الشيخ محمد السالم الصباح: التوجه بالمبادرة العربية إلى أوباما مفروض وواجب

وزير خارجية الكويت لـ«الشرق الاوسط»: من دون الوسيط الأميركي لن نحقق شيئا

TT

تأمل البعض ان يحدث «التغيير» في العالم العربي في قمة الكويت، اذ كان «التغيير» المنتظر سينطلق في اليوم التالي لانعقاد القمة في واشنطن مع تنصيب الرئيس الاميركي الجديد باراك اوباما. قد تكون ملامح تغيير ما بدأت من خلال مفاجأة حدثت، اذ لم يكن اسم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبدالعزيز مدرجاً بين اسماء خطباء الجلسة الافتتاحية، و«فجأة» اعتذر امير الكويت الشيخ جابر الاحمد الصباح، لأنه سيؤخر توقيت بعض الخطباء ذلك ان «الكلمة الآن لشقيقي الملك عبدالله»... والقى العاهل السعودي «كلمة التغيير» الذي لم يكن متوقعاً رغم ان أحداً لم يكن قادراً على توقع ما يمكن ان يحدث.. في حواره مع «الشرق الاوسط»، قال نائب رئيس الوزراء وزير خارجية الكويت الدكتور محمد السالم الصباح: «اعتقد ان الملك عبدالله كان واضحاً جداً ونقل الكرة الى ملعب الآخرين». تغيير آخر حصل في قمة الكويت، اذ انها كانت القمة العربية الاولى التي «يتفق فيها كل العرب» على عدد كبير من المشاريع الاقتصادية، والتي شاركت فيها لأول مرة منظمات المجتمع المدني، وكان للمرأة صوت مدوٍ فيها. يقول الدكتور محمد السالم الصباح: «كل المواضيع الاقتصادية لم تأخذ منا ساعة نقاش واحدة»، وهذا يظهر تعطش العالم العربي للانتقال الى مرحلة الاستقرار الاقتصادي، والانطلاق في الركب العالمي.

في هذا الحوار حذر وزير الخارجية الكويتي من البدء بخطوة سلبية مع الرئيس الاميركي الجديد باراك حسين اوباما: «الذي ذكر اسمه بطريقة فيها افتخار». ولأنه «من دون الوسيط الاميركي النزيه لن نتمكن من تحقيق اي شيء». واعتبر ان مصر تملك جميع الاوراق، ورأى انه يجب ان يكون هناك عرض ذو مصداقية في قضية الجولان: «لنختبر المقولة السورية بأنها جادة في موضوع السلام». وقال ان الدعوة العربية لايران دعوة صادقة: «بأن نتجاوز المواقف السلبية من قبل ايران، وهي استمرار احتلالها للجزر الاماراتية الثلاث، والتدخل في الشؤون الداخلية». وقال ان لدى الحكومة الكويتية مشروعا ضخما لإنقاذ الاقتصاد الكويتي. وهنا نص الحوار:

* هل يمكن القول إنكم نجحتم في قمة الكويت في الاتفاق على عدم تصعيد الخلافات؟

ـ ان قمة الكويت هي القمة التي اجمع عليها العرب، وهي القمة التي خُصصت لمحاكاة الانسان العربي البسيط، ومن جدول أعمالها الذي أُقر، فانها قمة لا يمكن ان تخلق اي خلاف. والدليل ان جدول الاعمال والقرارات التي اتخذت في شأن دعم المواطن العربي في عيشه الكريم، وفي صحته وفي تعليمه، ودعم الشباب ودعم البيئة والمرأة، والربط الكهربائي، والامن الغذائي.. كلها مواضيع لم تأخذ منا ساعة نقاش واحدة. هذا النوع من القمم يجمع العرب، لأنها تربط مصالح الشعوب بعضها ببعض. وغزة كانت الحدث الذي استجد على هذه القمة، ومن دون شك انه يوجد تهاود شديد بين العرب، ليس في ما حدث لكن في ما يجب ان يكون عليه التحرك العربي.

لدينا الآن رئيس اميركي جديد اسمه باراك حسين اوباما وذكر اسمه «حسين» اثناء تنصيبه بطريقة فيها افتخار، يجب ألا نبدأ بالخطوة السلبية مع هذا الرجل، يضاف الى ذلك لدينا موقف اوروبي يتطور ايجابياً تجاه القضايا العربية، خصوصاً فرنسا والرئيس نيكولا ساركوزي والمبادرات التي يقوم فيها، لدينا قرار من مجلس الامن، لدينا تحرك عالمي كي يكون عام 2009 عام الحسم في الشرق الاوسط. كل هذه الامور جعلتنا نميل الى التروي من ناحية اتخاذ مواقف جامدة، وان نكون في موقع الترقب.

