5 من آخر 7 رؤساء أميركيين.. عسر

أوباما أعسر ولكن ليس بتطرف

TT

خلال أول يومين في البيت الأبيض، وقّع الرئيس الجديد باراك أوباما على قرارات هامة، منها: إغلاق سجن غوانتانامو، ووقف تعذيب المعتقلين بتهمة الإرهاب، ورفع الحظر على برنامج تنظيم النسل في الخارج، وتجميد مؤقت لقرارات كثيرة اتخذها الرئيس السابق بوش. كل مرة يوقع على قرار كان يجلس على كرسي وأمامه ورقة وقلم، ويمسك القلم بيده اليسرى ويوقع. وفجأة، عرف الأميركيون أن رئيسهم أعسر.

لكن لم يكن ذلك جديدا على المقربين من أوباما، كما أن أوباما ليس أول رئيس أعسر. حتى جون ماكين، الذي نافس أوباما على رئاسة الجمهورية، أيضا أعسر (رغم أنه طبعا يميل نحو اليمين).

وبحسب كتاب «ظاهرة الأعسر: أسبابها ونتائجها»، أكثر قليلا من عشرة في المائة من الأميركيين عسر، ولهذا يتوقع أن يكون عشر الرؤساء الأميركيين عسر أيضا. لكن الحقيقة هي أن خمسة من آخر سبعة رؤساء كانوا -أو لا يزالون- عسرا، وهم: جيرالد فورد، رونالد ريغان، جورج بوش الأب، بيل كلينتون، باراك أوباما. كان ريغان أيمن، ثم تحول إلى أعسر، وتندّر بعض الناس عليه وقالوا إن ذلك حدث عندما انتقل من الحزب الديمقراطي إلى الحزب الجمهوري، قبل أن يفوز برئاسة الجمهورية بعشرين سنة. وتندّر آخرون بأنه فعل ذلك عندما كان ممثلا سينمائيا في هوليوود، وليفاجئ الأعداء بإخراج المسدس من جانبه الأيسر، لا الأيمن. وتندّر آخرون بأنه فعل ذلك بعد أن صفع الممثلة إنجي ديكنسون في فيلم سينمائي.

قال ستيفن كرستمان، أستاذ علم النفس في جامعة توليدو (ولاية أوهايو): «ليس المهم أن يكون الشخص أيمن أو أعسر، ولكن المهم ألا يكون متطرفا في الحالتين. وذلك لأن أبحاثا أثبتت أن الأعسر جدا والأيمن جدا أكثر تشددا في آرائهم ومعتقداتهم، بالمقارنة مع غيرهم». وقال إنه لاحظ أن أوباما ليس أعسر متشددا، لأنه أحيانا يأكل قطعة «بيتزا» أو ساندويتش «هامبيرغر» بيده اليمنى. وفي الجانب الآخر لاحظ أن ماكين أعسر متشدد، وربما يوضح هذا أن ماكين يلتزم بمبادئ الحزب الجمهوري، بينما يميل أوباما نحو «التغيير»، سواء في السياسة أو في العلاقات بين البيض والسود وبقية الأعراق.

وقال كتاب «ظاهرة الأعسر» إن ثقافات كثيرة تمنع، أو لا تشجع، استعمال اليد اليسرى في الأكل، إن لم يكن في الكتابة. وتتبع إندونيسيا هذه الثقافات، حيث قضى أوباما أربع سنوات عندما كان صغيرا، (بعد أن هجر والده الكيني والدته الأميركية تزوجت رجلا إندونيسيا وانتقلت معه، ومعهما أوباما، إلى إندونيسيا). وقال كرستمان إن أوباما ربما كان أيسر متشددا، لكن ثقافة إندونيسيا قللت من ذلك.

ومن الذين كانوا يعرفون أن أوباما أعسر منذ وقت طويل، ريجي لاف، مساعده الشخصي، والذي عرفه منذ أن كان صغيرا في شيكاغو، عندما عاد إليها أوباما من جامعة هارفارد، وعمل محاميا في أحياء السود الفقيرة، كما ظل خلال السنوات القليلة الماضية يلعب معه كرة السلة.

قال: «تلعب كرة السلة مع باراك وتنافسه، ويقترب نحو السلة ويقفز في الهواء، وتقفز معه لتحجز الكرة، فإذا به يقذف بها بيده اليسرى وليست اليمنى». وأضاف: «أعتقد أنه يتعمد أن يخدع الناس بذلك، وأعتقد أن ذلك يعوض عن عدم ضخامة جسمه مثل أجسام لاعبي كرة السلة المحترفين».

قبل أوباما وكلينتون وبوش الأب وريغان وفورد، مرت ثلاثون سنة منذ آخر رئيس أعسر (هاري ترومان)، وقبله مرت عشرون سنة منذ آخر رئيس أعسر (هيربرت هوفر). لكن لا توجد معلومات كثيرة في هذا الموضوع عن الرؤساء الذين قبل هوفر، وحتى القرن التاسع عشر، كان الأميركيون يعتقدون أن الأعسر مصاب بعاهة، وكان المدرسون يبذلون جهودا كبيرة لتحويل التلاميذ العسر إلى يُمن. ويقال إن الرئيس غارفيلد الذي توفي سنة 1881 كان يكتب باللغتين اللاتينية والإغريقية، وكان يستعمل اليد اليمنى للأولى واليسرى للثانية.

وفي كتاب «ترومان» الذي كتبه المؤرخ الأميركي ديفيد ماكالو، إشارة إلى أن ترومان واجه ضغوطا من مدرسيه ليتحول إلى اليد اليمنى، لكنهم طبعا لم يقدروا على الانتصار عليه.

ورغم النكات عن تحول ريغان من اليد اليمنى إلى اليسرى، دافع عن نفسه في مقابلة مع مجلة «لفت هاندد» (الأعاسر)، وقال إن الحقيقة هي أنه ولد أعسر، لكن مدرسيه أجبروه على أن يتحول إلى اليد اليمنى. وقال: «لهذا، عندما عدت إلى اليسرى لم أفعل أكثر من أني عدت إلى طبيعتي الأولى».

وخلال المعركة الانتخابية سنة 1992 كان المرشحون الثلاثة من الأعاسر: كلينتون مرشح الحزب الديمقراطي، وبوش الأب مرشح الحزب الجمهوري، والمليونير روس بيرو الذي ترشح مستقلا. وخلال المعركة الانتخابية التالية، في سنة 1996 أيضا، كان المرشحون الثلاثة أعاسر: كلينتون وبيرو والسناتور بوب دول، مرشح الحزب الجمهوري. لكن الأخير تحول إلى اليسرى بعد أن أصيبت اليمنى عندما كان جنديا في الحرب العالمية الثانية.

يقول دانيال غيشوند، أستاذ الجينات البشرية في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس: «ليس شيئا عاديا أن يتنافس كل هؤلاء الأعاسر على رئاسة الجمهورية، وليس شيئا عاديا أن نصف الرؤساء العشرة السابقين أعاسر». ولاحظ أن نسبة غير قليلة من الذين نالوا جائزة نوبل كانوا من الأعاسر أيضا، بالإضافة إلى فنانين ورسامين، وأيضا لاحظ أن الظاهرة أكثر في الولايات المتحدة عنها في دول أخرى، ففي بريطانيا مثلا، وخلال خمسين سنة، كان اثنان فقط من رؤساء الوزارات من الأعاسر، وهما ونستون شيرشل وجيمس كالاهان. وفي كندا، وخلال خمسين سنة، لم يكن أي رئيس وزراء أعسر.