موسي لـ«الشرق الأوسط»: انسحاب أردوغان كان «إداريا وليس سياسيا» وإلا لاتخذت نفس موقفه

ليفني: على تركيا احترام إسرائيل.. وأغلب دول المنطقة تدرك أن حماس وإيران مشكلة إلا أنقرة * مدير الجلسة العاصفة في دافوس: ضيق الوقت سبب سوء الفهم.. والمشاعر كانت ملتهبة

صور لياسر عرفات واردوغان على اكواب شاي تباع في قطاع غزة أمس (أ. ب)
TT

قال الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسي إن انسحاب رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان من جلسة منتدى دافوس مساء الخميس الماضي بعد مشادة كلامية بينه وبين والرئيس الإسرائيلي شيمون بيريس حول الحرب على غزة كان انسحابا «إداريا» بسبب طريقة إدارة الجلسة وليس انسحابا سياسيا. وتابع موسي في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «كان بسبب إدارة الجلسة وليس انسحابا سياسيا وهذا ما جعلني أستمر في أعمال المنتدى دون انسحاب وحتى لا نترك الساحة لإسرائيل كي تروج الأخطاء وتضلل المجتمع الدولي». ويأتي ذلك فيما دعت وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني أردوغان إلى «احترام» إسرائيل وإعادة النظر في علاقات تركيا مع كل من حماس وإيران. وأكدت ليفني للإذاعة الرسمية في إسرائيل أمس «لدينا علاقات استراتيجية هامة مع تركيا لذلك أتوقع من تركيا أن تظهر احتراما تجاه إسرائيل رغم التظاهرات في الشوارع (في تركيا) والصور القاسية جدا التي عرضت حول غزة». وتابعت ليفني «من الممكن إصلاح كل شيء. يجب التحاور، ووضع الأمور على الطاولة، وأخذ المصالح المشتركة في الاعتبار وأيضا الاختلافات». وشددت ليفني أيضا على ضرورة فهم أن «حماس مثل إيران تشكلان مشكلة لجميع دول المنطقة». وأسفت وزيرة الخارجية الإسرائيلية «لتبدل تموضع» تركيا، موضحة ان أنقرة على عكس الكثير من بلدان المنطقة لا ترى ان حماس وإيران مشكلة. وتابعت «يجب تذكر أنه بعدما تولت حماس السلطة كانت تركيا أول دولة تدعوها لزيارتها.. لذلك نجد أنفسنا نتمتع بعلاقة مهمة ولكن أيضا في خلاف بشأن كيفية التصرف إقليميا.. رغم المظاهرات بالشوارع. ورغم الصور الصعبة من غزة فان حماس هي مشكلة الجميع. وأغلب الدول بالمنطقة بالشرق الأوسط تدرك ذلك أكثر من الأتراك». وبخصوص ايران وطموحاتها النووية قالت ليفني ان دولا أخرى بالمنطقة «تدرك أن ايران هي مشكلة الجميع»، وانه ينبغي اتخاذ خطوات لحرمانها من امتلاك وسائل صنع قنبلة ذرية. وأضافت ليفني «تجد تركيا نفسها في هذه الحالة في وضع مختلف عن الجميع بالمنطقة.. يوجد صدع في علاقاتنا. لا يمكن إخفاء ذلك. لكن هذه العلاقات تمثل أهمية كبيرة للبلدين». وكان رئيس الوزراء التركي غادر غاضبا قاعة منتدى دافوس حيث جرى نقاش حول الوضع في غزة، آخذا على المنظمين منعه من الكلام بعد مداخلة طويلة للرئيس الإسرائيلي بيريس. وندد أردوغان رئيس حزب العدالة والتنمية المنبثق عن التيار الإسلامي، بصورة شبه يومية بالهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة الذي أدى خلال 22 يوما الى مقتل 1300 فلسطيني، نحو ثلثهم من الأطفال. وقال في مداخلته بدافوس ان إسرائيل أنها «تعلم جيدا كيف تقتل الأطفال».

