مصادر أميركية لـ«الشرق الأوسط»: أوباما سيتحرك في كل الملفات الساخنة.. وجس النبض لـ4 أشهر

قالوا إنه يجب على منطقة الشرق الأوسط ألا تتوقع تغييرا دراماتيكيا فوريا.. ولا حوار مع حماس

الرئيس أوباما ونائبه بايدن في اجتماع مع الفريق الاقتصادي في المكتب البيضاوي أمس (إ.ب.أ)
TT

في 22 يناير (كانون الثاني) 2001 أخذ جورج بوش الابن يومه الرئاسي الأول إجازة، قاطعا بشكل فوري تقاليد أرساها بيل كلينتون عندما كان رئيسا، فقد كان كلينتون يعمل لساعات طويلة وحتى وقت متأخر من الليل.

عندما وصل بوش إلى البيت الأبيض صباح ذلك اليوم الأول شرب الشاي مع مساعديه واسترخى قليلا، وبعد ذلك بدأ يقرأ في كتاب اختاره خصيصا ليومه الأول في البيت الأبيض، وهو سيرة جون كوينسي آدامز، سادس رئيس أميركي، حكم من 1825 إلى 1829، ليكون أول ابن لرئيس أميركي سابق ينتخب بدوره رئيسا. (كان والده جون آدامز، ثاني رئيس لأميركا، وحكم بين 1797 و1801، وهو أول رئيس أميركي يعيش في البيت الأبيض).

أوباما في يومه الأول بالبيت الأبيض كان أقرب إلى كلينتون، فقد بدأ اليوم الأول باجتماعات مع المسؤولين الاقتصاديين والعسكريين بالإدارة، لبحث خيارات انسحاب مسؤول من العراق، والاقتصاد المرهق جدا، والذي أظهر علامات إعياء منذ اليوم الأول بعد التنصيب، إذ انخفضت بورصة وول ستريت إلى أدنى مستوى لها في التاريخ، في اليوم الأول بعد تنصيب رئيس أميركي. وكانت ملفات الشرق الأوسط على مائدة أوباما ومستشاريه منذ الساعات الأولى، فالإدارة لا تريد أن تضيع وقتا في الانتظار، خصوصا وأن التاريخ أثبت أن ملفات الشرق الأوسط من التعقيد بحيث تمر إدارة وراء إدارة دون أن تشهد تحركا للأمام. لكن إدارة أوباما كما قالت مصادر أميركية لـ«الشرق الأوسط»، لن تسير على نفس المنوال، لن تؤجل قضايا المنطقة إلى العام الأخير في الرئاسة، بل على العكس، ستبدأ النظر في هذه القضايا منذ اليوم الأول. فما هي رؤية إدارة أوباما وكيف ستسير قدما؟ وما هي أولوياتها في الشرق الأوسط؟

قال مسؤولون حاليون وسابقون بوزارة الخارجية الأميركية لـ«الشرق الأوسط» إن إدارة أوباما لن تضع أولويات، بمعنى تقديم ملف السلام في الشرق الأوسط، وتأجيل التعامل مع إيران وحماس وسورية مثلا، موضحين أن الهدف هو أن تتحرك الإدارة الجديدة في كل هذه الملفات معا. وقال مسؤول مطلع بالخارجية الأميركية، لا يريد الكشف عن هويته، لـ«الشرق الأوسط»: «ما زلنا في الأيام الأولى، ولم يتم الاتفاق حتى على كل التعيينات، لكننا نعرف أن التوجه هو أن نسير قدما في كل الملفات الساخنة.. الحكومة الأميركية لا تتغير بين يوم وليلة. لا نتوقع تغييرا كبيرا في كل مجال، ونأمل مواصلة عملية سلام الشرق الأوسط وإعادة الاستقرار إلى العراق». لكن بالرغم من عدم توقع تغيير فوري في السياسات فقد كان هناك تغيير فوري في لهجة الإدارة الجديدة، وضح في خطاب تنصيب أوباما، الذي تحدث فيه عن صفحة جديدة من قيادة أميركا للعالم، لا تعتمد فقط على القوة، موضحا أن القوة وحدها لا تضمن الأمن.