لقد تم التوصل الى وقف لاطلاق النار، انسحبت اسرائيل من غزة. علينا ان نتحرك ليس فقط باتجاه الإدانة انما بتحريك محاكمات واجراءات قضائية وجنائية ضد اسرائيل. هذا ما يجب علينا الاستمرار فيه. ثم كما قال العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز، فان موضوع السلام موجود على الطاولة ولكن، ليس الى الابد. اذ ان لكل شيء نهاية.

* انت تقصد المبادرة العربية، هناك من يقول ان على العرب التفكير بتسويقها للرأي العام الاسرائيلي وهناك من يقترح ان تقوم مجموعة من الزعماء العرب بالتوجه الى واشنطن لمقابلة الرئيس اوباما ومناقشة المبادرة العربية مباشرة معه، وقد تدخلون عليها بعد المناقشة معه تعديلات او تضيفون شيئاً. انما ان يكون الوفد مؤلفاً من زعماء عرب؟

ـ هذا صحيح. اعتقد بأن التوجه الى الرئيس اوباما مفروض وواجب. نحن نعلم انه من دون الوسيط الاميركي النزيه لن نتمكن من تحقيق شيء، لذلك من الواجب علينا ان ندخل في اسرع وقت ممكن في تشابك فكري مع الولايات المتحدة حول اهمية تفعيل عملية السلام في اقرب فرصة ممكنة.

* اي ان تكون لكم اذن البيت الابيض، وليس فقط اذن فريق من الادارة؟

ـ اعتقد ان تكليف جورج ميتشل وإرساله كمبعوث الى الشرق الاوسط، وهو المعروف بنجاحه في تحقيق السلام في ايرلندا الشمالية، دليل على ان الرئيس اوباما جاد في هذه العملية. ويجب ان نتداخل ونتحاور معه بسرعة.

* وماذا بالنسبة الى إقناع الرأي العام الاسرائيلي بأهمية المبادرة العربية للسلام؟

ـ قضية الرأي العام الاسرائيلي، انا لست متحمساً لها، لأن الرأي العام الاسرائيلي يرى ما يريد ان يراه، لأنه عندما يقتلون الاطفال، اعتقد بأننا تجاوزنا مرحلة رأي عام ودخلنا في مرحلة عمليات إجرام ضد البشرية. واذا كان الشعب الاسرائيلي يرى ما يقوم به قادته من حرب مركزة ضد مخيم لاجئين، بالنهاية غزة مخيم لاجئين وقصفه بهذه الطريقة، عليه ان يتذكر انه في بولونيا كان هناك «غيتو وارسو» وكان يعيش فيه اليهود، وحصلت «انتفاضة اليهود في وارسو»، ودخلوا النازيين واحرقوا اليهود. ما حصل في غزة كان الشيء نفسه. وقعت انتفاضة في مخيم وتم حرقه بالطريقة نفسها. ان الرأي العام الاسرائيلي يدرك جيداً ما يقوم به قادته. ما من شيء غائب عنه، ويعرف، ونحن نريد وقف هذه الجريمة ضد البشرية قبل ان نتكلم عن السلام.

* هل فوجئتم اثناء المؤتمر بمبادرة خادم الحرمين الملك عبدالله؟

ـ الملك عبدالله يفاجئ العالم دائماً بأمور حكيمة. هذا لا يعني اننا كنا نتوقع منه عكس ذلك، لكن، العالم دائماً في ترقب لما سيقوله الملك عبدالله. وبالفعل لم يخيب العاهل السعودي ظن من راهنوا عليه.

* هل هناك أمل لمصالحة سعودية ـ سورية؟

ـ اعتقد بأن الملك عبدالله كان واضحاً جداً ونقل الكرة الى ملعب الآخرين. لقد اخذ الملك عبدالله من والده صفاء البادية وفي الوقت نفسه قوة وصلابة البادية وخشونتها. كانت كلماته واضحة ومعبرة، لا لف فيها ولا دوارن. والملك عبدالله ليس بالرجل الدبلوماسي. انه رجل صادق، صادق بمعنى انه واضح. نحن الدبلوماسيون نصيغ احياناً العبارات بطريقة تحتمل اكثر من معنى، ولكن الملك عبد الله يكره الغموض وكان واضحاً جداً.

