الأطفال البائسون يفرون من زيمبابوي إلى حياة أخرى.. كئيبة

من فقر مدقع إلى واقع أسوأ

TT

ترتسم على وجوههم ملامح أطفال الشوارع. يبحثون بأعينهم في القمامة عن شيء يأكلونه وأجسادهم تغطيها ثياب بالية قذرة. هذا هو حال الأطفال الذين تركوا بلدهم زيمبابوي ولجأوا إلى جنوب أفريقيا. إذا ما انتصف الليل أمكنك مشاهدة هؤلاء الأطفال نائمين في العراء، من دون ملجأ أو مأوى يهرعون إليه داخل هذه المدينة الحدودية. تقوقعت نوماتر هونغوي، ابنة الثانية عشرة، أسفل المصباح الخارجي لمكتب البريد، وقالت إنه الجوع الذي دفعها لعبور الحدود بمفردها، فوالدها توفي وهي ترغب في مساعدة أمها وأخويها الصغيرين بواسطة ما يمكنها أن تجنيه هنا في جنوب أفريقيا ـ وقالت، «أبدى بعض الرجال ـ الذين يملكون سيارات ـ رغبة في معاشرتي وقد قدموا لي 100 راند»، أي ما يعادل عشرة دولارات. وقد دفعت سلسلة من الأزمات المتواصلة التي تشهدها زيمبابوي، بالأطفال والنساء إلى الخروج بمفردهم أكثر من ذي قبل للانضمام إلى طابور الزيمبابويين البائسين، الذين عبروا الحدود بصورة غير شرعية عند نهر ليمبوبو، حسبما ذكرته الشرطة والمسؤولون المحليون وعمال الإغاثة. يهرب أولئك الأفراد من بلد ضعيف يعاني نصف سكانه من وطأة الجوع، وأغلقت غالبية مدارسه ومستشفياته وقضت الكوليرا على الآلاف من مواطنيه، إلا أنهم وطأوا أرضا لا تحمل لهم أي ود ويتعرضون للسخط والاستياء، بسبب منافستهم لأبناء جنوب أفريقيا في لقمة العيش. وخلال العالم الماضي كان الزيمبابويون أحد أهداف الهجمات التي شنت ضد الأجانب.

ويقول المطلعون على خبايا الأمور، إن عبور الحدود عمل روتيني غاية في البساطة، فتقدم رشوة في الجهة الأولى من الحدود، ثم تدفع أخرى في الجهة الثانية. لكن الرحلة بالنسبة للفقراء والمعدمين الذين لا يملكون الرشوة، محفوفة بالمخاطر، سواء من تيارات نهر ليمبوبو أو شهية التماسيح. وتدور في أذهانهم التساؤلات، ما هو المكان الأفضل لعبور النهر؟ وأين توجد الفتحات في الأسلاك الشائكة الحدودية؟ وما هي الأماكن التي تسير فيها دوريات الجنود؟ ربما يكون الجزء الأخطر في الرحلة هم الجوماجوما ـ المخادعون اللصوص والمغتصبون الذين يتصيدون طرائدهم من المهاجرين غير الشرعيين خلال تجولهم في الأدغال. وصل ويلياد فاير، الذي يبلغ من العمر 16 عاما، إلى جنوب أفريقيا في 4 يناير (كانون الثاني)، وهو أحد الصبيان التسعة الذين أتوا من مدينة موريموكا، التي تقع في منطقة التعدين في وسط زيمبابوي. وتعد قصته فصلا آخر من فصول المأساة، فقد كان يعيش مع عمه بعد وفاة والده لكن عمه توفي هو الآخر في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) جراء مرض لم يتمكن ويلياد من تعريفه فقال، «كان يتقيأ دما». كان الفتى جائعا وبدا البحث في صناديق القمامة في جنوب أفريقيا أفضل منه في مدينته. ولكي يتمكن من الحصول على تذكرة قطار يقله إلى الجنوب قام ببيع أغلى ممتلكاته، التي كانت عبارة عن حذاء رياضي مستعمل. وقام ويلياد وثمانية من أصدقائه بالعمل في وظيفة في بيتبردج على الجانب الزيمبابوي من الحدود حتى تمكن من توفير 35 دولارا. ومن هناك اتخذت قصة ويلياد منحى آخر أكثر كآبة، فعندما اقترب الأولاد من النهر هاجمهم الجوماجوما، الذين تظاهروا بأنهم سيساعدونهم ثم نكثوا بوعدهم. وقال «ضربوني في جبهتي بحجر، لأنني كنت أحمل أموال الأولاد الآخرين ولذا فكنت أنا المعني بالضرب». لكنهم استمروا في عبور النهر ونام الفتية في شوارع موسينا لبعض الوقت كما فعل الكثيرون من الفتية الصغار، ثم رقدوا على قطعة من الأرض الرملية تحت الشمس الحارقة في شوغراوندز، ساحة ألعاب القوى المخصصة لاستقبال اللاجئين، الذين يبلغ تعدادهم في ذلك المكان ألفي شخص. ويحمل صباح كل يوم وصول المزيد من اللاجئين، وفي كل يوم تغادر بعض الوجوه المألوفة.

