اليابان تبذل جهودا كبيرة للحفاظ على المهاجرين.. الشباب

بعد تاريخ طويل من رفض إقامة الأجانب فيها بدأت البلاد تشهد تغيرات جذرية

TT

الشباب هم آخر ما يمكن أن تتحمل اليابان خسارته. إلا أن الأزمة الاقتصادية العالمية أدت إلى تقليل الطلب على السيارات اليابانية والسلع الإلكترونية، ويجري حاليا تسريح الآلاف من عمال المصانع الشباب الأجانب، الأمر الذي يدفعهم إلى سحب أولادهم من المدارس والعودة إلى البلاد التي جاءوا منها. ومؤخرا، قام بولينو وليديان أونوما ببيع سيارتهما واشتريا تذاكر طائرة لساو باولو في البرازيل. وسيعودان الشهر المقبل مع ابنتيهما، اللتين ولدتا في مدينة أويدا. ومن المقرر أن ينتهي عمل بولينو في مجال تصنيع الماكينات الثقيلة بمصانع السيارات الأسبوع المقبل، فيما فقدت ليديان عملها الذي كانت تقوم خلاله بعمل وجبات غداء تحتوي على الفاصوليا والأرز المتبل لعمال المدينة الذين يعودون إلى أصول برازيلية. جدير بالذكر أن معظم هؤلاء العمال ذوي الأصول البرازيلية قد تم تسريحهم وينظرون حاليا فيما إذا كانوا سيغادرون اليابان. ويقول بوليان أونوما، الذي يبلغ من العمر 29 عاما ويعيش في اليابان منذ 12 عاما «لا توجد رغبة لدينا في العودة إلى الوطن، ولكننا سنعود إليه بسبب الوضع الحالي». يحصل بوليان على 50 ألف دولار في العام، وهو أكبر كثيرا مما يمكن أن يحصل عليه في البرازيل، بحسب ما يقول. وقد دق هذا الوضع، المتمثل في تعرض العائلات المهاجرة لفقدان وظائفها بدرجة كبيرة ورغبتها المفاجئة في مغادرة اليابان، ناقوس الخطر لدى الحكومة في طوكيو، ودفعها إلى العمل على بناء برامج تساعد المهاجرين العاطلين عن العمل على البقاء في اليابان، التي يتعامل معها الأجانب بحذر، خاصة هؤلاء الذين لا يشغلون وظائف. ويقول ماساهيكو أوزيكي، المسؤول عن مكتب للتنسيق بين الهيئات يتبع مجلس الوزراء وقد أسس الشهر الماضي «هدفنا هو الإبقاء عليهم داخل اليابان. فنحن كحكومة، لم نقم بشيء مثل ذلك من قبل»، ويضيف أوزيكي إنه يتم الجمع بين دورات تعليم اللغة اليابانية وبرامج التدريب المهني واستشارات الوظائف حتى يتسنى للمهاجرين العثور على عمل في المنظومة الاقتصادية داخل اليابان. يذكر أن هناك نقصا في العمالة في اليابان، لا سيما في قطاع الرعاية الصحية والخدمات الأخرى التي تستهدف كبار السن. وما زال الدعم الحكومي لهذه البرامج الناشئة محدودا حتى الوقت الحالي، حيث يزيد قليلا عن مليوني دولار، وهذا أقل كثيرا من اللازم لمساعدة عشرات الآلاف من العمال الأجانب الذي يفقدون وظائفهم ويفكرون في مغادرة اليابان. ولكن، يقول أوزيكي، إن رئيس الوزراء تارو أسو، سوف يطلب من البرلمان في وقت قريب المزيد من المال في إطار حزمة تحفيز اقتصادي كبرى من المقرر التصويت عليها في الأشهر الأولى من العام الجاري، ولكن لم يتم تحديد المبلغ الذي سيطلب رئيس الوزراء من البرلمان الموافقة عليه حتى الآن. ووصف هيدينوري ساكاناكا، الرئيس السابق لمكتب الهجرة في طوكيو محاولات الحكومة للإبقاء على الأجانب الذين لا يشغلون وظائف داخل البلاد بأنه بمثابة «تغير جذري»، ويشغل ساكاناكا حاليا منصب مدير معهد سياسات الهجرة في اليابان، وهي مؤسسة بحثية في طوكيو. وأضاف «لدي اليابان تاريخ طويل في رفض المقيمين الأجانب الذين يحاولون الإقامة هنا، والطبيعي أن يكون رد فعل الحكومة هو حث هؤلاء العاطلين على العودة إلى أوطانهم، لا أقول إن اليابان كدولة قد تحولت إلى دولة مهاجرين، ولكن عندما نعيد النظر في تاريخ هذا البلد، قد نرى أن ذلك تحول فيها». ويقول ساكاناكا إن قرار الحكومة سوف يرسل إشارة إلى المهاجرين المحتملين حول العالم مفادها أنهم إذا جاءوا للعمل في اليابان، فإنه سوف يتم مراعاتهم، حتى في الظروف الاقتصادية الصعبة. وثمة إحساس متنام بيد الساسة والقيادات الاقتصادية في اليابان بأن عملية هجرة واسعة النطاق قد تكون هي السبيل الوحيدة لتجنب كارثة ديموغرافية، يبدو أنها قد تصيب ثاني أكبر اقتصاد في العالم بالشلل. ولم يكن لدى أي دولة من قبل عدد قليل من الأطفال أو عدد كبير من كبار السن كما هو الحال في اليابان. وقد انخفض عدد الأطفال على مدار 27 سنة متوالية، كما أن نسبة كبار السن، ممن تجاوزوا الـ65 عاما، ارتفعت بدورها على نحو قياسي لتبلغ 22%، مقارنة بـ12% فقط داخل الولايات المتحدة الأميركية. وإذا استمر هذا الاتجاه، فسيتقلص تعداد السكان البالغ 127 مليون نسمة إلى الثلث في غضون 50 سنة، فيما سيتقلص إلى الثلثين مع مرور 100 عاما. وبحلول عام 2060، سيبلغ معدل المتقاعدين باليابان 2 مقابل كل ثلاثة عاملين، وهو العبء الذي من الممكن أن يفضي إلى إفلاس أنظمة المعاش والرعاية الصحية.

ويعتري علماء الديموغرافيا قلق بالغ جراء تلك الأعداد، ولكنهم تمكنوا العام الماضي فقط من جذب انتباه بعض أقسام هيكلة السلطة داخل اليابان. وفي الصيف الماضي، أوضحت مجموعة من الساسة داخل الحزب الديمقراطي الليبرالي الحاكم تتكون من 80 شخصا أن اليابان بحاجة إلى استقبال 10 ملايين مهاجر على مدار الـ50 عاما المقبلة. وأشاروا إلى انه لا ينبغي أن يقتصر هدف السياسة الحكومية على «استقدام» المهاجرين، ولكن «تنشئتهم» هم وأسرهم أيضا على التدريب المهني واللغوي، وتشجيعهم على أن يصبحوا مواطنين أكثر تأقلما وتطبعا في اليابان.

* خدمة «واشنطن بوست» خاصة بـ«الشرق الأوسط»