البصرة: ازدهار عشرات المهن تزامنا مع انتخابات مجالس المحافظات

أصحاب مطابع يعتبرونه موسم حصاد وفير بعد سنوات من الكساد

TT

مع بدأ العد التنازلي لانتخابات مجالس المحافظات المقرر إجراؤها نهاية الشهر الجاري، ووصول الدعاية الانتخابية إلى ذروتها، شهدت أسواق المطابع والحرف، التي لها علاقة بفنون الدعاية الانتخابية، نشاطا ملحوظا في محافظة البصرة، ثاني أكبر المدن العراقية، أزالت غبار الكساد الذي أصابها منذ عدة أعوام.

وأجمع أصحاب المطابع لـ«الشرق الأوسط» على أن الانتخابات المحلية منحتهم فرصة لاسترداد أنفاسهم بإعادة دوران مكائن مطابعهم وتشغيل العمال الذين تم الاستغناء عنهم خلال السنوات الماضية، لطبع وسائل الدعاية الانتخابية للكيانات والمرشحين، مؤكدين أن قطاع المطابع، تعرض لخسائر كبيرة بعد الغزو الأميركي للعراق في 2003، نتيجة التوجه إلى مطابع دول الجوار لطبع الكتب المدرسية وقرطاسية الدوائر الرسمية، بعد أن كان منتعشا، رغم وجود مطابع دار الحرية الحكومية قبل التغيير.

وتحولت جدران الأبنية والأسواق وأعمدة الكهرباء والهاتف والإشارات الضوئية وتقاطعات الشوارع وأسيجة المدارس والعوارض الكونكريتية وواجهات المتنزهات ومدن الألعاب ومحطات تعبئة الوقود وأرصفة الموانئ ومداخل مآرب السيارات والطرق المؤدية الى المطار والمحافظات المجاورة، إلى ملصقات لورق ملون، منه لماع أو محبب أو عادي يحمل صور المرشحين وشعاراتهم، فيما نشط مروجو الدعايات الانتخابية بتوزيع بطاقات التعريف والسير الذاتية للمرشحين والبرامج الانتخابية للكيانات، وكلها خرجت من مطابع المدينة وأصحابها فرحون بموسم حصادهم الوفير.

ولم تكتف الدعاية الانتخابية بتشغيل المطابع فحسب، بل امتدت إلى أصحاب الحرف: خطاطون ورسامون ومصورون ومصممون وقماشون وصباغون ومؤطرو الصور ولحامون ومؤجر السرادق والخيام والسلالم والكراسي ومكبرات الصوت والصالات وبائعو الأصباغ والمواد اللاصقة ومكاتب القرطاسية والاستنساخ وبيع الحبال والمطاعم، وحتى العاطلون وجدوا في لصق وتعليق الدعايات الانتخابية فرص عمل لهم ستمتد حتى الساعات الأخيرة ليوم الاقتراع.

وأكد أحمد كاظم العلي، صاحب مطبعة أحمد في شارع الاستقلال وسط المدينة، لـ«الشرق الأوسط» أن «كل أصحاب المطابع كانوا يتوقعون هذا الزخم من العمل قبل بدء الدعاية الانتخابية، لهذا تم خزن كميات كبيرة من الأوراق والأحبار وصيانة المطابع، استعدادا لهذا الموسم الطباعي». وأضاف العلي أن «ما يميز الدعاية الانتخابية هذه، خلوها من طبع صور المراجع الدينية والأماكن المقدسة كما جرى في انتخابات المجالس عام 2005، والتعويض عنها بطبع خارطة العراق والأعلام العراقية والمعالم الأثرية المعروفة، التي فضلها بعض المرشحين كي تكون خلفية لصورهم»، مشيرا إلى «لجوء بعض الكيانات والمرشحين في المحافظات المجاورة إلى مطابع البصرة كونها أكثر حداثة وتلبي رغباتهم في إخراج المطبوع بالشكل الذي يطلبونه».

وقال كريم المظفر، وكيل صاحب مطبعة الأمة العربية إن «بعض الكيانات الكبيرة والمرشحين الأثرياء لا تهمهم الكلف الطباعية بقدر إخراج المطبوع بشكل أنيق، غير متداخل الألوان، وبالحجم والعدد المتفق عليه، فيما يلجا معظم المرشحين المستقلين، وهم أقل إنفاقا على حملاتهم الانتخابية، إلى طباعة ملصقاتهم الانتخابية بنسخ قليلة نسبياً، ويتجنب بعضهم طباعة الملصقات، ويقبلون على طباعة البطاقات التعريفية الصغيرة المشفوعة بالتقويم الميلادي لأن تكاليفها أقل وخاصة المرشحات من النساء». وأشار المظفر إلى أن مطابعهم ما زالت تتلقى العروض، إما لزيادة الكميات التي سبق وان طبعتها، أو تعويضا عن الملصقات التي تتعرض للتمزيق والتلف، مؤكد أن «بعض المرشحين وعدوا عمال المطبعة بمكافأة سخية عند فوزهم».

وأفاد علاء كاظم الدراجي، خطاط، بأن عمل الخطاطين منذ بداية الشهر الجاري ازدهر بشكل غير طبيعي، نتيجة إقبال المرشحين على خط اللافتات التي تدعو الناخبين لترشيحهم، مشيرا إلى أن بعض المرشحين طلب خط مائة لافتة، في حين أراد آخرون أعدادا متفاوتة منها، إضافة إلى إقبال الكيانات السياسية على خط لافتات كبيرة علقت في واجهات مقراتها. وعن أنواع الخط وألوان قماش اللافتات الأكثر رواجا، قال الدراجي إن «أكثر الزبائن لا يحدد نوع الخط ويتركها على الخطاط بعد الاتفاق معه عن أطوال اللافتات وأعدادها، ويفضل الكثير منهم اللونين الأبيض والأصفر لقماش اللافتة»، مؤكدا أن «الانتخابات حركت السوق بشكل واضح إذ كان كل خطاط يعمل في اليوم لافتة واحدة أو اثنتين، أما الآن نواصل الليل بالنهار من أجل إنجاز عشرات اللافتات»، متمنيا أن تكون الانتخابات سنوية بدلا من كل ثلاث سنوات.

وكما اتخذ الورق المطبوع بصور المرشحين مساحات كبيرة في واجهات الأبنية، فقد شكل حيزا واسعا في أحاديث الأهالي في المقاهي وحافلات النقل العام ومساطر العمال والمجالس والديوانيات وفي زيارات الأقارب ولقاء الأصدقاء والمحبين، إذ إنه لا حديث يعلو على التعليق على ملصقات الدعاية الانتخابية، ويعلق أحدهم «صورة المرشح الفلاني تقلد صور الزعيم (عبد الكريم) قاسم»، وآخر يضيف إن «صورة المرشحة الفلانية تتماثل وصور الممثلات».

وآخرون يتساءلون «صورة المرشح الفلاني يبتسم ولا نعرف على ماذا هذا الابتسام»، وبعضهم يرى لو «توزعت مبالغ الدعاية الانتخابية على الفقراء لما بقى محتاج بالمدينة».