تجارب تلاميذ غزة خلال الحرب تؤثر على اندماجهم في العملية التعليمية

مشاهد الرعب لدى الطلاب تنعكس في رسوماتهم

TT

منذ أن استؤنفت الدراسة السبت الماضي، حرص محمد صالح، 11 عاماً، على الخروج من بيته مبكراً الى بيت رامي الرحا زميله في الصف الأول الإعدادي لاصطحابه معه في طريقه للمدرسة الإعدادية في مخيم المغازي للاجئين، وسط قطاع غزة، وذلك لمواساة رامي الذي يصعب عليه التحرر من الشعور بالأسى والحزن لفقدان والده في أول أيام القصف الإسرائيلي. يقول رامي إن والده لم يكن عنصراً في حركة حماس ولا يعمل في أجهزة حكومتها المقالة، بل انه قتل لأنه تصادف وجوده في أحد مراكز الشرطة في المنطقة، حيث كان يعتزم تقديم شكوى ضد أحد الناس، فقصف المركز وقتل على الفور. ويحاول محمد، كما قال لـ«الشرق الأوسط»، التخفيف عن زميله وتسليته، ومساعدته على استعادة القدرة على الاندماج في الحياة من جديد. ورامي هو واحد من آلاف الطلاب الذين عادوا لمقاعد الدراسة وما زالت تعتمل في صدورهم مشاعر الحزن بسبب فقدان الأهل والأقارب. غسان النعيمي الذي يعمل مدرساً في احدى المدارس الإعدادية قال لـ«الشرق الأوسط» إنه يقضي وقتاً طويلاً في محاولة التخفيف عن عدد من طلابه الذين يواصلون الإجهاش بالبكاء اثناء الحصص لفقدانهم آباءهم وأقاربهم، مشيراً الى أنه رغم مرور الأسابيع على فقدان بعض الطلاب لآبائهم أو أعزاء عليهم، إلا أن مظاهر الحزب البالغ لا تزال واضحة، وهذا يفرض عليه وعلى المشرف الاجتماعي في المدرسة تحديات كبيرة من أجل النجاح في إعادة دمج هؤلاء الطلاب في العملية الدراسية. ومما يعكس تأثر الطلاب بما مر بهم من تجارب شخصية ونفسية خلال الحرب الأخيرة هو ما رسموه من لوحات بعد عودتهم للمدراس. يذكر ان وزارة التربية والتعليم خصصت الأسبوع الأول للترفيه وطلبت من التلاميذ التعبير عما يعتمل في أنفسهم، وضمن ذلك أن يطلب منهم رسم لوحات فنية تعبر عنهم. وقال محمد حمد، أحد المدرسين الذين يعملون في المنطقة الوسطى في قطاع غزة، لـ«الشرق الأوسط» إن جميع اللوحات التي رسمها طلابه عكست خبراتهم الشخصية اثناء الحرب وتجاربهم مع القصف. وأضاف أن أحد طلابه رسم صورة طائرة إسرائيلية عسكرية نفاثة من طراز «إف 16» وهي تقوم بقصف مسجد بينما كان المصلون يؤدون الصلاة، وكتب تحتها «يقصفون المصلين». وأضاف أن طالباً آخر رسم جرافة وهي تضع «كفها على شرفة منزل فلسطيني» تمهيداً لهدمه. في حين رسم طالب ثالث صورة لثلة من الجنود وهم يطلقون النار من مسافة قصيرة على مجموعة من الأطفال والنسوة. في حين مثلت بعض الرسومات ما اعتبره الطلاب «صمودا» غزة في وجه العدوان. علي نصار مدرس اللغة العربية في إحدى المدارس الابتدائية في المنطقة الوسطى من القطاع قال لـ «الشرق الأوسط» أنه دهش كثيراً من مستوى مواضيع التعبير والإنشاء الذي طلب من طلابه كتابتها بعد عودتهم للمدرسة، مشيراً الى أن جميع هذه المواضيع تمحورت حول الحرب والعدوان والصمود. واللافت للنظر حسب قوله هو أن القاسم المشترك بين جميع الطلاب تقريباً هو عدم الرغبة في العودة للدراسة، رغم تحمسهم للعودة للمدارس. وقال ماجد إبراهيم، 14 عاماً، الطالب في الصف الثالث الإعدادي في مخيم المغازي لـ«الشرق الأوسط» إنه على الرغم من تحمسه للعودة للمدرسة للالتقاء بزملائه والتعرف على أخبارهم واللهو معهم في ساحة المدرسة، إلا أنه لا توجد لديه رغبة في الدراسة والتركيز مع المدرسين في الشرح اثناء الحصص. وهذا هو الانطباع الذي تولد لدى جميع المدرسين الذين تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، حيث يلمس هؤلاء المدرسون بوضوح عدم رغبة الطلاب في التركيز في الدروس. وقال أحد المدرسين إنه تم الاتفاق على العودة بشكل تدريجي لتلقي الدروس، لكن المشكلة هو أن الآثار النفسية المتجذرة لدى الطلاب بعد الحرب تجعل مسألة اندماجهم في العملية التعليمية أمراً صعباً. وأوضح الدكتور سمير قوته، الأخصائي النفسي، لـ«الشرق الأوسط» أنه كان من المتوقع أن يبدي الطلاب عدم الرغبة في الاندماج في العملية التعليمية بسبب ما مروا به من تجارب صادمة. وأشار الى أنه ومجموعة من الأخصائيين النفسيين قرروا التوجه للمدارس وفق برامج تهدف الى منع تطور «ما بعد تجارب الخبرة الصادمة»، التي تعرض لها الطلاب خلال الحرب، والناجمة عن الخوف والهلع من القصف والدمار.