الحرب على الإرهاب في عهد أوباما: مقاربة جديدة.. تعتمد سياسة «الحب القاسي»

إسقاط التعبير من قاموس إدارة تدعو لانفتاح أكبر على الثقافات المختلفة بعد أن أصبح مرادفا لـ«الحرب على الإسلام»

وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون تنظر إلى الرئيس أوباما في صورة جمعتهما في وزارة الخارجية بواشنطن أمس (أ.ب)
TT

«الحرب على الإرهاب»، العبارة التي أطلقها الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، عقب اعتداءات 11 سبتمبر (أيلول)، يبدو أنها لم تجد لها مكانا في قاموس الرئيس الأميركي الجديد باراك أوباما. ففي خطاب تنصيبه يوم الثلاثاء الماضي، لم يأت أوباما على ذكر تعبير «الحرب على الإرهاب». وفي الأيام الأربعة التي مضت على وجوده في البيت الأبيض، لم يصدر تعبير «الحرب على الإرهاب» عنه أو عن الناطقين باسمه. فهل يعني هذا أن اوباما أعلن نهاية «الحرب على الإرهاب»، كما كتبت الصحف الأميركية أول من أمس، بعد توقيع الرئيس الجديد على قرار إغلاق معسكر غوانتانامو ومنع استعمال التعذيب في استجواب المتهمين بالإرهاب؟

قد يكون التعبير تغيّر، لكن الحرب على الإرهاب، بالتأكيد، لم تنته. ففي خطاب تنصيبه، لم يذكر اوباما بالفعل تعبير «الحرب على الإرهاب»، ولكنه قال، بدلا عن ذلك، «لأولئك الذين يسعون إلى تحقيق أهدافهم من خلال إذكاء الإرهاب وذبح الأبرياء، نقول لكم إن أرواحنا قوية ولن تنكسر، لا يمكنكم أن تتفوقوا علينا، وسوف نهزمكم». وطوال حملته الانتخابية، كرر أوباما مئات المرات أن الولايات المتحدة عليها إعادة تركيز جهودها على الحرب في أفغانستان وباكستان، وليس العراق، لأن التهديد الحقيقي يأتي من هناك. وعلى الرغم من أنه وعد بالانفتاح على أعداء الولايات المتحدة والحوار معهم، إلا أنه لم يتراجع مرة عن التشديد على أهمية ملاحقة عناصر القاعدة في أفغانستان، وإلقاء القبض على بن لادن. حتى أنه ذهب إلى أبعد من منافسه الجمهوري جون ماكين حينها، وقال إنه لن ينتظر لأخذ إذن باكستان لتوجيه ضربات صاروخية إلى أراضيها على الحدود مع أفغانستان، لاستهداف عناصر من «القاعدة». وبالفعل، عادت الضربات الصاروخية التي كانت توجهها الطائرات الحربية الأميركية على المناطق الحدودية في باكستان في أيام بوش، لتظهر من جديد للمرة الأولى في عهد أوباما أول من أمس.

فلماذا إذاً أسقط أوباما من قاموسه تعبير «الحرب على الإرهاب»؟، وكيف سيكون شكل هذه الحرب في السنوات الأربع المقبلة على الأقل؟

يفسر مارفن وينبوم، المحلل السابق في مكتب البحوث الاستخباراتية في وزارة الخارجية الأميركية، إسقاط تعبير «الحرب على الإرهاب» من قاموس الإدارة الجديدة، بأنه أصبح تعبيرا فضفاضا وواسعا، وباتت الولايات المتحدة بحاجة إلى إيجاد تعبير أكثر دقة لكي تعبر عن التهديدات التي تواجهها. كما أن هذه العبارة أصبحت تشكل حساسية لدى العالم الإسلامي الذي يعتبر أن «الحرب على الإرهاب» تعني «حربا على الإسلام»، وهذا لا يتناسب مع طرح الإدارة الجديدة التي تدعو إلى انفتاح أكبر على العالم الإسلامي. أما وقد سقط التعبير، فما الذي تغير أيضا في الحرب على الإرهاب غير التعبير؟

