مصادر أميركية لـ«الشرق الأوسط»: تباينات حول توقيت تعيين مبعوث لإيران.. ورسائل «لمن يفهم»

كوردسمان: طهران وواشنطن ستتحدثان حول «الصفقة الكبرى» * البيت الأبيض: لا نعرف لمن نتحدث في طهران

TT

بينما لا تزال إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما تبحث في السياسة التي ينبغي أن تتبعها حيال إيران، قالت مصادر أميركية مطلعة لـ«الشرق الأوسط» إن هناك تباينات داخل إدارة أوباما حول تعيين دنيس روس مبعوثا خاصا لإيران. وأوضحت المصادر أن هناك تيارا داخل الإدارة الأميركية يخشى أن يفسر تعيين روس كمبعوث لإيران على أنه انتصار لنهج التشدد الذي قادته إيران خلال السنوات الماضية، فيما هناك تيار آخر يريد أن تنتظر واشنطن حتى إجراء الانتخابات الرئاسية الإيرانية في يونيو (حزيران) المقبل ومعرفة نتيجتها، ثم تقرير ما إذا كان من الأفضل تعيين مبعوث خاص، أم التواصل مع إيران بطرق أخرى، موضحة أن الإدارة الأميركية الجديدة تتحرك بالفعل في الملف الإيراني، وأن هناك «رسائل تفاهم لمن يريد أن يفهم» أرسلت ضمنا إلى طهران ومن بينها قرار واشنطن إرسال مسؤول أميركي رفيع للمشاركة في اجتماع 5 زائد 1 الذي سينعقد في ألمانيا الأسبوع المقبل لبحث الملف النووي الإيراني، ودعوة إيران للمشاركة في اجتماعات دول جوار أفغانستان لبحث إعادة الاستقرار والأمن لذلك البلد الذي بات يشكل أحد أكبر التحديات الأمنية أمام إدارة أوباما، كما قال وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس. وأشارت المصادر الأميركية إلى أنه مطلوب من إيران في المقابل أن تظهر مسؤولية، وأن تتخلى عن «دورها غير الداعم للاستقرار» في الشرق الأوسط. وحول تعيين دنيس روس مبعوثا لأميركا، قال مسؤول بالخارجية الأميركية، لا يريد الكشف عن هويته لـ«الشرق الأوسط»: «هناك من يريدون إعلان تعيين روس خلال أسبوع أو نحو ذلك. لكن هناك أيضا من يقولون علينا الانتظار لبعض الوقت، ربما حتى يونيو (حزيران) المقبل موعد إجراء الانتخابات في إيران ومعرفة نتائجها، ثم تحديد أى خطوة نخطوها». وتابع المسؤول الأميركي: «من يريدون تعيين روس خلال فترة قصيرة يرون ان التأخير قد يعطي الإيرانيين إشارة أننا غير مهتمين. أما من يريدون الانتظار لبعض الوقت فيعتقدون ان تعيين مبعوث لإيران قد يستغل من قبل المحافظين في إيران، وقد يرى على أنه انتصار للنهج المتشدد، مما قد يضعف الإصلاحيين قبل انتخابات يونيو. وهؤلاء يميلون الى الانتظار لما بعد يونيو، ثم تقرير ما إذا كان من الأفضل تعيين مبعوث خاص. أم التواصل مع إيران بطريق أخرى». وقال المسؤول الأميركي ان إدارة أوباما تدرس حيزا واسعا من الأفكار حول إيران، موضحا ان استراتيجيات عدة على الطاولة، وان النقاش حول إيران داخل وزارة الخارجية الأميركية لا يزال في بدايته. وفيما رفض المسؤول الأميركي الخوض في المزيد من التفاصيل حول الأفكار المطروحة على الطاولة، يبدو ان التيار الغالب في واشنطن يميل إلى التقدم بخطوة واحدة نحو إيران، ثم قياس الرد الإيراني، ثم تحديد الخطوة الأميركية التالية. وكان لافتا أن من أوائل قرارات الإدارة الأميركية الجديدة فيما يتعلق بإيران، هو قرار واشنطن المشاركة في اجتماع دول 5 زائد 1 حول الملف النووي الإيراني، الذي سينعقد في ألمانيا الأسبوع المقبل. وفيما قالت الخارجية الأميركية إن واشنطن سترسل مبعوثا رفيعا للمشاركة في المناقشات، رفض المسؤول الأميركي الذي تحدثت إليه «الشرق الأوسط» الكشف عن هوية المبعوث الذي سيشارك في اجتماع ألمانيا. وكان بيل بيرنز مساعد وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس قد مثل واشنطن في اجتماع لدول 5 زائد 1 في جنيف نهاية العام الماضي، وكانت هذه هى المرة الأولى التي يشارك فيها مسؤول أميركي رفيع وجها لوجه مع مسؤولين إيرانيين في اجتماع حول الملف النووي لإيران. ولا يزال بيرنز مسؤولا في الخارجية الأميركية، ويعتقد أنه سيكون من بين المكلفين بالملف الإيراني. من ناحيته قال أنتوني كوردسمان الذي عمل سابقا في وزارتي الدفاع والخارجية الأميركيتين، ويعمل حاليا خبيرا بمركز الدراسات الاستراتيجية في واشنطن لـ«الشرق الأوسط» ان الحوار بين إيران وأميركا سيكون «بطيئا ونتائجه لن تكون فورية» بسبب تعقيد القضايا المطروحة على الطاولة، وعلى رأسها الملف النووي الإيراني والوضع في أفغانستان وباكستان والعراق والشرق الأوسط، والعلاقة بين طهران وحماس وحزب الله. وأوضح كوردسمان حول الجدل المتعلق بتعيين مبعوث خاص لإيران: «أعتقد أنه سيكون من المفيد محاولة الحديث مع إيران. لكن يجب ان نفهم ان الولايات المتحدة وإيران كانتا تتحدثان على المستوي الرسمي، في عدة اجتماعات، في أماكن مثل الأمم المتحدة وداخل منظمات دولية، ووكالة الطاقة الذرية. كانتا تتحدثان طوال العقد الماضي. المسألة ليست ان الطرفين لا يفهمان بعضهما بعضا. المسألة ليست ان الطرفين لا يتواصلان. فهما بالفعل يتحدثان معا، لكن المشكلة في الاختلافات بينهما، وهى اختلافات لن يتم تجسيرها ببساطة بالعصا السحرية، لأنهما ببساطة تتحدثان حول الصفقة الكبري. فهل سيكون بالإمكان التحرك للأمام؟ ربما. هناك بالتأكيد كل الأسباب لمحاولة استكشاف هذه الخيارات. لكن أى مبعوث لا يحمل عصا سحرية. فالحوار من أجل الحوار لا يغير الطريقة التي تتصرف بها الدول.

