مخاوف من سعي المالكي للحصول على سلطات شبيهة بسلطات صدام

شكل لواءين تابعين له.. والمجلس الأعلى يحذر: من تلدغه الأفعى يخشى الحبل

TT

لدى القليل من الأفراد، مثل رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، الذي يصارع حزبه المنافسين عبر العراق، الكثير ليربحوه أو ليخسروه خلال الانتخابات المحلية المزمع عقدها يوم السبت. وبداية من القرى التي تغطيها أشجار النخيل هنا بجنوب العراق، مثل تلك التي نشأ فيها المالكي، وحتى شوارع بغداد المكتظة، سيدلي العراقيون بأصواتهم التي سوف تحدد إلى أي مدى سيكون بمقدور المالكي - الزعيم الشمولي على نحو كبير - بسط نفوذه على الحكم. وستحدد تلك الانتخابات إما تعزيز حزبه على المستوى المحلي، أو تعزيز موقف منافسيه الراغبين في الاحتفاظ بالمزيد من السلطة بالمحليات. وبدءا من الآن، يحاول المالكي إعادة طمأنة العراقيين بأنه بينما سيظل قائدا قويا للبلاد، فإنه سيحترم أيضا الشؤون المحلية. وقال المالكي في اجتماع أخير مع الآلاف من زعماء القبائل والعشائر في كربلاء، «انتهت المركزية»، وأضاف أن «البلاد حازت على الوضع الفيدرالي»، وهو المصطلح المستخدم في العراق للتعبير عن السلطة المحلية. ومع ذلك، لا يصدق الكثير من العراقيين كلامه، حتى هؤلاء الذين كانوا في يوم من الأيام من أقرب الحلفاء، إذ يخشون عودة سلطة وهيمنة الزعيم الواحد على السلطة، والاستبداد، والتعطش إلى الدماء، مع تمركز السلطة في بغداد. ويقول هادي الأميري، الزعيم بالمجلس الأعلى الإسلامي العراقي، أحد أكبر الأحزاب الشيعية بالعراق، وأحد الأحزاب التي خاضت الانتخابات الأخيرة بالتحالف مع حزب الدعوة التابع للمالكي، «هذا يوضح أزمة الثقة الحالية، وقد يكون هذا غير واقعي، ولكن يخشى كل من لدغته حية في يوم من الأيام في كل مرة يرى فيها حبلا». وانزعج نقاد المالكي بشدة من جهوده المضنية للسيطرة على القوات المسلحة بصورة مباشرة أكثر، إذ ذكرهم هذا بالأيام التي كان يسيطر فيها صدام حسين شخصيا على عدد من أجهزة الأمن الخاصة، التي كان ينحصر ولاؤها عليه وحده. جدير بالذكر أن المالكي قام بإعادة تنظيم وتعديل القادة العسكريين، كما أنشأ قوتين عسكريتين مختارتين بعناية، تعمد بدورها إلى تقديم تقاريرها إليه مباشرة بدلا من وزارتي الدفاع أو الداخلية.

كما أنشأ أيضا المجالس القبلية في أرجاء البلاد، وهي على اتصال مباشر بمكتبه، وهذا ما جعل النقاد يخشون من كونها خدعة يراد منها بسط نفوذ حزب الدعوة، وتحقيق المكاسب في الانتخابات المحلية على حساب منافسيه. وغالبا ما تمول الحكومة هذه المجالس، فضلا عن تنظيم أعضاء حزب الدعوة لها. كما يعد الغضب من المالكي بين الطبقة السياسية قويا بالدرجة الكافية، للدرجة التي جعلته على شفا أن يتم التصويت لإقصائه عن منصبه مرتين خلال شهر ديسمبر (كانون الأول)، وفي نهاية عام 2007. وقد أخفقت كل الجهود بسبب عدم اتفاق معارضيه على من سيحل محله، كما أن المالكي يحظى بشعبية، إذ أشارت عملية اقتراع أخيرة إلى أنه حاز على أفضل التقديرات بالنسبة لأي سياسي عراقي. ويرى القليل من الأفراد سواء داخل العراق أو خارجه أن المالكي سيستحوذ سريعا على السلطة التي كان صدام حسين يستأثر بها لنفسه. وبناء عليه، تم تدعيم عمليات المراجعة والفحص داخل النظام العراقي الجديد، ومنها حقيقة أن رئيس الوزراء لا يمكنه اختيار وزرائه بحرية مطلقة. كما وافقت الدولة أيضا على نقل السلطة الكبرى إلى المحليات، بالرغم من أنه مازال من الغامض والمتنازع عليه بشدة كيف ستتم مباشرة تلك السلطات عمليا. ومع ذلك، يخشى الكثيرون حدوث الارتداد إلى الماضي، حيث يقول فؤاد حسين، رئيس ديوان رئاسة إقليم كردستان برئاسة مسعود بازاني، الذي لا يتفق مع المالكي في الغالب، «يعتقد المالكي أن تجمع المزيد من السلطة في المركز يعد أمرا جيدا. وتكمن المشكلة في أمرين، ما هو حد السلطة؟ ومن الذي يقرر هذا الحد؟» وكما ذكرنا آنفا، فقد أنشأ المالكي قوتين مسلحتين تحمل تقاريرها إليه مباشرة، تلك القوتان هما لواء بغداد، وقوة مكافحة الإرهاب. وأوضح العسكري أن اللواء سيتكون من 3000 فرد بمجرد اكتمال الفريق الخاص به، وسيخضع أفراد هذه القوة إلى الفحص الدقيق لاستبعاد أي عناصر لديها أي أهداف عرقية أو إجرامية. وما زال الغموض يكتنف التفاصيل المتعلقة بقوة مكافحة الإرهاب، في الوقت الذي بدأ فيه أعضاء البرلمان في الاحتجاج العلني. وأوضح محمود عثمان، العضو الكردي بالبرلمان بقوله، «بدأ إضفاء الطابع العسكري على البلاد، فالناس يعتقدون أنه يغالي في إجراءاته».

ويدافع القادة العسكريون الأميركيون عن المالكي بصورة خاصة، موضحين أنه اضطر إلى ممارسة السيطرة على قوات الأمن، وأن وجود قوات موالية له يحد من تأثير المليشيات الكردية والشيعية التي تعمل داخل الوزارات الأمنية. ويحجز لواء بغداد المعتقلين في مكان خاص بالمنطقة الخضراء، وهي المنطقة التي يتم فيها احتجاز منتصر الزيدي، الصحافي الذي قذف الرئيس بوش بحذاءيه. ويؤكد أفراد عائلته أنه تعرض للتعذيب، بالرغم من تأكيد الناطق باسم المجلس الأعلى للقضاء أن تحقيق القاضي خلص إلى عدم وجود أي دليل مادي يدل على التعذيب. وحول مجالس الإسناد العشائرية التي شكلها المالكي، تلقت كل تلك المجالس القبلية في محافظة القادسية، التي نظمها عضو حزب الدعوة فاضل موات، 25,000 دولار لكل منها لاستئجار وترتيب مكتب لها. ويوجد 16 مجلسا في تلك المحافظة وحدها. وأوضح موات أنه يمكن لكل عضو فيها أن يعين 5 - 6 أفراد بقوة الشرطة، ويوفر الوظائف لـ 20 آخرين. وتزيد إمكانية منح القبائل سبل توزيع المناصب الحكومية من سلطاتها، كما يجعلها أيضا غير مدينة للمالكي، وهذه هي السياسات التي يتبعها المالكي.

* خدمة «نيويورك تايمز»