منذ بداية الحملة الانتخابية، ميّز باراك أوباما نفسه عن باقي المرشحين عبر دعواته إلى اعتماد الدبلوماسية، إلى جانب القوة، لتسوية النزاعات في الشرق الأوسط وبلدان جنوب آسيا؛ ففي أفغانستان كان يدعو إلى زيادة عدد القوات الأميركية، وعدم تشتيت الجهود والتلهي في حرب العراق، لأن الإرهاب يأتي من المناطق القبلية الحدودية بين أفغانستان وباكستان. عندما وصل إلى السلطة، عين في أول أيامه مبعوثا خاصا لباكستان وأفغانستان والهند، هو ريتشادر هولبروك، من دون أن يعلن بعد عن خطة عسكرية لزيادة عدد القوات في هذه البلاد، وهو أمر من المبكر جدا توقعه من إدارته التي لم تمر أيام على وجودها في السلطة. وجاء تعيين هولبروك مبعوثا خاصة لهذه المنطقة المضطربة التي يعتبرها الرئيس الأميركي الجديد أهم مصدر تهديدات للغرب، ليعطي مؤشرات للطريقة التي تنوي الإدارة الجديدة التعاطي بها مع الحرب على الإرهاب. هولبروك الذي رشح سبع مرات لنيل جائزة نوبل للسلام بسبب إنجازه التوصل إلى اتفاق في البلقان لإنهاء الحرب، يعتبر من أرفع الدبلوماسيين الأميركيين وأكثرهم حنكة. يقول وينبوم إن إرسال هولبروك إلى المنطقة، يؤكد جدية أوباما عندما كان يتحدث عن أن التهديد الأساسي الآتي إلى الغرب قادم من هذه المناطق. يصف وينبوم هولبروك بأنه «دبلوماسي ومفاوض محنك». ويقول إنه «يتمتع بالخبرة للتعامل مع الأوضاع الصعبة، علما بأنه شخص قاس جدا، والكل يعلم ذلك». ويضيف «إذا أردنا ممارسة (الحب القاسي)، فإن هولبروك شخص جيد لهذا الموقع». ويعتبر وينبوم أن إرسال هولبروك إلى هذه المنطقة الحامية، «يمثل المنهج الذي يريد اوباما اعتماده، ويضم انفتاحا على نقاشات وحوارات لم نشاهدها في عهد بوش، وهذا قد يتضمن حوارا مع إيران بخصوص أفغانستان إضافة إلى أمور أخرى». ويؤكد ألكس فاتانكا، وهو محلل في قضايا الأمن الأميركي ومحاضر مساعد في مدرسة العمليات الخاصة في سلاح الجو الأميركي، أن هولبروك «من أكثر الدبلوماسيين جدية وقوة في أميركا».

ولكن، ما هو المطلوب بالتحديد من هولبروك؟ وهل يعني الانفتاح الدبلوماسي على «الأعداء»، حوارا مع طالبان في أفغانستان؟ يستبعد وينبوم، المحلل السابق في مكتب البحوث الاستخباراتية في وزارة الخارجية الأميركية، أن تكون لدى الإدارة الجديدة نية بإجراء تسوية سياسية مبكرة مع طالبان. ويقول إنه إذا كانت هناك فرصة لإجراء تفاوض مع طالبان، فإنها لن تأتي إلا بعد تحقيق نجاحات سياسية وعسكرية في أفغانستان. وانطلاقا من أن الأوضاع المتدهورة في البلاد هي سبب أساسي لانتشار العنف في أفغانستان، خاصة في الجنوب. وبما أنه لا يمكن فصل النجاحات السياسية والعسكرية في أفغانستان عن النجاحات الاجتماعية والاقتصادية في هذا البلد الذي يعاني منذ سنوات من أزمة اقتصادية واجتماعية مريرة، فإن فاتانكا يعتبر أن الحوار مع طالبان وقادة القبائل المتعاطفة معها يمكن أن تأتي بعد إجراء تحسن ملموس في الأوضاع الاجتماعية. يقول فاتانكا إن تدهور الأوضاع في أفغانستان إلى وضع «أسوأ مما كانت عليه في أي وقت مضى، هو أمر يدعو للصدمة نظرا للأموال التي يتم استثمارها هناك». ويفسر الحالة المعدمة بسوء الإدارة ليس فقط من الجانب الأفغاني، بل من الجانب الأميركي أيضا. فمن المعروف أن الفساد يعيث في الحكومة والإدارات الأفغانية، وأن الرئيس كرزاي تتراجع شعبيته يوما بعد يوم مع تدهور الأوضاع الاقتصادية. إلا أنه ليس الوحيد الملام. يقول فاتانكا إن الولايات المتحدة سيكون عليها أن تعمل بجدية لجهة دفع الإدارة الأفغانية لتطبيق القوانين وحسن الإدارة. لذلك فإن مهمة هولبروك، يقول وينبوم، ستكون التنسيق بين الجوانب المختلفة؛ السياسية والعسكرية والاجتماعية، والتأكد من أن هذا يتوافق مع الطريقة التي تريد الولايات المتحدة بها مقاربة الرئيس الأفغاني حميد كرزاي سياسيا. ولكن الحوار مع طالبان لن يكون بهذه السهولة، على الرغم من أن فاتانكا يرى أن الحديث مع المجموعات والقبائل المسلحة المختلفة التي يطلق عليها كلها اسم طالبان، مهمة لفهم ما يجري على الأرض، ولفهم الدوافع التي تحرك هذه القبائل للقتال ضد القوات الأجنبية. ولكنه يقول إن إجراء مثل هذه الحوارات العلنية، قد يغضب الدول الإقليمية مثل إيران والهند، وأصدقاء الولايات المتحدة أيضا. والأهم أنه قد يرسل إلى الأميركيين الرسالة الخاطئة، بأن الحزب الديمقراطي يتحاور مع الذين يقتلون جنودنا في أفغانستان الذين قتلونا في أرضنا. لكن فاتانكا يرى بديلا لذلك، وهو الحديث مع قادة هذه العناصر عبر قنوات سرية بعيدة عن أعين الإعلام، ويقول إن الإدارة الجديدة قد تعتمد هذه الطريقة إذا ما كانت حقا جادة في حديثها عن الدبلوماسية. وإذا كان تحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتدهورة هو المدخل لإمكانية بدء حوارات مع هذه العناصر المسلحة المتعاطفة مع طالبان، فإن المسؤول عن تدهور الأوضاع هو الرئيس الأفغاني وحكومته. فهل تسحب الولايات المتحدة دعمها لكرزاي؟