هذا التغيير في اللهجة، كما تتطلع إدارة أوباما، قد يفتح الطريق لعلاقات أفضل، إلا أنه لا يضمن حل المشكلات المعقدة والمتشابكة في خريطة الشرق الأوسط المركبة. ويقول أرون ديفيد ميلر، المفاوض السابق للشرق الأوسط في الخارجية الأميركية، والذي عمل مستشارا لـ 6 وزراء خارجية سابقين لشؤون الشرق الأوسط: «الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، كما نعرف ويعرف أوباما، لن يحل بسرعة أو بسهولة. الذي سيحاول أوباما أن يفعله هو أن يغير اللهجة، ويظهر الجدية فيما يتعلق بمدى نشاط أميركا في المنطقة». ويقف ميلر أمام أول القرارات المتعلقة بالمنطقة، موضحا لـ«الشرق الأوسط» أن « تعيين جورج ميتشل مبعوثا لسلام الشرق الأوسط، يرسل إشارة واضحة بأن إدارة أوباما ستكون نشيطة على صعيد أزمة الشرق الأوسط. لكن أن تكون نشيطا لا يعني القدرة على الحل، فلنكن واقعيين، إذا سألنا: ما هي فرص تحقيق سلام إسرائيلي- فلسطيني حول الحدود واللاجئين والأمن؟ سأقول إن فرص حدوث ذلك قريبا تقترب من الصفر. وأي محلل صادق مع نفسه لن يصل إلى نتيجة أخرى».

ويكشف اختيار جورج ميتشل كمبعوث للسلام في منطقة الشرق الأوسط، بالرغم من أنه لم يعلن رسميا بعد، عن رغبة أوباما في أن يقدم رجلا تعرفه المنطقة، إذ رأس ميتشل تحقيقات لجنة سميت باسمه حول أسباب النزاع بين الإسرائيليين والفلسطينيين 2000-2001. كما يكشف رغبة أوباما في تقديم رجل «يقف في المنتصف بين الطرفين»، ففي تقرير ميتشل دعا الإسرائيليين إلى تجميد بناء المستوطنات، وتجميد الامتداد الطبيعي لها، بينما دعا الفلسطينيين إلى وقف الهجمات على إسرائيل. وفي النهاية لم ير الإسرائيليون ميتشل صديقا لهم، بينما لم يره الفلسطينيون عدوا لهم. بهذه الخلفية يعود ميتشل إلى الشرق الأوسط كوسيط نزيه أكثر من غيره، لكن النزاهة وحدها لم تضمن له النجاح عام 2001، وبالتالي لا ضمان للنجاح هذه المرة أيضا، خصوصا أن الأوضاع على الأرض أكثر تعقيدا.

ويقول ميلر لـ«الشرق الأوسط» إن إدارة أوباما ستحتاج إلى فترة جس نبض للمنطقة تصل إلى نحو 4 أشهر، قبل أن تقدم على أي تحركات، بسبب الأزمة على الأرض بفعل انقسام الفلسطينيين إلى معسكرين وحكومتين وشريعتين بين فتح وحماس.

