نينوى: العرب والأكراد ينقلون صراعهم إلى صناديق الاقتراع

الطرفان يتبادلان الاتهامات.. وسط مخاوف من هيمنة المتطرفين من الجانبين

TT

على مدار عقود متصلة، ظلت رحى الحرب دائرة بين كل من العرب والأكراد، وقد شهدت هذه الحرب استخدام الأسلحة وقذائف الهاون والصواريخ، وتأتي الانتخابات الآن كآخر سلاح في خضم النزاع على الأرض في شمال العراق.

لقد أصبح صندوق الاقتراع ساحة النزال في محافظة نينوى، التي تشهد نزاعًا كبيرًا بين العرب والأكراد الذين سيتنافسون حول تشكيل مستقبل الدولة، وفي الوقت ذاته يواجهون بعضهم البعض بشأن الماضي.

وقال مسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان، في حديث لصحيفة «لوس أنجليس تايمز» هذا الشهر إنه «خلال الأعوام القليلة الماضية قتل ما يقرب من 2000 كردي في الموصل، وإننا لم نرد بالأسلوب نفسه ولم نقم بأي نوع من الأعمال الانتقامية، لكن كل شيء له حدود قصوى». وتتمسك المجموعات العرقية في المدينة بإرث سياسة صدام حسين من التهجير القسري للأكراد لتشكيل أغلبية هنا. وفي الوقت الذي يعتقد فيه الأكراد أنهم يصححون خطأ تاريخيًا، يشعر العرب بالامتهان. فهم يتهمون الأكراد بممارسة الاعتقالات الوحشية والمضايقات والتعذيب في سياق الإعداد للانتخابات التي ستجرى يوم السبت.

وحذر خسرو كوران نائب محافظ نينوى من مكتبه المطل على النهر في الموصل، مركز المحافظة، والذي ترفرف عليه أعلام العراق وكردستان وحزبه: «إن لم تحل المشكلات فسيعود التطرف في كلا الجانبين: الكردي والعربي».

ويتمتع الأكراد بحكم منطقتهم، كردستان، منذ عام 1991 وقد دفعوا باتجاه توسيع الأراضي الخاضعة لهم، عبر السيطرة على الحزام الشمالي والشرقي المحيط بالموصل وإقليم سنجار غربي نينوى، الأمر الذي أدى إلى تفاقم التوترات العربية - الكردية، مما دفع ريان كروكر السفير الأميركي في العراق إلى تسميته التحدي الأبرز هذا العام.

ويقول الشيخ عبد الله الياور، أحد أبرز قادة تحالف «الحدباء»، الحركة القومية العربية السنية، وأبرز المرشحين في انتخابات نينوى: «الناس هنا لا يرغبون في الانتماء إلى كردستان، إنهم يرغبون في البقاء في نينوى، فقد أثبتت الأحزاب الكردية خلال الأعوام الخمسة الماضية أنها عنصرية كالنظام السابق».

وكان العرب السنة قد استعدوا للدخول في الانتخابات الحالية، بعد مقاطعة الانتخابات الماضية التي أجريت عام 2005 برعاية الولايات المتحدة والتي سلمت قيادة المدينة للأكراد، الذين استغلوا السنوات الأربع الماضية لتدعيم قبضتهم على المناطق المتنازع عليها في شمال نينوى المجاورة لإقليم كردستان، عبر وجود عدد كبير من قوات حرس الحدود الكردية وضباط الاستخبارات ووحدات الجيش العراقي التي تهمين عليها القوات الكردية.

ويأمل الأكراد في تشكيل واقع جديد في استفتاء دستوري، يخصص لفض النزاعات في المناطق المتنازع عليها عبر العراق بما فيها كركوك، لكن تاريخ الاستفتاء انقضى منذ عام وضاعت فرصة الأكراد في كسب ما يعتقدون أنه حقهم المشروع.

