حماس ما زالت تحكم سيطرتها على قطاع غزة.. وتجد دعم السكان طوعا وكرها

الرأي الآخر ممنوع في القطاع.. والمعارضون يتحدثون همسا خوفا من الإيذاء

TT

شنت إسرائيل حربا على قطاع غزة على مدى 22 يوما، ومع ذلك لا تزال حركة حماس، التي تريد إسرائيل اقتلاعها، تحكم سيطرتها على مقاليد الأمور داخل القطاع، الذي ملأت الأنقاض شوارعه.

فلا يزال رجال الشرطة التابعون لحركة حماس يحملون أسلحتهم، ويبدو عليهم التعب وهم يقفون في مواقعهم المعتادة، حتى في الأماكن التي اختفت منها المباني التي كانوا مكلفين بحمايتها. ويقوم مسؤولو الحركة، بعضهم ما زال مختبئا وبعضهم خرج من أماكن اختبائه، بتنسيق جهود التنظيف. ويحتفل الخطباء الموالون لحماس بـ«النصر» الذي حققته الحركة خلال خطبهم داخل المساجد، التي تمتلئ بمصلين يقولون إن ولاءهم للحركة قد زاد بعد هذه الحرب التي أزهقت أرواح قرابة 1300 شخص. وإذا كان ثمة تحرر من سحر حماس في قطاع غزة، فإنه يكون متواريا إلى حد كبير، لأن الكثيرين يشعرون بالخوف وهم يتحدثون ضد الحركة. ولكن خلال عشرات المقابلات التي أجريت في مختلف أنحاء غزة يوم الجمعة، بعد مرور أقل من أسبوع على بداية وقف إطلاق النار غير واضح المعالم، أعرب الفلسطينيون بصورة عامة عن دعمهم الكبير لحركة حماس، أو عن اقتناعهم بأن قبضة الحركة في غزة سوف تبقى خلال المستقبل المنظور. لم يقل أي منهم إن الحركة معرضة لمخاطر، على الرغم من أن بعض المسؤولين الإسرائيليين قالوا إنهم يأملون أن تدفع حملتهم العسكرية الفلسطينيين إلى الانتفاضة ضد حكم حركة حماس. ويقول محللون إن سهولة تكيف حماس في السلطة يعكس نجاح الحركة الإسلامية في تعزيز سلطتها قبل بدء الحرب بفترة طويلة، كما أن ذلك يعكس المكاسب التي يمكن لأي تنظيم فلسطيني تحقيقها إذا وقف ضد إسرائيل، بغض النظر عن النتائج الكارثية المحتملة. قالت عبد أبو جلهوم، التي تبلغ من العمر 45 عاما: «آمل أن تزداد قوة حماس، وأن تطلق المزيد والمزيد من الصواريخ، وأسأل الله أن يديم عليهم قوتهم» كانت المرأة الفلسطينية ترتدي حجابا أسود، وجلست وقدماها عاريتان، في مكان كان في السابق غرفة معيشة لها، ولكنها الآن مجرد أرضية بها حائط خرساني محطم. وفي نهاية الطريق الموجودة داخل بيت لاهيا، وهو من أكثر المناطق تضررا في غزة، كان إبراهيم عمرين، يستخدم جاروفا وفأسا للبحث في بقايا منزله عن الأشياء الثمينة. قال إبراهيم إنه ليس عضوا في حركة حماس، ومع ذلك فإنه يدعم قرار الحركة بالقيام بأعمال عنف ضد إسرائيل، بدلا من الاكتفاء بالكلام. ويضيف إبراهيم، وهو مدرس يبلغ من العمر 55 عاما: «كل شخص له الحق في القتال، ما الذي قام به الأميركيون ليحصلوا على حريتهم؟ قاتلوا. فلماذا يعتبروننا إرهابيين؟ الإسرائيليون هم الإرهابيون. والأميركيون يعطونهم السلاح كي يحاربوننا».

ويقول مسؤولون إسرائيليون إنه من بين الأهداف التي كانت خلال الحرب، إلحاق هزيمة مروعة بحركة حماس، ولكنهم لم يقولوا أبدا إنهم كانوا يسعون للقضاء على حماس كلية. ويقولون إنهم كانوا يأملون في أن يفرقوا بين حماس والمواطنين في غزة، وإنهم يأملون في أن ذلك يمكن أن يفضي في يوم من الأيام إلى الإطاحة بالحركة. ويقولون أيضا إنهم كانوا يأملون في تعزيز موقف حركة فتح. وقد قامت إسرائيل بتدمير عدد كبير من منشآت حركة حماس، من بينها مراكز الشرطة والوزارات الحكومية ومبنى جامعي قيل إنه يستخدم لتطوير الأسلحة، بالإضافة إلى أنفاق يستخدمها المهربون. وقتل اثنان من قادة حماس البارزين في هجمات جوية، هما وزير الداخلية سعيد صيام، ونزار ريان، الذي كان حلقة وصل بين الجناحين العسكري والسياسي. ولكن بقى معظم قادة حماس، من بينهم رئيس الوزراء إسماعيل هنية، على قيد الحياة، ولم تصب منازل العديد من القادة البارزين في الحركة خلال الحرب. وخلال إعلانه وقف إطلاق النار يوم السبت، أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت على أن « حركة حماس قد تلقت ضربة قوية سوف تلحق الضرر بقدرتها على الحكم ومقدراتها العسكرية لبعض الوقت».

