أطفال غزة عادوا إلى مدارسهم: الدرس الأول لتخفيف آلامهم.. والشهر الأول للترفيه

150 طالبا في الفصل الواحد لمواجهة النقص في المدارس المدمرة.. ولا حديث لهم إلا عن الهجوم

علم فلسطيني .. وشارة لتلميذ قتل أثناء الهجوم الإسرائيلي داخل أحد الصفوف الدراسية في مخيم رفح جنوب قطاع غزة (أ.ب)
TT

عاد نحو 450 ألف طفل من غزة أمس، إلى مدارسهم، بعد توقف الهجوم الإسرائيلي على حماس، الذي استمر ثلاثة أسابيع، وأدى إلى تدمير عدد كبير من منازلهم ومدارسهم. فيما سيخصص اليوم الأول لتخفيف معاناة الأطفال.. والشهر الأول للترفيه.

وقررت وزارة التربية والتعليم في الحكومة المقالة استئناف الدراسة وعودة الحياة التعليمية إلى مسارها الطبيعي، على الرغم من الآلام والأضرار التي لحقت بعدد من المدارس الحكومية ومدارس الوكالة التابعة للأونروا، إضافة إلى القتلى والإصابات في صفوف الطلبة. وفي ساعات الصباح شهدت شوارع القطاع اكتظاظا من طلبة المدارس والسيارات والباصات التي تقلهم إلى مدارسهم، بعد أن تأخر الفصل الثاني أسبوعا بسبب العدوان. وبحسب عدد من المدرسين، أكدوا لـ«الشرق الأوسط»: فإن «الذهول والحديث عن العدوان الإسرائيلي كان حديث الطلبة»، فيما أخذ بعض الطلبة يستذكرون زملاءهم الذين قتلوا في العدوان الإسرائيلي، فيما لم يتمكن الكثير من الطلبة من العودة لمقاعد الدراسة بسبب الإصابات التي لحقت بهم».

وقال الدكتور أكرم حماد من وزارة التربية والتعليم لـ«الشرق الأوسط»: «إن اليوم الأول للدوام المدرسي ركز على توجيه الطلبة للتخفيف من آلامهم التي تحملوها خلال فترة الحرب». وأضاف أن الوزارة تغلبت على مشكلة الأضرار التي لحقت ببعض المدارس من خلال دمجها في مدارس لم يصلها القصف الإسرائيلي.

وبلغ عدد الطلبة الذين توجهوا للمدارس نحو 450 ألف طالب وطالبة، من بينهم 250 ألفا توجهوا للمدارس الحكومية، فيما العدد الآخر توجه لمدارس الأونروا.

وقال مدير مدرسة الذكور في بيت لاهيا، إن الأيام الأولى ستخصص لجلسات يحاول فيها الأساتذة تشجيع الطلاب على التعبير عن مشاعرهم. وأضاف «سيشجعونهم على التحدث عما حدث، وأن يرسموا أو يكتبوا للتعبير عن تجربتهم. تصوروا ماذا يدور في أذهان عشرات الأولاد الذين عاشوا تجربة صعبة ويعودون اليوم إلى مقاعد الدراسة». ويطرح الأولاد على ختام عزيز المعالج النفسي في المدرسة، أسئلة حول آثار النزاع، مثل القاعة التي دمرها الحريق أو الآثار التي خلفتها القذائف في الجدران. وأوضح «يسألونني لماذا قصفوا المدرسة، ويقولون إنهم يخافون من أن يعود الإسرائيليون. ونقول لهم إن اليهود لن يهاجموا المدرسة مجددا، وإنه يجب عليهم ألا يخافوا، وبإمكانهم أن يلهوا براحة بال».

