شركات النشر الذاتي تتيح للجميع أن يصبحوا مؤلفين ابتداء من 99 دولارا

صناعة تزدهر في أميركا.. والكثير منها لا يشتريها سوى أصحابها وأفراد عائلتهم فقط

TT

ربما نصل قريبا إلى مرحلة يكون فيها عدد من يرغبون في تأليف كتب أكبر ممن لديهم رغبة في قراءتها ثمة دلائل على احتمالية حدوث ذلك، حيث أنه على ضوء الأزمة الاقتصادية يعاني بائعو الكتب في الوقت الحالي أثناء محاولتهم لجذب القراء. وتقوم معظم دور النشر في نيويورك بتسريح محررين يعملون لديها، علاوة على اتخاذ إجراءات لترشيد النفقات، ويغلق عدد متزايد من محلات بيع الكتب، وتعمل سلاسل المحلات الكبرى على تسريح عامليها وتنظر في إشهار إفلاسها. وقد كشفت دراسة حديثة لهيئة المنح الأميركية القومية للفنون انه رغم الزيادة في عدد من يقرأون الأدب القصصي فان اقلية منهم تقرأ كتبا في مجالات اخرى. ومع ذلك، تشهد شريحة واحدة في هذا القطاع ازدهارا حيث يزداد عدد شركات النشر الذاتي، وهي تلك التي تحمل المؤلفين والمصورين كلفة الأعمال التي تنشرها لهم مستغلة رغبة المبتدئين في رؤية ما يؤلفوه بين دفتي غلاف كتاب، ويأتي ذلك في الوقت الذي يتراجع فيه نشاط الكثير من الناشرين التقليديين. ويرجع الفضل في ذلك الى أشخاص مثل جيم بندات، الذي شهد كتابه «يوم الديمقراطية الأكبر»، وهو عبارة عن صورة موجزة لحفلات التنصيب الرئاسية في الولايات المتحدة، مبيعات ملحوظة خلال فرتة احتفالات تنصيب الرئيس الأميركي الجديد باراك أوباما. بعد أن فشل في الحصول صفقة نشر تقليدية خلال عام 2000، دفع بندات، وهو محامي في لوس أنغليس، 99 دولارا لتقوم «آي يونيفرس» بنشر الطبعة الأولى. وأجرى بندات بعض التغييرات على كتابه في عامي 2004 و2008، وتمكن من بيع أكثر من 2500 نسخة. وتحصل «أي يونيفرس» على حصة كبيرة من عائد كل نسخة تباع حاليا بسعر 11.66 دولارا على موقع أمازون. وفي الوقت الذي يسعى فيه الناشرون التقليديون إلى تقليل قائمة الكتب التي لديهم، ويعتمدون بصورة متزايدة على الكتب التي تحقق أفضل مبيعات، تعمل شركات النشر الذاتية على زيادة عدد الكتب التي تتعاقد عليها، وتحصل على أرباح على الكتب التي تبلغ مبيعاتها خمس نسخ فقط، ويرجع ذلك بصورة جزئية إلى أن المؤلف، وليس الناشر، هو الذي يتحمل الكثير من التكلفة، مثل تصميم الغلاف وتكاليف الطباعة. وفي 2009، قامت «آرثر سولوشان»، الموجودة في بلومنغتون بولاية إنديانا، وتدير دورا للنشر مثل «أي يونيفرس» و«آرثر هاوس» و«وردكلاي»، بنشر ما يصل إلى 13 ألف كتاب، بزيادة قدرها 12 في المائة مقارنة بما نشرته العام الماضي. وقامت الشركة، التي تمتلكها شركة «برترام كابيتال»، في الشهر الجاري بشراء منافستها «زليبريس»، وعليه فقد وسّعت حصتها من هذه السوق التي تشهد نموا مطردا. ونشرت الشركة المدمجة 19 الف مطبوعة خلال عام 2008، ويزيد ذلك بمقدار ستة أمثال عما نشرته «راندوم هاوس»، أكبر دار نشر في العالم لكتب المستهلكين، خلال العام الماضي. يذكر أنه في عام 2008، تم نشر قرابة 480 الف كتاب في الولايات المتحدة، مقارنة بحوالي 375 الف كتاب في عام 2007، حسبما أفادت شركة «بوكر». وعزت الشركة نسبة كبيرة من هذه الزيادة إلى ارتفاع عدد الكتب المطبوعة بناء على الطلب. ويقول كيفين ويس، الرئيس التنفيذي بـ«آرثر سولوشنز»: «لو كنت في حفل غداء وسألت كم عدد من يريد تأليف كتاب، سوف تجد أن الجميع يقولون «لدي كتاب أو اثنين»، نحن لا نعاني من تراجع في عدد المهتمين بالتأليف».

