرية الإسرائيلية على القطاع، كان الهدوء مخيماً على المنطقة، في الوقت الذي كان فيه والده خليل، 75 عاماً، يجلس أمام منزل العائلة وهو يداعب أحفاده آلاء، 15 عاماً، ورامي، 10 أعوام، وأيمن، 11 عاماً، بينما كان بقية أفراد العائلة الذين يبلغون 35 شخصاً في شققهم السكنية. وأضاف أشرف: «فجأة وبدون سابق إنذار فإذا بطائرة استطلاع بدون طيار تطلق صاروخين على محيط المنزل، فهز انفجارهما المنزل، فخرج هو وأخوته فإذا بهم يشاهدون والدهم ساقطاً من على كرسيه، وقد أندلق مخه من رأسه، وقد فارق الحياة، كما قتلت آلاء بشظية من صاروخ استقرت في حلقها، في الوقت الذي أصيب فيه كل من رامي بجراح خطيرة، وأيمن بجراح متوسطة. وأشار أشرف أنه وأخوته قاموا فوراً بإخلاء جثة والده وابنة شقيقه، والجريحين الآخرين، وأمروا بقية أفراد الأسرة بمغادرة الشقق، حيث سمع هدير طائرات الـ «أف 15» النفاثة في الجو، فخشوا أن يتم قصف المنزل، وبالفعل ما أن ابتعد أفراد العائلة عشرة أمتار عن المنزل، حتى قامت إحدى هذه الطائرات بإنزال قنبلة تزن نصف طناً على المنزل فدمرته بالكامل، وتحول البيت الكبير الذي يأوي ست عائلات الى أثر بعد عين. ويضيف أشرف أن عائلته وعائلة أحد أشقائه تقيمان عند أحد اقاربه في بلدة «بني سهيلا» المتاخمة، منوهاً أن 30 شخصاً يتكدسون حالياً في شقة سكنية لا تتجاوز مساحتها 200 متر. ويضيف أنه وزوجته وكذلك أخوه وزوجته وأفراد عائلتهما يشعرون بالحرج الشديد من الإقامة لدى عائلة قريبهم هذا، على الرغم من أن هذا القريب لا يبدي أي ضيق من إقامة هاتين العائلتين. ويوضح أشرف أنه كان يفضل لو أنه عثر على شقة سكنية للإيجار، إلا أنه لا يملك المال الكافي الذي يمكنه من استئجار هذه الشقق، مع العلم انه حدث ارتفاع كبير على اسعار استئجار الشقق بسبب تزايد الطلب عليها.

محمد نجل اشرف قال لـ«الشرق الأوسط» أنه لا يكاد يطلع الصباح حتى يتوجه مع والده الى ركام منزل العائلة، مؤكداً أن الجلوس على ركام المنزل يبقى أفضل ألف مرة من الجلوس لدى عائلة اقاربه، حيث الإزدحام الكثيف. وليس محمد الطفل الوحيد من بين أطفال العائلة الذي يجلس بالقرب من ركام المنزل، بل معظم هؤلاء الأطفال يجلسون هناك. محمد شقيق أشرف يقول إنه يشعر بالعجز إزاء ما تشاهده عيناه، مشيراً الى أن أكثر ما يضايقه هو حقيقة أنه يشعر أن معاناته ومعاناة عوائل اخوانه ستطول الى أمد بعيد، في الوقت الذي يسود فيه طقس شتوي قارص، حيث أن جميع الأثاث والملابس قد أتلفت في القصف، الأمر الذي يجعل مكابدة هذا الطقس أمراً بالغ الصعوبة.

رياض احمد النجار ابن عم اشرف والذي يقطن بجواره، قد تعرض منزله أيضاً للقصف، مشيراً الى أنه من المفارقة أن الكثير من اصدقائه الذين يقطنون بمحاذاة الخط الفاصل كانوا يأتون الى بيته للنوم فيه خوفاً من تدمير منازلهم، مستدركاً أن ما حدث أن بيوتهم سلمت ولم تقصف، بينما تعرض بيته البعيد نسبياً عن الخط الفاصل للتدمير بشكل لا يمكن العيش فيه. واشار الى أنه قبل القصف شعر بأن أمورا بالغة الصعوبة يمكن أن تحدث، فقام هو وشقيقه الذي يقطن للشرق منه باستئجار شقة سكنية في مدينة خانيونس، ونقلا عائلتيهما اليها، بينما ظل الإثنان ينامان في بيتهما. وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه عندما تم قصف منزل عمه خليل، سارع للفرار من المنزل، مشيراً الى انه بعد خمس دقائق، قامت مروحية إسرائيلية بقصف منزله، حيث احترق بسبب استخدام صواريخ «هايل فاير» الحارقة، حيث سقط احد الصواريخ على غرفة النوم، فأحدث فيها فتحة كبيرة. عندما تجول مراسل «الشرق الاوسط» في البيت وجد أنه بدا وكأنه مطلي بلون اسود، حيث تنتشر في جميع أرجائه شظايا الصواريخ التي تختلط بالأثاث التالف. ويؤكد رياض أنه سيرفع بعض من ردم منزله ويشيد عليه كشكاً تقيم بداخله عائلته، حتى يتوقف عن دفع أجرة للشقة السكنية التي استأجرها. رياض عندما أراد التعبير عن مشاعره، قال «وددت لو أنني مت قبل أن أشاهد ما حل بمنزلي».