وفتحت مدارس الأونروا أبوابها أمام الطلبة بعد أن فرغتها من الفلسطينيين الذين لجأوا إليها وقت العدوان الإسرائيلي، التي بلغ عددها 221 مدرسة. والجدير ذكره أن امتحانات نهاية الفصل الأول تزامنت مع اليوم الأول للعدوان الإسرائيلي في 27 من ديسمبر من العام الماضي، وتم تأجيلها بسبب العدوان مع بداية الفصل الثاني الذي بدأ أمس السبت. في الوقت الذي يعاني فيه الكثير من الطلبة من ضغوط نفسية بعد صدمة الحرب. وقال الدكتور حسن زيادة الاختصاصي النفسي لـ«لشرق الأوسط»، إن الأطفال هم الأكثر تعرضا لصدمات نفسية، كالقلق والخوف والتبول اللاإرادي والعصبية الزائدة والتعلق بالوالدين، جراء المشاهد التي شاهدوها على مدار ثلاثة أسابيع من العدوان الإسرائيلي. وأكد أن الطلبة يمرون بضغوط نفسية كبيرة، ويحتاجون لفترة كي يستعيدوا فيها وضعهم، ويتناسوا الأوضاع العصيبة التي عايشوها.

يشار إلى أن الفصل الدراسي الأول بدأ بإضراب اتحاد المعلمين، وهو ما أدى إلى عدم توجه عد كبير من المدرسين إلى مدارسهم طيلة الفصل الأول، فيما قامت وزارة التربية والتعليم في الحكومة المقالة بالاستعانة بمدرسين مساندين، الأمر الذي أدى إلى تأخير الدراسة، فيما انتهى الفصل ذاته بعدوان إسرائيلي لم يسبق أن شهده الشعب الفلسطيني، أثر على العملية التعليمية في قطاع غزة. وتنفس صلاح النجار الصعداء عندما تبين له أن المدارس ستخصص الأسبوع الأول من الدراسة بعد فترة الحرب التي امتدت إلى شهر للترفيه عن الأطفال، بحيث لا يحتاج الأطفال خلال هذا الأسبوع للكتب والحقائب المدرسية. ويقول صلاح لـ«الشرق الأوسط» إنه سعيد بهذا القرار لأنه يعطيه الفرصة لكي يحاول الحصول على دفاتر وكتب وحقائب مدرسية لأولاده الذين فقدوا كل هذه الأشياء بسبب القصف، الذي طال منزل العائلة أثناء الحرب، والذي أدى إلى احتراق كل ما في البيت، وضمنها متطلبات الأولاد المدرسية.

ليس صلاح الوحيد الذي وقف أمام هذه المعضلة، بل إن آلاف الأسر الفلسطينية تبدو عاجزة عن توفير المتطلبات المدرسية لأولادها مع بدء الفصل الدراسي الثاني. فالذي تجول في المناطق السكنية التي تعرضت للتدمير والقصف كان يمكنه بسهولة مشاهدة بقايا الكتب والدفاتر والحقائب المدرسية في أكوام الركام التي تسد الأفق في كل مكان. ودمرت إسرائيل خلال عدوانها على القطاع 35 مدرسة حكومية من إجمالي 384 مدرسة يتلقى التعليم فيها 250 ألف طالب، في نفس الوقت تضرر عدد من المدارس التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا»، والتي تضم 200 ألف طالب، وقد تعرضت مدرسة الفاخوة في مخيم «جباليا»، لقصف شديد خلال الحملة أدى إلى مقتل 50 شخصا من النساء والأطفال، كانوا يحتمون داخلها. وأشارت وزارة التعليم في قطاع غزة، أن من المشاكل الناجمة عن تدمير المدارس هو حقيقة أنه لم يعد بالإمكان تحديد حدود كل مدرسة، بسبب شدة القصف الذي طال هذه المدارس والمناطق المتاخمة لها. وقررت الوزارة أن يتم نقل الطلاب في المدارس التي تعرضت للقصف للتعليم في مدارس أخرى، بحيث تعمل المدارس على فترتين، فترة صباحية وفترة مسائية، إلى جانب وضع أكبر عدد من الطلاب في الفصل الواحد.