استياء شعبي من الأحزاب الدينية قد يقوض حظوظها في الانتخابات المحلية

اتهامات للأحزاب الكبرى بعدم الوفاء بوعودها.. وبـ«الفساد»

زينب صادق جعفر، المرشحة على «القائمة الوطنية 190» تتحدث إلى رجل يحمل كتيباً انتخابياً لها في البصرة أمس (أ.ف.ب)
TT

حين أدلى العراقيون بأصواتهم في المرة الأخيرة عام 2005، خشي البعض في واشنطن من أن يسير العراق على نهج إيران التي يحكمها رجال دين، بدلا من تلك الديمقراطية المعتدلة التي تصوروها لعراق ما بعد صدام حسين.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن، حين ينتخب العراقيون قيادات جديدة للمحافظات في 31 يناير (كانون الثاني)، هو: هل الأحزاب الدينية التي تهيمن على الساحة السياسية منذ ذلك الحين تستطيع الاستمرار في الحكم، على الرغم من المرارة التي يشعر بها الناخبون المحرومون من الخدمات والأمن؟

تقول صفاء كاظم، وهي مدرسة في البصرة، عاكسة الغضب الذي يجري التعبير عنه في أنحاء العراق تجاه الأحزاب الكبرى، ومعظمها قامت على أسس طائفية، وينظر إليها كثيرون على أنها فاسدة ولا تخدم إلا مصالحها الخاصة: «الأحزاب الدينية لم تفِ بوعودها. لقد استغلت مشكلاتنا». وأضافت: «يجب أن يكون الناخب أكثر حرصا هذه المرة، ويصوت لمن يستحق».

إن علامات الاستياء هذه هي تحذير لحزب الدعوة بقيادة رئيس الوزراء نوري المالكي، والمجلس الأعلى الإسلامي بزعامة عبد العزيز الحكيم، ويمثلان الأغلبية الشيعية بالعراق، وأيضا للحزب الإسلامي العراقي الذي هو أكبر تكتل للعرب السنة.

وتواجه جميع هذه الأحزاب تحديات من حركات عشائرية وقومية حديثة العهد، بعد قرابة ستة أعوام من الغزو الأميركي، وسنوات من أعمال العنف الطائفي المروعة التي أسفرت عن سقوط عشرات الآلاف من القتلى.

وصرح مسؤول أميركي في بغداد بأن التراجع الحاد في عنف الميليشيات والعنف الطائفي بين السنة والشيعة، الذي بلغ ذروته عامي 2006 و2007، شجع على الابتعاد عن السياسة الطائفية. وقال المسؤول الذي طلب عدم نشر اسمه لوكالة رويترز: «أمامنا طريق طويل لنقطعه، لأن من الصعوبة الشديدة تفادي السياسة القائمة على الهوية، حين يكون المكان الوحيد الذي تشعر فيه بالأمان هو داخل طائفتك». وعلق كاظم المقدادي المحلل السياسي في بغداد، قائلا إن العراقيين الآن يريدون التصويت للمرشح الأفضل، بغض النظر عن طائفته الدينية.

وعلى الرغم من هذا قد يكون من الصعب على الأحزاب الصغيرة كسب أرض من المنظمات الراسخة الممولة جيدا، وقد لا تترجم هذه النوايا إلى تغير كبير في السياسة العراقية. وقال مايكل نايتس الذي يرأس برنامجا عن العراق بمعهد سياسة الشرق الأدنى في واشنطن: «الأحزاب السياسية الكبرى أفضل تنظيما وتمويلا وتسليحا، وتسيطر على وسائل الإعلام والوزارات التي توفر الوظائف والخدمات الاجتماعية». وأضاف: «العلمانيون منقسمون وتنظيمهم سيئ، ونتيجة لهذا ليس لدى الشعب العراقي حاليا بديل للإسلاميين له مصداقية في الكثير من المحافظات».

وعلى الرغم من صعود الشيعة في العراق الآن إلا أنهم لم يحاولوا فرض أي نوع من الحكم الديني على الطراز الإيراني. وقد نأى الزعيم الشيعي العراقي الأبرز آية الله علي السيستاني بنفسه عن هذه المسألة، وأظهر أنه فوق السياسة الحزبية، لكن الإغراء قوي بجعل الناخبين يظنون أن الزعماء الدينيين يفضلون حزبا ما.

وتحظر القوانين استخدام الرموز الدينية في الحملات الانتخابية، لكن اللافتات السوداء التي تحمل شعارات شيعية ورموزا حزبية، موجودة في كل مكان بشوارع مدينة النجف الشيعية. ومن بين الأحزاب الشيعية كان المجلس الأعلى الإسلامي العراقي، من بين أكثر الأحزاب صراحة في استخدام الدين في حملته الانتخابية.

وقال عمار الحكيم، نجل رئيس المجلس الأعلى الإسلامي، إن دستور العراق يعني أنه لا يمكن المقارنة بين بلاده وإيران، التي يحكمها رجال الدين، لدى النظر إلى دور الدين في السياسة. وأضاف أن الدستور يعتبر العراق دولة متحضرة، تحترم الإسلام في تناغم مع الهوية الدينية للشعب العراقي، وتحترم مشاعرهم وشعائرهم. وعبر عن غضبه من التلميح بأن العلمانيين قد يستفيدون من شعور الناس بعدم كفاءة الأحزاب الإسلامية. وتابع أنه لا يرى أي تعارض بين التدين والخبرة، وقال إن التجربة أظهرت أن هناك أشخاصا متدينين خدموا الجماهير، وعلمانيين لم يفعلوا. لكن هذا التفاني قد لا يكفي تماما لعلاج الاستياء الشعبي، فالعراق رغم أنه أصبح أكثر أمانا، فإن أعمال العنف ما زالت تهزه بشكل روتيني، ولا يزال الملايين يعيشون بلا كهرباء ولا وظائف. ويقول بعض المراقبين إنه لهذا السبب عدلت الأحزاب السياسية الكبرى رسالتها، وتخوض الانتخابات بمرشحين أكثر اعتدالا؛ لتعكس أولويات العراقيين اليوم.

وقال إياد علاوي رئيس الوزراء السابق، الذي يرأس حزب الوفاق الوطني العراقي، وهو أكبر حزب علماني بالبلاد، إنه حين ينظر الآن إلى ما تقوله الجماعات العلمانية الأخرى يجدها تقول ما كان حزبه يقوله قبل ستة أعوام. ويأمل علاوي ألا تتكرر النتيجة المحبطة التي عانى منها حزبه في انتخابات عام 2005.

ولن يخوض واحد من أشهر الشخصيات الدينية بالعراق الانتخابات، فمقتدى الصدر الذي تحدث ذات يوم نيابة عن الملايين من فقراء الشيعة، لن يرشح أي مرشحين من التيار الصدري الذي يتزعمه. وتقول نوال حسين، وهي ربة منزل من البصرة، إن المؤهلات الدينية للمرشحين ثانوية. وأضافت: «لا يهم إن كان غير مسلم، المهم أن يكون أمينا».