«خميس رمادي» في فرنسا: إضراب عام ومظاهرات.. لم ترق الى التوقعات

النقابات تتخطى خلافاتها وتطلق نداء مشتركا للحكومة لتغيير أولوياتها واحتواء الأزمة بتدابير جذرية

TT

نزل مئات آلاف المتظاهرين في فرنسا أمس إلى شوارع العاصمة باريس والمدن الرئيسية الكبرى، في ما وصف أنه «أهم حركة احتجاجية» منذ وصول الرئيس نيكولا ساركوزي إلى السلطة قبل نحو عامين، إلا أن «الخميس الأسود» الذي وعدت به النقابات العمالية، والذي تضمن احتجاجات وإضرابا عاما، لم يصل إلى المرتبة التي أمل المنظمون أن يصل إليها، حتى إن البعض وصفه بأنه «خميس رمادي».

وفي بادرة تعكس عمق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تضرب فرنسا، ووحدة الحركة العمالية والنقابية عليها، وعلى ما تعتبره جوابا غير كاف من قبل الحكومة الفرنسية، أطلقت 8 نقابات نداء مشتركا تطالب فيه الحكومة بتغيير أولوياتها، واتخاذ تدابير جذرية لاحتواء الأزمة. وأهمية النداء أنه حاز إجماع النقابات الرئيسية في فرنسا، وهو أمر نادر الحدوث بسبب الانقسامات النقابية وتضارب التوجهات المطلبية والسياسية بين نقابات «جذرية» وأخرى «إصلاحية» معتدلة.

ودعا البيان الحكومة إلى الاهتمام بالموظفين والعمال بعد أن فضلت حتى الآن الاهتمام بالبنوك والشركات على حساب القوة الشرائية وسوق العمل. وشدد البيان على خمسة مطالب رئيسية، أولها إعطاء الأولوية للمحافظة على فرص العمل في القطاعين العام والخاص وتراجع الحكومة عن قرارها إلغاء 30 ألف وظيفة في القطاع العام، وثانيها تحسين القدرة الشرائية، وثالثها إعادة توجيه خطط الدولة والمبالغ المالية الضخمة التي تضخها في الاقتصاد لزيادة القدرة الشرائية للمواطن، كسبيل لتحريك العجلة الاقتصادية وحماية المكاسب الاجتماعية، واحترم القواعد الدولية المعمول بها في قطاع العمل، وأخيرا إيجاد قواعد ملزمة أكثر صرامة تفرض على القطاع المالي لتحاشي تكرار الأزمة التي عرفها هذا القطاع مؤخرا.

وبالعودة إلى التظاهرات قدرت المصادر النقابية أعداد المتظاهرين بأكثر من مليون شخص نزلوا إلى الشوارع في باريس العاصمة والمدن الرئيسية والوسطى، وأحصت النقابات ما يزيد على 200 مظاهرة على كل الأراضي الفرنسية. غير أن المظاهرة الأكبر عرفتها باريس بمشاركة كافة النقابات وأحزاب اليسار من الحزب الاشتراكي وحتى أقصى اليسار، وانطلقت التظاهرة من مكان تجمعها في ساحة الباستيل، رمز انطلاق الثورة الفرنسية في عام 1789، باتجاه ساحة الأوبرا. وبعد ساعتين من انطلاقها كان جزء كبير من المتظاهرين ما زال في الباستيل.

غير أن المفاجأة «الإيجابية» التي اكتشفها سكان باريس والضواحي والفرنسيون بشكل عام، أن الشلل الذي كان متوقعا لقطاع النقل العام من قطارات سريعة وعادية ومترو الأنفاق كان أقل وطأة، مما جعل بعضهم يتحدث عن «خميس رمادي» وليس «خميسا أسود».

وقالت سكرتيرة عام الحزب الشيوعي الفرنسي ماري جورج بوفيه، إن الوضع الراهن «لم يعد يطاق ولم يعد بالإمكان القبول به»، معربة عن أملها في أن تتكرر المظاهرات والإضرابات. وتوجهت بوفيه بالكلام إلى الرئيس ساركوزي بقولها إنه لن يكون بوسعه أن يقول غدا (اليوم): «إنني لم أسمع ولم أرَ وليس عندي ما أقوله»، ملمحة بذلك إلى عبارة قالها ساركوزي الصيف الماضي وفيها أعلن أنه عندما تحصل الإضرابات في فرنسا «فلن يشعر أحد بشيء»، في إشارة إلى أنه «كسر» شوكة النقابات وفرض «خدمة الحد الأدنى» على القطاع العام أيام الإضرابات، مثل النقل والمدارس والمستشفيات والخدمات الأساسية. وشل الإضراب «الوطني» بدرجات متفاوتة غالبية القطاعات الاقتصادية، كالنقل بمختلف أنواعه، والمدارس، والمستشفيات، وشركة الكهرباء العامة، والهاتف، والقطاع الإعلامي العام من تلفزة وإذاعات، والبورصة. وكانت التعبئة الأكبر في قطاع الوظائف الحكومية حيث وجهت الدعوات إلى خمسة ملايين موظف للتوقف عن العمل. وطالت الإضرابات القطاع الخاص بنسبة أقل، غير أن موظفيه كانوا حاضرين في المظاهرات. وحتى أمس التزمت رئاسة الجمهورية والحكومة بالخط العام الذي رسمه ساركوزي، وهو أن الحكومة «متنبهة» للمطالب الشعبية وللحركة الاحتجاجية، غير أنها «عازمة على الاستمرار في العملية الإصلاحية» التي تقودها من أجل «تحديث الاقتصاد الفرنسي». وعكس هذا التوجه وزير الخزانة إريك وورث الذي أعلن أمس أن الحكومة أقرت «خطة إصلاحية وخطة لإعادة إطلاق الاقتصاد ومواجهة الأزمة»، مضيفا أنه «ليس من الممكن تغيير هذه السياسة باستمرار».