وتصدر حكومة جنوب أفريقيا أوراق لجوء سياسي مؤقت لنحو 250 من هؤلاء اللاجئين يوميا لتمنحهم ستة أشهر، من دون قلق من الترحيل. أما الصغار الذين لا يصحبهم ذووهم فهم غير مؤهلين للحصول على تلك الأوراق، وهو ما يتركهم في مأزق كبير، حيث لا مكان لهم في هذه الحيل البيروقراطية. ويتشارك ويلياد وأصدقاؤه في غطاء واحد عند النوم. ويقومون بطهي المعكرونة فوق نيران يشعلونها بين أغصان الأشجار والورق المقوى. وتستعمل علب الصفيح والدلاء المعدنية التي يتم جلبها من صفائح القمامة كأوان، ويقومون بفتح الزجاجات البلاستيكية من جانبها لتكون كأطباق الطعام. يعتبر أونست مابيرياو، الذي يبلغ من العمر 13 عاما أفضل الشحاذين الأطفال، حيث يتسارع الأطفال إلى السوبر ماركت لحمل بقالة المتسوقين في مقابل بقشيش. وينجذب الناس تجاه أونست لأنه مؤدب فهو يستهل عبارته للمتسوق «هل أستطيع مساعدتك؟». ويروي ديالو بوتايو، أحد أبناء موريموكا، الذي يبلغ من العمر 15 عاما، قصته بالقول، إن والده توفي وإن أمه مصابة بمرض السل، وإنه يشعر بالذنب لانه فارقها. وقال، «إذا ما تمكنت من الحصول على بعض الأدوية والحبوب، سأعود إليها وأعالجها».

وتقول جورجينا ماتسايونغ، التي تدير أحد ملاجئ الأطفال في كنيسة يونايتنغ ريفورم، وهي تهز رأسها في أسف، «قد تجد بعض الأطفال راقدين تحت الجسور وفي القنوات، لكنك لن تجد الفتيات، فالفتيات يختطفن سريعا من قبل الرجال الذين يحولونهن إلى سيدات». يتحدث أبرام لورولي، مدير الوحدة المحلية في بلدة موسينا التي يقطنها 75 ألف نسمة، إضافة الى 15 ألفا من الأجانب، غالبيتهم من الزيمبابويين، عن الأوضاع فيقول، «هناك الكثير من الأولاد المنتشرين في الشوارع، وفي الليل تراهم نائمين تحت ملاءات من البلاستيك على جانب الطريق، بعضهم يهيم على وجهه بسبب المخدر الذي يستنشقونه من زجاجات الغراء. على الرغم من كون قصص الأطفال اللاجئين محزنة ـ من فقر مدقع في زيمبابوي إلى فقر مدقع هنا ـ لا يزال هناك الكثير من القصص المروعة بشأن حالات الاغتصاب لنساء لا حول لهم ولا قوة.

تقول ليتيسيا شندي، التي تبلغ من العمر 39 عاما، الأرملة القادمة من قرية مادامومبي، إنها غادرت زيمبابوي في الرابع من يناير (كانون الثاني) آملة في الحصول على عمل تتمكن من خلاله إرسال بعض المال لابنتيها، لكنها لم تخض النهر من قبل، وعندما وقع نظرها على النهر الموحل تملكها الرعب. وتضيف كان هناك شابان يستعدان لقيادة مجموعة أخرى للعبور، فانضممت إليهم في رحلتهم للعبور، التي استخدم فيه قادة الرحلة قوائم معدنية لاختبار عمق المياه، بينما قام الآخرون بالإمساك بأيدي بعضهم البعض خلال خوضهم المياه، التي وصلت إلى أكتافهم. وما أن عبروا إلى الجهة الأخرى قام الرجلان بسرقة ممتلكاتهم. ولأن شيندي لم تكن تملك المال الكافي فقد تم دفع المال بصورة أخرى، فقالوا لها «اخلعي ملابسك»، حيث قال لها أحد الجوماجوما «سأكون زوجك اليوم». كما روت تشينغتاي مافوري، التي تبلغ من العمر 29 عاما، التي قدمت من ضواحي العاصمة الزيمبابوية هراري بعد عيد الميلاد تحمل ابنها ويلنغتون البالغ من العمر 20 شهرا، كيفية قيام اثنين من رجال الجوماجوما باغتصابها.

* خدمة «نيويورك تايمز»