ويبدو كل من بغداد والعرب عازمون على إظهار نواياهم برد الصاع للأكراد عبر مزيج من التهديد والمفاوضات واستعراض قوتهم. ويقول يحيى عبد المجيد المسؤول بالحزب الإسلامي العراقي، الذي يعتبر أقل الأجنحة تشددًا في شمال العراق: «عندما تتوافر لدينا القدرة على لدفاع عن الإقليم سنطلب من القوات الكردية الرحيل»، وأشار إلى أن القوات العراقية يجب أن تحل محل القوات الكردية في نينوى في مدة تتراوح بين ستة أشهر وعام، وقال «سواء شاءوا أم أبوا فإن الخيار ليس بيد الأكراد».

وأشار مسؤولون أكراد إلى أن رئيس الوزراء العراقي الشيعي، نوري المالكي، ألقى بثقله في الانتخابات لدعم العرب في نينوى، حيث بدأ في تجريد الفرقتين التابعتين للجيش العراقي في نينوى من ضباطهما الأكراد، الذين اتهموا بالعمل من أجل الطموحات الكردية. ومنذ بداية الصيف هددت قيادة أمن نينوى، التي تقدم تقاريرها لنوري المالكي، مرتين من مكتب الحزب الديمقراطي الكردستاني في شرق الموصل.

وتؤكد الأحزاب السياسية الكردية على أن الانتخابات لن تمر بسلام، فقد حذروا من أنهم يتعرضون لحملة شرسة لإجلائهم عن المناطق المتنازع عليها وأن محاولة تهميشهم في سياسات نينوى يمكن أن تؤدي إلى اندلاع مواجهات خطيرة. وقال كوران إذا دعمت بغداد المتشددين والقوميين العرب «فستنشأ أزمة بين حكومة كردستان والحكومة المركزية في بغداد».

ويبدي كوران كرهه العميق لحركة «الحدباء» التي تمثل التيار القومي الجديد، ويتهم الحركة بأن لها علاقات مع جماعة تنظيم «القاعدة» في العراق وحزب البعث المنحل. ويقود الحركة أثيل النجفي، سليل إحدى الأسر العريقة في الموصل، والتي اشتهرت بتربية الخيول العربية والذي باع ودخل في سباقات للخيول مع ابني صدام حسين عدي وقصي.

ويتهم النجفي وأقرانه على نحو مستمر وحدات الجيش الكردي بتعذيب المعتقلين، وأشاروا إلى ضلوع الحزب الديمقراطي الكردستاني، بزعامة بارزاني، في محاولات اغتيال ضد أحد مرشحي «الحدباء». وقد تعهد النجفي بإرغام القوات الكردية على الانسحاب من الأراضي المتنازع عليها، فقال متعهدًا بإبعاد مسؤولي الحزبين الكرديين الرئيسين عن أية وظائف قيادية في الموصل: «لدينا سلطة قوية كما أن لدينا القوة هنا والأكراد سيغيرون موقفهم».

ووصف النجفي النزاع بأنه آخر التحولات على صعيد الصراع القديم بين الأحزاب الكردية والحكومة المركزية، فقال: «النزاع موجود منذ عشرات السنين». كان أحد المسؤولين الأميركيين قد وصف نبرة خطاب «الحدباء» بأنه «خطير»، وأشار إلى أن انزعاج كوران يحمل أسبابًا وجيهة، لكن المسؤول الذي رفض ذكر اسمه اتهم الأكراد بممارسة مضايقات ضد خصومهم، فقال مشيرًا إلى الممارسات الكردية ضد المعتقلين: «يكون بعضها بالهراوات أو الاعتداءات أو التهديد أو حتى القتل».

من جانبهم، يشعر الأكراد، الذين لا يزالون يعانون من الحملة العسكرية التي شنها صدام عليهم، بالخوف من أن يعرّض فقدانهم السيطرة على محافظة نينوى وجودهم للخطر، وقد أبدوا مخاوفهم من لهجة خطاب «الحدباء».

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» خاص بـ«الشرق الأوسط»