من الممكن التحرك قدما في العلاقات الإيرانية -الأميركية، لكن هذا يجب ان يقوم على البراغماتية السياسية، وهذا سيتطلب من الجانبين التحدث عن التنازلات وحلول وسطى». وتابع كوردسمان: «لكن من الصعب التنبؤ بالسرعة التي سيتحركون بها. من المرجح جدا ان أى تقدم سيكون محدودا وبطيئا أكثر منه سريعا وواضح المعالم». وكان لافتا ان إدارة أوباما سعت مبكرا لإظهار أنها لا تمانع في إشراك إيران في «القضايا الكبرى» وعلى رأسها أفغانستان. إذ ان رئيس أركان الجيوش الأميركية الجنرال مايكل مولن وقائد القوات الأميركية في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى ديفيد بترايوس إلى جانب الأمين العام لحلف شمال الاطلسي ياب دي هوب شيفر، تحدثوا خلال الأيام الماضية عن دعوة طهران للمشاركة في اجتماعات دول جوار أفغانستان. وقال مولن الثلاثاء الماضي، ان إيران من دول آسيا الوسطى التي يمكن ان تساعد في إحلال الاستقرار في أفغانستان. وأضاف ان «إيران لا تبدي استعدادا للمساعدة في العديد من الأمور، لذلك لن أفرط في التفاؤل في هذه المرحلة. لكن هناك مصالح مشتركة أعتقد انها ستفتح بعض الاحتمالات». أما بترايوس، الذي عينه الرئيس السابق جورج بوش قائدا للقيادة الأميركية الوسطى، والذي يبدو انه سيحتفظ بمنصبه في إدارة أوباما، فقال في الثامن من يناير الجاري: «ان إيجاد حل في أفغانستان يتطلب «نهجا إقليميا.. يشمل باكستان والهند ودول وسط آسيا وحتى الصين وروسيا، إضافة الى إيران ربما في مرحلة من المراحل»، فيما أعلن الاتحاد الأوروبي قبل يومين ان إيران ستدعى الى المحادثات التي تمهد لاجتماع في الربيع بين الاتحاد الأوروبي ودول آسيوية ستتركز على أفغانستان. وغابت طهران عن اجتماع مماثل في ديسمبر الماضي.