ويوضح ميلر أن «تطورات غزة جعلت إمكانيات التفاوض على تسوية أسوأ كثيرا، فأبو مازن تم إضعافه، وحماس خسرت عسكريا لكن كسبت سياسيا، وإسرائيل لديها انتخابات في 10 فبراير (شباط) المقبل. ولن يكون هناك رئيس وزراء إسرائيلي في مكتبه قبل نهاية مارس (آذار)، ورئيس الوزراء الإسرائيلي لن يأتي إلى أميركا قبل أبريل (نيسان) المقبل. لذلك أعتقد أنه على الشرق الأوسط أن يبطئ من توقعاته، لأنه سيكون صعبا جدا التقدم بسرعة في هذا الملف. غزة أصبحت محل التركيز، وأميركا ستكون نشيطة، لكن التسوية لن تكون سهلة، لأن إدارة أوباما لن تغير أفكارها وآراءها أو سياساتها حيال حماس. قانونيا لا يحق للسياسيين الأميركيين التحاور مع حماس، لأن الحركة على قائمة المنظمات الإرهابية، وهذا يجعل من شبه المستحيل الحديث مع حماس. وفي كل الحالات إذا تحدثنا مع حماس سنضعف أبو مازن، فلماذا نضعف عباس أكثر مما هو ضعيف أصلا؟ إنه المفتاح في القفل، والعنوان الذي نذهب إليه في الأراضي الفلسطينية. هذا المفتاح قد لا يعمل، لكن ليس هناك مجال لأن نتخلى عنه».

ولا يضع ميلر إيران وسورية في نفس السلة التي يضع فيها حماس، موضحا أن على إدارة أوباما أن تسعى لنوع من الحوار مع هذين النظامين. ويقول ميلر في هذا الصدد: «أعتقد أننا يجب أن نتحدث مع السوريين، ويجب أن نتواصل مع الإيرانيين؛ فهذه دول، وحماس ليست دولة، إنها حركة أو منظمة تعمل في إطار دولة. وسواء كان قرارنا صحيحا أم خطأ فإننا وضعنا أموالنا على محمود عباس. لن نتخلى عنه، مما يعني أننا لن نقوي المعارضين له، مما يعني أننا لن نتحدث مع حماس. أقول لأوباما: افعل كل ما تستطيعه لإعادة الاستقرار للأمور في غزة، حاول أن تبدأ نوعا من المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين، لكن دون أن تعتقد أنك يمكن أن تحل هذه المشكلة. حاول أن توقع اتفاقا بين السوريين والإسرائيليين، هذا أقرب كثيرا للتنفيذ. أما الانخراط مع إيران فيجب أن يحدث لكن ليس ركوعا على ركبتنا، يجب أن ننخرط مع إيران من موقع القوة، لكن يجب على الإدارة اتخاذ قرار فيما يتعلق ببدء الحوار مع إيران، بمعني هل تبدأ الحوار الآن أم بعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية في يونيو (حزيران) المقبل؟ رأيي الشخصي يعتمد على السؤال التالي: ما معني الحوار؟ وهل سيجري على مستوى بحيث يؤدي إلى نتائج؟ هذه هي الأسئلة التي تحتاج الإدارة إلى أن تجيب عليها لتقرر متى تبدأ الحوار مع إيران، لأنني لا أعتقد في الحوار من أجل الحوار، هذا لا معني له. ففي النهاية أحمدي نجاد لا يسيطر على السياسات، بل المرشد الأعلى خامنئي هو الذي يسيطر على السياسات، وسنتحاور مع من يضعه خامنئي. ليس لدينا خيار في من نتحدث إليه ومن لا نتحدث إليه، لكن مع ذلك يبدو لى أنه من المستبعد جدا إجراء حوار بين المسؤولين الإميركيين وأحمدي نجاد. لا أرى هذا يحدث».

