حكاية معاناة مُقعد فلسطيني

أصابوه بالشلل في الانتفاضة الأولى.. ودمر منزله وكرسيه المتحرك في العدوان الأخير

TT

بالرغم من أنه كان يرى الجرافة وهي تنهش بيته، إلا أن يوسف النجار، 70 عاما، المقعد الذي يعاني من الشلل، ظل في سريره عاجزا عن فعل شيء ومستسلما لقدره، فقد بات ليلته وحيدا، بعد أن غادر أفراد أسرته المنزل تحسبا لاجتياح إسرائيلي للمنطقة، التي يوجد فيها منزل العائلة في قرية «خزاعة»، جنوب شرقي قطاع غزة.

وبينما هو على هذه الحال، فإذا بأحد الأفراد الذين يقطنون في محيط المنزل ويدعى صبحي، يخاطر بحياته ويتسلق النافذة ويندفع نحو المنزل ليحمل العجوز المقعد ويخرج به من باب خلفي، يقع في الجهة الغربية من المنزل، بعيدا عن أعين جنود الاحتلال الذين كانوا يحرسون الجرافة وهي تدمر المنزل المكون من ثلاثة طوابق ويضم ست شقق سكنية. حرص صبحي على المشي بجوار المنازل التي لم تدمر بعد حتى وصل إلى أحد كروم الزيتون، فتوارى عن أعين الجنود ليضع العجوز المقعد في أول بيت يلي الكرم. «الشرق الأوسط» زارت ركام منزل هذا المقعد حيث بدا وسط هذا الركام ما تبقى من كرسيه المتنقل الذي كان يساعد هذا العجوز على التنقل من مكان إلى آخر. لا يمكن للمرء أن يقف بعض الوقت على الجهة الجنوبية من المنزل، حيث تملأ الفضاء رائحة جثة حمار العائلة المتحللة، الذي قام جنود الاحتلال بتدمير المنزل عليه، فنفق فورا، مع العلم أن أفراد هذه العائلة التي تعيش على الزراعة يستخدمون هذا الحمار في تنقلاتهم بين القرية وما يجاورها من القرى.

أحمد نجل هذا المقعد قال لـ«الشرق الأوسط» إن والده أصيب بالشلل إثر اعتداء جنود الاحتلال عليه أواخر عام 1987 عندما اندلعت الانتفاضة الأولى، مشيرا إلى أن والده كان في إحدى الليالي عائدا إلى البيت بعد أن سهر مع أحد أصدقائه في المنطقة، حيث فوجئ بمجموعة من جنود الاحتلال كانوا يتمركزون على قارعة الطريق، فأوقفوه ثم انهالوا عليه بالضرب على رأسه، وعلى ظهره ورقبته بشكل مبرح بهراوات وبأعقاب بنادقهم وبقبضاتهم، ليتركوه وقد ارتمى على الأرض بعد أن فقد وعيه، وأصبح غير قادر على الحركة. وأضاف أحمد أنه بعد أن غادر الجنود المكان قام الجيران بحمل والده المنهار إلى منزل العائلة، وفي الصباح تم نقله للمستشفى ليقرر الأطباء أن جهازه العصبي قد تعرض لأضرار كبيرة، وأن إنقاذ حياته والحيلولة دون إصابته بالشلل يتطلب نقله للعلاج في الخارج. وبسبب اندلاع الانتفاضة والقيود التي فرضتها إسرائيل في ذلك الوقت، لم يتسن نقله للمستشفى، وظل وضعه يتدهور، وبعد ذلك تم تحويله في البداية إلى مصر ثم الأردن ليؤكد الأطباء أنه قد أصيب بالشلل، وأنه لا طائل من وراء محاولات إنقاذه. ونوه أحمد إلى أنه بالإضافة إلى والده فإن اثنين من أشقائه مقعدان، وهما: سمير، وهو كفيف ويعاني من صعوبة في الحركة، وشادي الذي يعاني من صعوبة في الحركة. على الركام التقينا بشادي الذي كان جالسا وهو يتحرك بصعوبة شديدة، حيث إن بعض آثار الدماء ما زالت على قدمه بسبب تعثره أثناء محاولته الهرب. ويقول شادي لـ«الشرق الأوسط» إنه بالرغم مما حل به وبعائلته فإنه مصر على مواصلة الدراسة، مؤكدا أنه سيدرس ولو ظل على ركام هذا المنزل حتى يحقق أمنيته في الحياة بأن يصبح طبيبا. ويضيف شادي أن إسرائيل استطاعت تدمير بيته والقضاء على كل ما تملك عائلته، إلا أنها لن تستطيع أن تنزع منه إرادة الحياة. من على ركام هذا المنزل يمكن للمرء أن يشاهد الدمار الهائل الذي لحق بالبيئة الزراعية، حيث بدت كروم الزيتون والحقول الغناء التي كانت تملأ الفضاء في هذه المنطقة كأرض جرداء تمتلئ بأكوام من بقايا الأشجار التي فتتها الجرافات الضخمة.