* برز الخلاف المصري ـ السوري على اشده. ثم ان مصر في ازمة غزة شعرت بضغط كبير عليها، وان سورية وايران وصلتا الى حدودها. هل تستطيع مصر بعد التهديد الذي شعرت به ان تُقدم على مصالحة مع سورية بدون شروط؟

ـ للأمانة، تملك مصر جميع الاوراق، ان كان في موضوع غزة فهي الدولة العربية الوحيدة التي لديها حدود متاخمة لغزة، وان كان في موضوع السلام في الشرق الاوسط فانها اكبر دولة عربية، وان كان في موضوع الامن القومي العربي فهي تمثل عمق الامن القومي العربي، ولذلك كان لمصر دور اساسي ومحوري في الخروج بصيغة توافقية في قمة الكويت، ان يتم رفض عملية المطالبة بتعليق مبادرة السلام العربية وبنفس الوقت إعطاء مجال للتداول والتشاور حتى تحين قمة الدوحة.

* احدى المشاكل الاساسية التي يعاني منها العالم العربي، صراع ايران مع اميركا وهذا ادخلها على العالم العربي، ومشكلة سورية مع اسرائيل واميركا، بمعنى ان مشاكل اميركا مع ايران هي التي تسبب الانقسامات العربية؟

ـ لا، لا، لا... هذا يذكرني بعبارة تضعها السفارة الاسرائيلية في واشنطن، تقول: «ان العرب لا يكرهون اميركا لأنها واقفة مع اسرئيل، ولكن يكرهون اسرائيل لانها تقف مع اميركا». وهذا يعني اظهار ان الكره الشديد هو للولايات المتحدة.

* انا لا اقصد ذلك، انما ايران وسورية متشوقتان لعلاقات مع اميركا، وينعكس سلباً على العالم العربي عدم انفتاح اميركا على ايران وعلى سورية؟

ـ ما دخل اميركا في خلافات العالم العربي؟

* أتحدث عن دخول ايران على الخط العربي؟

ـ عندما تقع الخلافات، يصبح الوضع كالمصاب، (الله كافي الشر) بالايدز، تضعف المقومات كثيراً، لدرجة ان الاصابة بالانفلونزا تقتله. عندما تضعف المناعة في العالم العربي، فان كل الفيروسات: الفيروس الايراني والفيروس الاميركي الخ، تنهك الجسد العربي. فالخلافات لا علاقة لها لا بايران ولا بغيرها. ايران تستغل الخلافات، وكل الدول المحيطة تستغل خلافاتنا للتدخل في شؤوننا.

* على ماذا يختلف العرب؟ اننا لا نفهم مواقع الخلاف الجذرية؟

ـ (ضحك) لنرجع الى أيام داحس والغبراء، كي نسير مع التاريخ، للامانة، الخلافات العربية هي خلافات طموح اكثر منها أي امر آخر؟

* بعض العرب، وايران معهم، طالبوا بقطع العلاقات الدبلوماسية مع اسرائيل (مصر والاردن)، بينما تركيا الداخلة في وساطة بين اسرائيل وسورية، رفضت قطع العلاقات مع اسرائيل. لماذا تكثر المزايدات اثناء الازمات؟

ـ هذه صنعتنا. المزايدات أمور مشروعة في العمل السياسي.

* يقال إن ادارة الرئيس اوباما ستضغط على اسرائيل بالنسبة الى اعادة الجولان بالكامل الى سورية، بمعنى ان سورية مقبلة على امتحان عالمي لمعرفة ارادتها بالسلام؟

ـ يجب اختبار سورية في هذا الشأن. يجب ان يكون هناك عرض ذو مصداقية في قضية الجولان، لنختبر المقولة السورية بأنها جادة في موضوع السلام.

* ألا يمكننا فهم موقف «حماس» من زاوية ان عملية السلام مع اسرائيل لم تتقدم، وكأن اسرائيل غير جدية بالسلام فهي تماطل وتبني المستوطنات وليس هناك من تقدم بين «فتح» والسلطة من جهة واسرائيل؟

ـ كل شخص تحت الاحتلال، اجد له تبريراً لكل موقف يتخذه طالما انه تحت الاحتلال، ومشرد، وطالما انه يُقهر بشكل يومي ويُهان ويُضطهد، اجد تبريراً لموقفه. انا لا اتكلم عن «حماس» ولا اتكلم عن فصائل، انما اتكلم عن انسان تحت الاحتلال، لذلك عندما تشكك «حماس» في مشروعات كل التحركات لديها ما يبرر ذلك، لأنه لا يوجد هناك شيء جدي من قبل اسرائيل لانهاء هذا الاحتلال.

* هل تعتقد ان جورج ميتشل سيستطيع القيام بتحرك جدي، او سيقتصر دوره على تهدئة العنف؟

ـ والله نحن نراهن على الوسيط الاميركي، والوسيط الاميركي هو الولايات المتحدة، بنفوذها على اسرائيل تستطيع القيام بشيء وتقدم.