لكن يوم الجمعة، قال مسؤول في الجيش الإسرائيلي إن حماس ما زالت تسيطر على غزة، وإن المنشقين عليها يجب أن يلتزموا الهدوء. ويقول المسؤول، الذي تحدث شريطة عدم ذكر اسمه: «بناء على ما قاله المواطنون الذين تحدثنا إليهم في غزة وعلى تقييماتنا، هناك انتقادات في غزة لحماس، ولكن لا يتم التصريح بذلك بسبب الخوف». وقد كان هذا الخوف باديا في بيت حانون، وهي معقل لحركة فتح.

قال باسم العبد، 36 عاما، وهو إلى جوار حائط انتشرت فيه الفتحات بسبب طلقات الرصاص: «أعطت حماس إسرائيل المبرر كي تقوم بذلك، لا توجد لدينا صواريخ حقيقية، ولا توجد لدينا قوة حقيقية، ولا يوجد لدينا جيش مثل إسرائيل، ولكن الجميع يعانون وليس حماس وحدها». ولكن التزم باسم الصمت عندما مر بالجوار خمسة رجال، البعض منهم كان ملتحيا. وذهب مواطن آخر في بيت حانون إلى ما هو أبعد من ذلك، ووصف حركة حماس، مستخفا بها، بأنها «لعبة إيران وسورية»، مهتمة بالسلطة وحسب. لم يصرح إلا بكنيته، أبو محمد، مشيرا إلى أنه يخشى على حياته إذا اكتشفت حماس ما قاله. وأضاف: «لا يمكن لأحد أن يعارضهم، إنهم يسيطرون على كل شئ».

وفي يوم الخميس، أعلن ياسر عبد ربه، المسؤول في حركة فتح، خلال مؤتمر صحافي في الضفة الغربية أن حماس «أدارت أسلحتها تجاه أعضاء فتح» بعد وقف إطلاق النار مع إسرائيل يوم الأحد. واتهم عبد ربه حماس بإطلاق النار على أعضاء فتح، ولكن حماس أنكرت ذلك. وفي الوقت الذي يتحدث فيه أعضاء فتح همسا، وهو يعبرون عن ازدرائهم لحماس، ينعم مؤيدو الحركة في غزة بقدر أكبر من الراحة وهم يعبرون عن آرائهم، على الرغم من أن إسرائيل قالت إن أيا من أتباع الحركة يعد هدفا عسكريا. وفي مسجد الرحمن، الموالي لحركة حماس، في جنوب خان يونس بقطاع غزة، قارن الشيخ نمر بين الحرب مع إسرائيل وبين حروب تاريخية، مثل معركة بدر، التي هزم فيها الرسول، ومعه 313 مقاتلا، جيشا يفوقه بثلاثة أمثال. وفي خطبة قال عنها كثير من المصلين، الذين بلغ عددهم 1500 مصلٍ، إنها تمتلئ بالتحدي أكثر من المعتاد، اتهم إسرائيل بالتهوين من عدد القتلى والجرحى الإسرائيليين، وزعم أن أكثر من 200 جندي إسرائيلي قد ماتوا، وأن انتحاريا قام بتدمير دبابة مركافا بالكامل، وقتل كل من كان داخلها. ومع ذلك تزعم إسرائيل أنها فقدت تسعة جنود في غزة، وأنه لم يمت أي منهم في عمليات تفجير انتحارية. وأضاف: «لا يعني مجرد أننا فقدنا المئات من الشهداء، مع وجود أكثر من 5000 جريح، أننا لم ننتصر، فبالكاد كان يستطيع الإسرائيليون الدخول إلى مدن غزة، لأن الله مع المسلمين وليس مع اليهود». وحذر الخطيب المصلين من التسليم بما وصفه «خداع» فتح. وقال: «إنهم يحاولون فعلا التقليل من المقاومة، يقولون إننا لم نحرز سوى الدمار لغزة، ولكن كل حرب لها إصاباتها، ويجب أن نشعر بالفخر لأن شهداءنا في الجنة».

وكان وزير الاقتصاد الحمساوي زياد ظاظا من بين المصلين بعد أن خرج قبل أيام من مكان اختبائه. قال الوزير إن حكومة حماس استمرت في عملها خلال الحرب، وكانت تسيطر بصورة كبيرة. وأضاف وهو يرتدي سترة رمادية: «نحن ندير كافة الأمور في غزة، الأمن والاقتصاد والصحة. بقينا على أرضنا ودافعنا عن حكومتنا» وأشار إلى أنه لم يلحق به أي أذى خلال الحرب. وعلى الرغم من ذلك، يقول المحلل السياسي الفلسطيني مخيمر أبو سعده، إن حماس تعلم أنها قد ضربت بشدة خلال الحرب، وإنه من غير المحتمل أن تقول أي شيء لإثارة المزيد من القتال بسبب الحصيلة الكبيرة بين صفوف المدنيين. ويضيف أبو سعده، وهو أستاذ بجامعة الأزهر: «تتحدث حماس عن الانتصار، ولكن في الواقع، إنها كارثة. التدمير الهائل الذي قامت به إسرائيل سوف يجعل حماس وأي فصيل فلسطيني آخر يفكر كثيرا قبل أن يطلق صواريخ في المستقبل». وقال إنه من المحتمل أن تركز حماس على إعادة الإعمار، والحاجة إلى تحسين الوضع بصورة ملموسة للمواطنين في غزة، الذين يرون أن مستوى معيشتهم قد تراجع خلال 19 شهرا، منذ أن سيطرت حماس على زمام الأمور.

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»