من ناحيته قال جون ألترمان رئيس قسم الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية في واشنطن لـ«الشرق الأوسط» انه لا يتوقع أن يحدث اختراق كبير وسريع في العلاقات بين طهران وواشنطن، مستبعدا كذلك لقاء بين رئيس إيراني وآخر أميركي في الفترة التمهيدية للعلاقات بين البلدين، موضحا: «لا أعتقد ان هذا سيحدث. لكن هل يجلس مسؤولون أميركيون وإيرانيين معا وجها لوجه في إدارة أوباما. نعم، فقد رأينا هذا يحدث مع مسؤولين إيرانيين وأميركيين خلال إدارة بوش، ولا أرى سببا لأن لا يحدث هذا تحت إدارة أوباما. طبعا يمكن ان يجلس رئيسان أميركي وإيراني وجها لوجه، غالبا ليس أحمدي نجاد، لوضع الرتوش الأخيرة على اتفاق أو تفاهم لمباحثات أجريت بالفعل وليس لاستكشاف مسار مفاوضات في بدايتها». ويأتي ذلك فيما قال وزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي أمس، في دافوس ان إيران مستعدة للتعاون مع الرئيس الأميركي الجديد إذا غيرت الولايات المتحدة سياساتها وممارساتها في المنطقة. وأضاف «نعتقد انه إذا كانت الإدارة الجديدة للولايات المتحدة ستغير، مثلما قال السيد أوباما، سياساتها ليس بالقول، وإنما بالفعل، فبالتأكيد سيجدون المنطقة في طريق تعاون وتجاوب». وتابع: «إيران ليست مستثناة من هذا الفهم العام في منطقتنا». وتعد تصريحات متقي هى الأكثر دبلوماسية من بين التصريحات التي خرجت من طهران في الآونة الأخيرة. وكانت أكثر هذه التصريحات شدة، هى تصريحات الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد أول من أمس، والتي دعا فيها أميركا الى «الاعتذار عن جرائمها» بحق الإيرانيين كشرط للحوار. إلى ذلك، وفيما قال المتحدث باسم البيت الأبيض روبرت غيبس أمس إن اوباما يعتقد ان الولايات المتحدة يجب ان تستخدم «كل عناصر» قوتها الوطنية في تعاملاتها مع ايران وأنها ستنتهج الدبلوماسية، لكنها ستبقي كل الخيارات الاخرى على الطاولة أيضا، مشيرا لصعوبة تحديد من تتحدث اليه واشنطن في طهران بسبب «تعدد مراكز السلطة في طهران»، قال مسؤول بالخارجية الاميركية ان ادارة اوباما ليست لديها «مبادرة جديدة» حيال إيران وأنها لا تفكر في بعث رسالة الى المرشد الاعلى لإيران آية الله على خامنئي، كما ذكرت صحيفة «الغادريان» البريطانية امس. وقال المسؤول الاميركي لـ«الشرق الأوسط» «لم يتم إرسال رسالة، أو بحث رسالة. لم يطلب احد في الادارة الحالية او وزارة الخارجية إرسال رسالة. ربما كانت فكرة طرحت قبل فترة، لكن لم تتم مواصلتها، وهى لا تشكل مبادرة جديدة من قبل واشنطن حيال إيران». وكانت الغادريان قد ذكرت، أمس، أن مسؤولين في ادارة الرئيس أوباما يصيغون رسالة من الرئيس لإيران، تهدف إلى إنهاء حالة الجمود في العلاقات الاميركية – الإيرانية، وتفتح الطريق امام إجراء محادثات مباشرة، موضحة ان وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، تدرس الرسالة في إطار مراجعة السياسة الأميركية إزاء طهران.