خلف الصورة الذهبية لضاحية في نيودلهي.. قمامة وبنى تحتية منهارة

مدينة غرغاون أو «مانهاتن الهند» اشتهرت بناطحات السحاب وتقدمها في مجال التقنيات

TT

منذ خمس سنوات، كانت هذه الضاحية من مدينة نيودلهي الهندية، تعرف باسم «مانهاتن الهند»، لما تتضمنه من ناطحات سحاب شاهقة. كما أن شهرتها الواسعة في تقدمها بمجال الصناعة التقنية، جعلها أشبه بـ«سيليكون فالي» على مستوى جنوب آسيا (وسيليكون فالي هي منطقة في سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا الأميركية مشهورة بتقدمها في مجال التقنيات).

وفي خضم ضجة إعلامية كبيرة واحتفالات صاخبة، ظهرت مجتمعات تغلفها الأسوار، أطلقت على التجمعات السكنية داخلها أسماء «سانتا باربرا» و«مارينا» و«بيفرلي بالمز»، في إشارة إلى تطلعات جيل الشباب الذي نظر إلى هذه التحركات التنموية خارج العاصمة، كجزء من الهند الجديدة المتميزة بازدهار كبير في فرص العمل والنشاط وتوافر الكهرباء بشكل مستمر. لكن في بلاد غالبا ما تتجاوز فيها الدعاية الحقائق القائمة على الأرض، ما زال على عمال البناء في مجمع غرغاون، بذل جهود للحفاظ على الحلم. ومثلما أوضحت صحيفة «هندوستان تايمز» الناطقة بالإنجليزية، في سلسلة من مقالات نشرتها مؤخرا تحت عنوان «غرغاون تنهار»، فإن الضاحية الشهيرة باتت تبدو اليوم في حالة مزرية. ويرجع ذلك إلى الاختناقات المرورية والطرق غير الممهدة وانقطاع التيار الكهربائي بصورة يومية وعدم الانتظام في جمع القمامة، ما دفع بالكثيرين من سكان غرغاون والعاملين فيها إلى الشكوى من أن الحلم تحول إلى عبرة، على الآخرين استخلاص الدروس منها. وتقول «هندوستان تايمز» إن الضاحية «كان من المفترض أن تصبح مدينة عالمية في أسلوب بنائها، لكن في ما وراء المظهر الخارجي المتمثل في المباني الشاهقة والمساكن الضخمة، تختفي قضايا أساسية، للغاية مثل انسداد مواسير الصرف الصحي والمصارف اللازمة للتخلص من مياه الأمطار».