* هل المصالحة الفعلية بين الدول العربية وايران ممكنة، وهل يمكن لدول الخليج ان تعترف بنفوذ مميز لايران في المنطقة هنا؟

ـ كلا. إن ايران دولة كبيرة لديها مصالح واهتمامات وقلق، وهذه كلها امور مشروعة، ولكن قضية التدخل بشأني الداخلي هذا مرفوض بالمطلق ولا يمكن ان يُقبل. قضية استمرار احتلال اراضي الغير.

* تقصد الجزر الثلاث؟

ـ الجزر العربية الاماراتية طبعاً، استمرار احتلالها أمر غير مقبول اطلاقا. لذلك فان الدعوة العربية لايران دعوة صادقة بأن نتجاوز هذا الموقف السلبي من قبل ايران وهو استمرار الاحتلال والتدخل في الشؤون الداخلية. العرب لا يوجد لديهم شيء في «الجينات» العربية ضد الفرس، حسب ما يشيع البعض عن العداء التاريخي. بل على العكس، لدينا تعاون، ويمكن ان اعظم علمائنا، في الادب والعلوم الدينية واللغة العربية لم يكونوا عرباً. لذلك يجمعنا شيء اكبر واعمق، ولذلك لا نقف عند قضية عرب وفرس، نحن لدينا قضايا محددة وهي قضية احتلال جزر عربية، الجزر الاماراتية، وقضية التدخل في شأننا الداخلي. اذا انتهينا من هذه القضايا اعتقد بأن هذه المنطقة، منطقة الشرق الاوسط، منطقة الديانات والحضارات القديمة ستكون الواجهة الحضارية البشرية للعالم.

* لكن هناك من يعتقد بأنه مع الازمة الاقتصادية المتفاقمة في العالم وانخفاض اسعار النفط، ستشعر ايران بأنها مخنوقة لأن وضعها الاقتصادي الداخلي سيئ جداً، وتضطر لافتعال مشكلة ما او مشاكل للهرب الى الامام؟

ـ اذا قبلت انا بهذا التسلسل المنطقي، يعني انني اقبل بأن يكون هذا عذراً لأي دولة تمر في أزمة اقتصادية، ونحن كل دولنا تمر في ازمة اقتصادية ولكننا لن نفتعل مشاكل لتبرير قضية اقتصادية.

* الملاحظ أن هناك تنافساً بين السلطة الفلسطينية و«حماس» على السلطة؟

ـ هذا اكيد، لقد خاضوا انتخابات، والتنافس على من يمثل الشعب الفلسطيني مستمر ولن يُنهي هذا الامر سوى الانتخابات.

* اذا استقر سعر النفط على 35 دولاراً، فهل الكويت مستعدة للتأقلم مع هذا السعر؟ ثم ان الكل يسأل ماذا ستفعلون للازمة الاقتصادية الحالية، لقد بحثتم خططاً اقتصادية على المدى الطويل؟

ـ لقد نلت الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة هارفارد. وعلمتني هارفارد بأن لا معنى اطلاقاً للاسعار المطلقة، المهم هو السعر النسبي، والسعر النسبي، كم كيلو من القمح يساوي برميل النفط، اي التبادل. لذلك 35 دولارا كم تشتري من القمح الآن؟ عندما كانت اسعار النفط قبل ستة اشهر مرتفعة كان سعر القمح مرتفعاً ايضاً. فلذلك انا لا اتكلم عن امور مطلقة انما عن امور نسبية. هناك سعر عادل، والسعر العادل هو الذي يعطي حافزاً للدول المنتجة كي تطور طاقاتها الانتاجية ويبقى هذا المورد متوفراً للعالم واحتياجاته، وكذلك ان يكون السعر مناسباً للمستهلك بحيث لا يجهد ميزانيته ولا يشكل السعر ايضاً عبئاً على التنمية الاقتصادية، فمن مصلحة الدول النفطية ان يعود النمو في العالم، لأن النمو يعني زيادة في الطلب على النفط وهذا يعني تسويقاً افضل لانتاجنا. لذلك فان السعر العادل هو الذي يحقق هذا التوازن ما بين احتياجات المستهلك ومتطلبات المنتج.

* وبالنسبة للأزمة الاقتصادية الحالية في الكويت، اذ هناك خوف من افلاس شركات ومصارف؟

ـ الكويت ليست الوحيدة في العالم التي تمر في ازمة.

* لكن، ألن تقوم الحكومة بعمل مباشر كاستعمال المال العام؟

ـ سيُقدم مشروع قرار الى مجلس الامة، وعندما نستعمل المال العام فاننا نستعمله لإنقاذ الاقتصاد، وهذا ما ستقدمه الحكومة وهو مشروع مهم جداً ستقدمه الحكومة الى السلطة التشريعية، وان شاء الله سيكون الاطار الذي نعمل عليه لتحصين اقتصادنا من الانهيار.