وتتقاطع آراء ميلر حول بدء نوع من الحوار مع إيران وسورية مع أفكار مارتن أنديك، السفير الأميركي السابق في إسرائيل، وأحد مستشاري أوباما للسياسة الخارجية خلال الحملة الانتخابية، فخلال الأسبوع الماضي قال أنديك إنه يجب أن تشرع إدارة أوباما في تحرك دبلوماسي بـ«مسار واحد، لكن من ثلاثة أضلاع»، أو بمعني آخر أن تنظر إلى مشكلات الشرق الأوسط كحزمة واحدة. ويقول أنديك إن مساعي أوباما لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يجب أن تتشابك معه جهود للتواصل مع إيران، وإقصائها عن مواصلة برنامجها النووي، وأن تتشابك مع هذا جهود لاستئناف المفاوضات المباشرة بين سورية وإسرائيل. ويوضح أنديك: «سأكون مدهوشا إذا تحدثت الإدارة الجديدة مع حماس. أوباما ومستشاروه ينطلقون من فكرة أن عدم الكلام مع العدو خطأ، وهو قال بصراحة إنه سيحاول التحدث مع الإيرانيين بشأن برنامجهم النووي، لكن فيما يتعلق بحماس سيكون تركيز أوباما على وقف إطلاق النار، ثم مبادرة سلام جديدة. لكن حماس غير معنية بالسلام، وبالتالي من الصعب رؤية كيف يمكن بناء عملية سلام مع حماس. لكن على الجانب الآخر، ومع أخذ الانشقاقات وسط الفلسطينيين في الاعتبار، حماس تسيطر على غزة، وفتح على الضفة، وسيكون من الصعب رؤية كيف يمكن تحقيق تقدم في عملية السلام دون التقريب بين الأطراف الفلسطينية. والطريق لفعل هذا هو ترك ذلك الهدف للعرب والأتراك، الذين أيضا لديهم نفوذ على حماس، فإذا تمكن العرب والأتراك من تحقيق مصالحة بين فتح وحماس، حيث تعلن حماس احترام وقف النار، وتوافق على أن السلطة الفلسطينية برئاسة أبو مازن يجب أن تتفاوض مع إسرائيل، هنا يمكن أن أتصور أن تجري إدارة أوباما اتصالات منخفضة المستوى مع حماس. أي اتصال يحدث قبل هذا لن يؤدي فقط إلى إضعاف أبو مازن والسلطة الفلسطينية، بل أيضا سيعطي شرعية وانتصارا لحماس، مما سيعني إضعافا للسعودية ومصر، اللتين تحاولان جعل سلوك حماس أكثر مرونة».

ومع أن خيارات السياسة الخارجية عندما توضع على الورق تبدو سهلة، إلا أن الاتفاق عليها وتطبيقها مهمة مختلفة تماما. وقد يصعبها في إدارة أوباما وجود هذا العدد من المستشارين واسعي النفوذ في واشنطن، ومن الوزن الثقيل، كلهم لديهم خبرة كبيرة بقضايا السياسة الخارجية، لكن لديهم أيضا تصورات مختلفة، فهيلاري كلينتون غير دنيس روس غير جورج ميتشل غير جيمس جونز غير جو بيدن. فهل ينبئ هذا عن نوع من الصدام المحتمل بين وزراء أوباما ومستشاريه؟

يقول ميلر لـ«الشرق الأوسط»: «الرئيس أحاط نفسه بشخصيات قوية جدا. جو بيدن، جيمس جونز، جورج ميتشل، هيلاري كلينتون. نعم، قد يحدث بعض التداخل والالتباس إذا لم تحدد الأدوار والصلاحيات، ويجب أن ننتظر لنرى ما إذا كان ذلك الأمر سيسير بسلاسة». وبالرغم من أن هيلاري كلينتون قد بشرت أمس في اليوم الأول لها بوزارة الخارجية بـ«عهد جديد لأميركا»، فإنه لا ينبغي توقع تغييرات كبيرة وفورية. ويقول مستشار سابق للرئيس الأميركي بيل كلينتون لـ«الشرق الأوسط» في هذا الصدد: «لن نرى تغييرا دراماتيكيا من قبل هذه الإدارة في السياسات، لن نرى تغييرا في جوهر السياسات، سنرى تغييرا في الخطاب وطريقة التعامل مع هذه القضايا. ربما لاحقا نرى تغييرات، لكن ليس فورا».