كثيرون قد بدأوا فعلا يفقدون صبرهم مع كرزاي. يقول وينبوم عن ذلك «كرزاي لا يجعل الأمر أسهل في تصريحاته التي يلوم فيها الجميع باستثناء نفسه، للأوضاع المتدهورة ولفقدان الثقة في حكومته ولأعداد القتلى المرتفع بين المدنيين، وهو يشكك حتى في كل الاستراتيجية الموضوعة. المفارقة في الأمر أنه إذا غادر المجتمع الدولي أفغانستان، فإنه لن يتمكن من الصمود ليوم واحد، ولكنه يظن أن لديه القدرة على اللعب على جمهوره المحلي، وهذا يضايق المجتمع الدولي». ويضيف وينبوم أن ما يحاول كرزاي فعله هو خلق مسافة بين الشعب والقوات الأجنبية الموجودة على الأرض، «وهذا يجعل كل ما نريد فعله على الأرض صعبا للغاية. وإذا تابع انتقاداته كما يفعل، فسيصبح من الصعب إعادة ربح الشعب الأفغاني». ولكن مع ذلك، يقول فاتانكا، إنه ما زال من المبكر القول إن الولايات المتحدة ستوقف دعمها لكرزاي . والى جانب محاولة تصويب الإدارة الأفغانية وتحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية في البلاد، ستتحرك الإدارة الأميركية في الخط العسكري أيضا. يربط وينبوم الوضع العسكري بالوضع الاجتماعي ويقول «بالطبع سيرسلون جنودا إضافيين إلى أفغانستان، فما دام ليس هناك جنود إضافيون على الأرض لن نتمكن من تأمين الاستقرار لفترة كافية لكي نتمكن من تحقيق الإعمار والتنمية».

وقد وعد أوباما خلال الانتخابات التمهيدية بإرسال المزيد من القوات إلى أفغانستان، وسحبها من العراق. وقد أعلن بالفعل عن خطة لسحب القوات الأميركية من العراق بغضون 16 شهرا. فهل سينتظر سحب قواته من العراق لإعادة نشرها في أفغانستان، أم أن ممانعة دول الناتو، خصوصا الأوروبية، لإرسال جنود إضافية، ستحد من نواياه؟

يتوقع وينبوم أن تبدأ الإدارة الأميركية بإرسال جنود إلى أفغانستان في خلال الشهر المقبل، وأن يصل عدد القوات الإضافية المرسلة إلى أفغانستان خلال الأشهر الستة المقبلة إلى 20 أو 30 ألف جندي.

ويشير إلى أن أوباما لن ينتظر سحب الجنود من العراق لإعادة نشرهم في أفغانستان، لأن الفكرة كانت تحويل القوات التي كانت سترسل إلى العراق، لأفغانستان، وليس إعادة نشرهم من بلد لآخر. ويقول إن الولايات المتحدة تدرك أن العبء الأكبر سيكون على كاهلها، وهي لا تتوقع الكثير من الدول الأوروبية.

وستعتمد الإدارة الجديدة أيضا سياسة أكثر «تيقظا» في باكستان، ومن المتوقع أن يبدأ هولبروك محادثات مع الحكومة التي يرأسها آصف علي زاريداري إضافة إلى المعارضة والجيش. ويقول وينبوم إن مشكلة الوضع في باكستان اليوم أن رئيس الوزراء الذي يعتبر متعاونا جدا مع الولايات المتحدة، مشكلته أنه لا يحظى بشعبية داخل بلاده، ويعتبره الكثيرون غير مؤهل للمنصب، على العكس من زوجته التي اغتيلت بي نظير بوتو. يقول وينبوم، الذي أمضى سنوات يعمل كمحلل في الأبحاث الاستخباراتية في وزارة الخارجية الأميركية، إن هولبروك سيكون عليه «أن يتحدث بطريقة مباشرة وصريحة، ويطرح أهداف الولايات المتحدة وتعديلها لكي تتماشى مع الوضع في هذه البلدان».

قد تنجح هذه المقاربة الجديدة التي يريد أوباما اتباعها في الحرب على الإرهاب، وقد تفشل، لكن المؤكد، أن شخصا مثل هولبروك سيتمكن من إيجاد مقاربة خاصة للغاية وترك بصماته على هذه القضية.