وهذه الضاحية التي كانت في الماضي منطقة زراعية، تحولت على امتداد السنوات العشر الماضية إلى مركز يشهد خليطا من الجهود التنموية، تضم بين 150 شركة من إجمالي 500 شركة، أوردتها «فورتشن ماغازين» باعتبارها الأكبر على مستوى العالم من حيث الإيرادات. ومع ذلك، لم يكتمل العمل بعد هناك، ولا تزال أعمال التشييد والبناء جارية في الضاحية التي تضم مراكز تسوق تجارية، نصفها غير مأهول، ومراكز اتصالات ومجمعات سكنية ضخمة. والملاحظ أن الكثير من مراكز التسوق والمكاتب لا تزال تعتمد على المولدات الكهربائية. أما سكان المنطقة فيشكلون خليطا ما بين المهنيين الشباب من أبناء الحضر القادمين من نيودلهي ومومباي، سعيا وراء فرص عمل جيدة بصناعة تكنولوجيا المعلومات، وعمال مهاجرين نال معظمهم قسطا من التعليم، قادمين من أكثر الولايات الهندية فقرا. ويترك هؤلاء العمال مزارعهم خلال الفترات الواقعة بين مواسم الحصاد، للبحث عن فرص عمل هنا كحراس أمن وسائقين وعمال بناء وعاملين في المنازل. ويعيش الكثيرون منهم في أكواخ ومساكن ذات أوضاع مزرية، تقع في ما وراء المجتمعات السكنية الجديدة التي تغلفها الأسوار. وتشير «هندوستان تايمز» إلى أنه «سواء كان الأمر يتعلق بإدارة المرور أو أسلوب التفاعل العام داخل المكاتب المعنية بإمدادات الطاقة والمياه، فإنه بصورة عامة لا تتوافق البنية التحتية المتاحة مع متطلبات أو توقعات أفراد، اتجهوا إلى غرغاون بحثا عن (التجربة بمعايير عالمية)، التي وعدت بها أوراق الدعاية الأنيقة للشركات الخاصة العاملة في التنمية العقارية». وتضيف الصحيفة أن بعض سكان الضاحية انتظروا وصول إمدادات الكهرباء إلى مساكنهم «لفترة بلغت شهرين»، وأن إجراءات نقل الملكية تستغرق «شهورا، بل وسنوات». إضافة إلى ذلك، شرعت وسائل إعلام هندية أخرى في إثارة الشكوك حول الصورة الذهبية للضاحية. على سبيل المثال، ذكرت العناوين الرئيسية ببعض وسائل الإعلام في الفترة الأخيرة، أن مستوى جهود فرض القانون بالضاحية متدنٍّ للغاية، لدرجة أن غرغاون باتت تُعرف باسم «عاصمة السلاح في نيودلهي الكبرى»، نظرا إلى إقبال المقيمين بها على حمل السلاح لحماية أنفسهم. وتتواتر أنباء عن وقوع متكرر لجرائم قتل وسرقة مصارف وسيارات وسطو مسلح بالضاحية. ويقول سودهير كابور أمين اتحاد المقيمين بمنطقة «دي إل إف»، أحد أكبر المشروعات السكنية التنموية في غرغاون، إن «هناك أيضا مشكلة القمامة، حيث يجري إلقاء القمامة في أي مكان وكل مكان. ولا يتوافر حتى الآن موقع رسمي لتجميع القمامة به. إن المناطق الراقية من المرحلة الأولى من (دي إل إف) تناضل من أجل البقاء؛ لقد بدأت القمامة في اختراق المياه الجوفية». ومع ذلك، ما زال الأمل يراود الكثيرين في أن تكون مثل هذه المشكلات مجرد مصاعب طارئة، مشيرين إلى المؤشرات الواعدة بالمدينة الجديدة. والجدير بالذكر، أن نظام مترو نيودلهي من المقرر تمديده إلى غرغاون بحلول العام القادم، بينما يجري العمل في بناء طريق سريع كبير يربط بين غرغاون وشمال مدينة جيبور. وفي الفترة الأخيرة، شهدت الضاحية افتتاح «إيبيسنتر»، وهو مركز ثقافي للرقص والموسيقى والأفلام والفنون.

يقول كاميني سنغ، البالغ من العمر 16 عاما، والمقيم بغرغاون ويعمل في المركز أيضا، إن «(إيبيسنتر) وفر بديلا رائعا لثقافة مراكز التسوق. حتى الآن، تجري إقامة المعارض في مراكز التسوق، التي لا توفر مناخا ملائما، لازدحامها وارتفاع أصوات الموسيقى بها. إن غرغاون أشبه بطفل صغير مقارنة بدلهي، من حيث المستوى الثقافي. لكننا بدأنا العمل على الصعيد الثقافي، وهو أمر مثير». كما شرع المقيمون في العمل التعاوني، فبعد نشر سلسلة المقالات في «هندوستان تايمز»، شكلت أكثر من 250 مجموعة من المقيمين بالضاحية «حركة سكان غرغاون المتحدة»، وترمي إلى أن تصبح صوتا جديدا يعبر عن المقيمين والعمال، الذين يجابهون مشكلات داخل الضاحية.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»