ومما يدعم هذا الاتجاه، المهنيون الذين يرغبون في استخدام الكتاب مثل بطاقة أعمال تعزز من وضعيتهم المهنية، بالإضافة إلى الكثير من المواطنين الذي يؤلفون كتب كهدايا لأفراد العائلة والأصدقاء. وتقول إلين غيتينز، الرئيسة التنفيذية في شركة «بلورب»، التي تطبع الكتب بناء على الطلب: «في الماضي كان هذا الأمر محصورا في النخبة، ولكن في الوقت الحالي يمكن لأي شخص أن يؤلف كتابا، وسيكون مثل أي كتاب تشتريه من محل بيع الكتب. وقد ارتفعت عوائد «بلورب» من مليون دولارا إلى 30 مليون دولارا، خلال عامين وقامت بنشر 300 الف كتاب خلال العام الماضي، الكثير منها كتب شخصية يتشريها صاحبها فقط. وتقول غيتينز الآن أصبح في امكان أي احد ان يكون له كتاب، وهو يبدو مثل أي كتاب تشريه من على ارفف مكتبة أو دار نشر. ورغم ذلك تعد عملية النشر الذاتية مجرد جزء بسيط من قطاع النشر الواسع. وقامت «آرثر سولوشنز»، على سبيل المثال، ببيع ما يصل مجمله إلى 2.5 مليون نسخة كتاب خلال العام الماضي. وعلى الرغم من أنه في الوقت الحالي يمكن لأي شخص إنشاء مدونة أو إرسال كتاباته على مواقع إليكترونية مثل «فيس بوك» و«ماي سبيس»، فما زال يحرص البعض على الكتب المطبوعة. ويقول بندات: «أريد إشباع رغبتي في الإمساك بالكتاب بين راحتي».

يذكر أنه بعد ظهور كتابه الذي نشرته «أي يونيفرس» طلبت قناة سكاي نيوز الإخبارية البريطانية من بندات تقديم تعليق مباشر خلال يوم تنصيب اوباما. وقامت مجموعة من فنادق واشنطن بطباعة 500 طبعة لإعطائها للضيوف الذين قدموا إلى المدينة لحضور حدث يوم التنصيب. ويقول بندات: «نعم، ليس الكتاب الأفضل مبيعا، ولكنني سعيد لما يحدث».

وتنتشر دور النشر التي تقوم بنشر الكتب شريطة أن يتحمل النفقات المؤلف نفسه منذ عقود، ولكن التقنية الحديثة ساعدت على جعل الأمر أكثر سهولة بالنسبة للمؤلفين الناشئين حيث يمكنهم القيام بنشر الكتب دون تكاليف مسبقة كبيرة، وقد ولت الأيام التي كان يعني فيها النشر الذاتي الدفع لمطبعة لإنتاج مئات النسخ، ويمكن أن تكون هذه المطابع في مرآب سيارات وتعاني من وضع شديد القسوة. وفي الوقت الحالي، يمكن للمؤلف تحميل مؤلف أو مجموعة من الصور على موقع ما بتكلفة 3 دولارات، ويطلب تحويل ذلك إلى كتاب مطبوع خلال ساعة. وتطرح الكثير من الكتب للبيع على موقع أمازون أو موقع بارنز آند نوبل، فيما تباع أخرى عن طريق المواقع الالكترونية لشركات نشر ذاتي. ويمكن للمؤلفين والقراء طلب نسخ إضافية وفق الحاجة. وتقوم شركات النشر الذاتي بصورة عامة بتحقيق أرباح سواء عن طريق تحميل المؤلف رسوما، يمكن أن تتراوح بين 99 دولارا و100 ألف دولار مقابل مجموعة من الخدمات من بينها تصميم الغلاف والتسويق والتوزيع على تجار التجزئة على شبكة الانترنت، أو عن طريق أخذ نسبة من مبيعات الكتب، أو الوسيلتين معا. وتسمح بعض الشركات، مثل «لولو إنتربرايز» و«كريات سبيس» من موقع أمازون، للمؤلف بعمل الكتاب مجانا ولكنها تتحصل على أرباح عن طريق إضافة مبلغ بسيط على عملية الطباعة أو مقاسمة الأرباح مع المؤلف. وبالنسبة لبعض المؤلفين، فإن الرغبة في النشر الذاتي تعني إمكانية طرح ما يؤلفونه بصورة أسرع مما كان يحدث بالطرق التقليدية. وبالطبع فان المؤلفين الذي يأخذون طريق النشر الذاتي أو حسب الطلب يفقدون الكثير فلا يحصلون على دفعة مقدمة، وفي كثير من الأحيان عليهم ان يدفعوا من جيوبهم قبل ان يروا شيئا ولا يتمتعون بمزايا التوزيع التي توفرها دور النشر التقليدية.

وخلال فترة الركود الاقتصادي فان الكتب التي تهم مجموعة محدودة من الناس يمكن ان تكون افضل اقتصاديا من عناوين النشر التقليدية التي تتوجه نحو السوق الأوسع.

ويعترف روبرت يونغ، الرئيس التنفيذي لـ«لولو انتربرايز» بأن الكثير من العناوين (الكتب) التي تنشرها شركته لا تهم إلا صاحبها أو عائلته ويقول «لقد نشرنا بسهولة اكبر مجموعة من الشعر الرديء في التاريخ الانساني».

ورغم ذلك فان الكثير من المؤلفين الذين يعتمدون على النشر الذاتي يأملون أن يجروا اكتشافهم من قبل دور النشر الرئيسية بهذه الوسيلة، وهذا يحدث بالفعل، لكن نادرا.

وقد حدث هذا لليزا جينوفا، المستشارة السابقة لشركات أدوية، فعندما كتبت روايتها الأولى عن مريضة بالزهايمر رفضتها أو تجاهلتها 100 من شركات النشر.

ودفعت 450 دولارا الى شركة النشر الذاتي «اي يونيفرس» وباعت الكتاب الى مكتبات مستقلة، حتى اكتشفها احد المؤلفين وقدمها الى وكيل نشر فباعت كتابها برقم يتجاور المليون دولار.

وتقول لويس بروك، ناشرة بوكت بوكس»، ان الناشرين الذين يتطلعون الى مادة جديدة يفحصون تعليقات القراء على كتب النشر الذاتي التي تباع عبر الانترنت.

* خدمة «نيويورك تايمز»