باكستان: راديو طالبان ينشر الإرهاب كل ليلة.. وأجهزة الإرسال الإذاعي متحركة على دراجات بخارية

من المحظورات مشاهدة القنوات الفضائية والغناء وحلق اللحى وانتقاد الأصوليين والسماح للفتيات بالذهاب إلى المدارس

TT

في كل ليلة في حوالي الساعة الثامنة، يجتمع سكان وادي سوات، وهو واد ثري رائع المنظر يبعد نحو مائة ميل عن أكبر ثلاث مدن باكستانية، في خوف حول أجهزة الراديو. وهم يعرفون أن عدم الاستماع إلى ما يذاع عبر الراديو ربما يؤدي إلى الجلد أو قطع الرأس.

في معظم الليالي عبر جهاز الإرسال الإذاعي، يتحدث زعيم طالبان المحلي شاه دوران عن التصرفات «غير الإسلامية» المحرمة حديثا في سوات، مثل بيع أسطوانات الـ «دي في دي»، ومشاهدة القنوات الفضائية، والغناء والرقص، وانتقاد طالبان، وحلق اللحى، والسماح للفتيات بالذهاب إلى المدارس. ويعلن أيضا أسماء الأشخاص الذين قتلتهم طالبان في الفترة الأخيرة بسبب انتهاكهم لأوامر طالبان، وهؤلاء الذين ينوون قتلهم.

قال أحد سكان سوات الذي رفض ذكر اسمه خوفا من أن تقتله طالبان: «إنهم يسيطرون على كل شيء عبر الراديو، والجميع ينتظر إذاعتهم». ويظل الانتباه الدولي مركزا على قبضة طالبان على المناطق القبلية الباكستانية شبه المستقلة، والتي يشنون منها هجماتهم على القوات الأميركية في أفغانستان. ولكن بالنسبة لباكستان، تمثل خسارة سوات خرابا كبيرا.

وعلى النقيض من المناطق القبلية الأخرى، تعد سوات التي تساوي مساحتها مساحة ديلوار ويسكنها 1.3 مليون نسمة، ولديها تاريخ ثقافي ثري، جزءا أصيلا من باكستان، وهي على مقربة من بيشاور وروالبندي وإسلام أباد العاصمة. وبعد أكثر من عام من القتال، تخضع جميع أراضي سوات لسيطرة طالبان فعليا، وذلك في أكبر تقدم حققه المسلحون في شرق المناطق التي يقال إنها مستقرة في باكستان، وذلك وفقا لما يقوله سكان المنطقة ومسؤولون حكوميون بها.

ومع ازدياد تمسكها بالسلطة، تطبق طالبان تأويلات صارمة لتعاليم الإسلام بالقوة، لتجلب القتل العلني والاغتيالات والقمع الاجتماعي والثقافي واضطهاد المرأة إلى المنطقة التي كانت مستقلة وعلمانية نسبيا، وبها منتجعات التزلج، وبساتين الفاكهة، والشهيرة بفتياتها الراقصات.

يقول مالك نافيد خان المفتش العام في الإقليم الحدودي الشمالي الغربي إنه في العام الماضي، قتل 70 شرطيا، بقطع الرأس أو طلق ناري أو الذبح، في سوات، وجرح 150 آخرون.

وأصيب رجال الشرطة بالخوف لدرجة أن الكثير من الضباط نشروا إعلانات في الصحف أعلنوا فيها التخلي عن وظائفهم حتى لا تقتلهم طالبان. ولكن بقي فاروق خان في وظيفته، وهو ضابط متوسط الرتبة في مينغورا، أكبر مدن الوادي، حيث يتكرر ظهور الجثث المشوهة لرجال الشرطة والضحايا الآخرين. وفي الشهر الماضي، كان يتسوق هناك عندما أطلق عليه رجلان يقودان دراجة بخارية النيران فأردوه قتيلا في وضح النهار.

ويذكر شقيقه واجد على خان، المولود في سوات ووزير الإقليم لشؤون البيئة: «لقد كان دائما يقول: (يجب أن أظل هنا وأدافع عن بلدنا)». ويرى محللون أن الكابوس المتفاقم في سوات ملخص لمشاكل البلد المتمثلة في حكومة مدنية غير مؤثرة وغير مستجيبة، بالإضافة إلى قوات عسكرية وأمنية تسمح طواعية، أمام السكان الغاضبين، للمسلحين بنشر الإرهاب داخل باكستان.لقد أصبحت الأزمة اختبارا حرجا لحكومة الرئيس المدني آصف علي زرداري، وللجهاز الأمني الذي يظل ولاؤه، كما يقول الكثير من الباكستانيين، محل شكوك.

وسعيا لتجنب اللوم، انتقدت حكومة زرداري أخيرا «المحاولات المبكرة الفاترة لاقتلاع المتطرفين من المنطقة»، وتعهدت بمحاربة المسلحين «الذين يقتلون ويخيفون مواطنيها».

ولكن مع تزايد الضغوط، قال الرئيس في الفترة الأخيرة إن الحكومة ترغب في التحدث مع المسلحين الذين يقبلون سلطتها. ولكن ستحمل مثل تلك المفاوضات مخاطر كبيرة. وقد صرح مسؤولون أمنيون أن الاتفاق السلمي الذي عقد في سوات في الربيع الماضي مني بفشل ذريع، حيث سمح للمسلحين بإحكام قبضتهم والأخذ بالثأر من الأشخاص الذين يؤيدون الجيش. ويحذر البعض من أنه إذا لم تتخذ الحكومة إجراء قويا ومنظما، سينتشر التهديد الذي تمثله طالبان في أنحاء باكستان.

يقول محمد شاه، العميد المتقاعد في الجيش الباكستاني، والذي كان مسؤولا عن الأمن في المناطق القبلية الغربية حتى عام 2006: «تكمن النقطة الأساسية في مشكلة أن الحكومة تبدو منقسمة حول ما يجب فعله. وهذا الانقسام بين أطراف القيادة السياسية زاد من جرأة المسلحين». ووفقا لروايات عدد من المسؤولين الحكوميين والعسكريين والسياسيين الباكستانيين رفيعي المستوى، يطوف بأنحاء وادي سوات من 2.000 إلى 4.000 مقاتل من طالبان في الوقت الحالي. وعلى النقيض، توجد أربع فرق تابعة للجيش الباكستاني بها من 12.000 إلى 15.000 جندي في سوات. ولكن يقول سكان سوات وزعماؤها السياسيون إن الجنود يظلون معظم الوقت في معسكراتهم، غير راغبين في القيام بدوريات أو إظهار أي وجود كبير ربما يستفز المسلحين. ولم تدمر قوات الجيش أجهزة الإرسال الإذاعي المتحركة على الدراجات البخارية أو الشاحنات، والتي استخدمها شاه دوران وزعيم طالبان في سوات مولانا فضل الله لترويع السكان.

وعندما يعلن اسم شخص في إحدى الإذاعات الليلية يكون أمامه غالبا خياران: إما الهرب من سوات، أو أن تلقى جثته بلا رأس في ميدان في إحدى القرى. وعندما لا يتصرف الجيش، يظهر عدم استعداده للقتال ضد المتمردين بوضوح. ويقول السكان إن تصرف الجيش المعتاد هو القذف بالمدفعية في منطقة عامة، وبدا أن نتائج ذلك تضر المدنيين أكثر من المسلحين.

* خدمة «نيويورك تايمز».