وقال أردوغان خلال مؤتمر صحافي عقده في وقت لاحق مع كلاوس شواب مؤسس المنتدى الاقتصادي العالمي إن تصرفاته ناتجة عن طريقة إدارة ديفيد إغناتيوس، الكاتب بصحيفة «واشنطن بوست» الأميركية في إدارة الحوار. وأوضح أردوغان أن بيريس حصل على 25 دقيقة للحديث، وهو ما يزيد على ضعف الوقت الذي منح له وللأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى الذي تعرض للمقاطعة أيضا من قبل مدير الجلسة عقب 12 دقيقة.

إلا أن اغناتيوس قال في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن عدم منح اردوغان فرصة ثانية للتعليق يعود الى نفاد وقت الجلسة. وأوضح اغناتيوس: «ليس لدي إلا كل الاحترام لرئيس الوزراء التركي أردوغان الذي أكن إعجابا شديدا لجهود الوساطة التي يقودها في الشرق الأوسط. وأنا آسف لان الوقت نفد خلال الجلسة مما جعل من المستحيل على اي من المشاركين أن يأخذ فرصة ثانية للتعليق على ما دار فيها».

وحول الجو في القاعة خلال الجلسة وما إذا كان اغناتيوس قد استشعر إمكانية حدوث شيء كهذا وتأثير انسحاب أردوغان على العلاقات التركية –الإسرائيلية، قال اغناتيوس: «قضية غزة أثارت مشاعر ملتهبة عند جميع الأطراف. وكان من الواضح ان الجميع يتحدث بعاطفة حول الموضوع. في الحقيقة اعتقد ان رئيس الوزراء أردوغان في كلمته الأولى، بالرغم من انه تحدث عن القلق مما يحدث في غزة، إلا أنه تحدث ايضا عن التزامه بمواصلة الوساطة بين إسرائيل وسورية، وجهود دبلوماسية اخرى لتركيا. وأعتقد ان هذا مشجع جدا»، غير أن اغناتيوس اوضح أن الوقت وحده هو الذي سيوضح ما إذا كانت العلاقات بين تركيا وإسرائيل قد تأثرت ام لا. وتابع «علينا ان ننتظر لنرى. فالبرغم من أن نهاية الجلسة كانت عاصفة جدا، فإن ما قيل من تعليقات في نهاية الجلسة من قبل عمرو موسى أعطى أملا. فموسى قال ان ما حدث في غزة شيء فظيع لكننا نحتاج الى متابعة خطة السلام العربية التي قدمها الملك عبد الله ملك السعودية، ونحتاج الى ان نعمل مع المبعوث الاميركي للمنطقة جورج ميتشل لنرى ما إذا كان يمكننا إعادة عملية السلام الى طريقها. رئيس الوزراء أردوغان قال انه منزعج جدا مما حدث في غزة، لكن بالرغم من ذلك فإنه من المهم ان تستمر تركيا في جهودها الدبلوماسية. وأتمنى أن ما حدث في دافوس يذكرنا بأهمية عملية السلام.. أعتقد أن ما ستفعله تركيا ورئيس الوزراء التركي خلال الأشهر المقبلة سيكون حاسما فيما يتعلق بإمكانية عودة عملية سلام الشرق الأوسط إلى مسارها ثانية». من ناحيته، دعا موسى في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى محاصرة الأفكار الإسرائيلية الخاطئة التي تروج لها إسرائيل في كل مكان وآخرها في منتدى دافوس، مشيرا في المقابل الى ان وجهة النظر العربية «غير مطروحة دوليا». وأشار موسى الى ان منتدى دافوس يجب ان يستغل بشكل افضل. وتساءل امين عام الجامعة العربية: كيف يترك المجال لشخصيات إسرائيلية مسؤولة تتحدث دون الرد عليها؟. وتابع:«الجلسة كانت مهمة لأننا طرحنا فيها انا والامين العام للامم المتحدة كل ما يجب ان يفهمه العالم، والا يترك لإسرائيل الحبل على الغارب لتفعل ما تشاء». وكان موسى قد تحدث في تصريحات للتلفزيون التركى اول من امس عن اهتمام الغرب وإسرائيل بالديمقراطية في الوقت الذي عاقبوا فيه حماس بالحصار بعد انتخابات حرة، كما عوقبت بالتجويع ووصفت بانها منظمة ارهابية. وأوضح موسى: ان المسألة ليست ارهابا وانما هو احتلال والوقوف ضد الاحتلال وضد استهداف المدنيين وقتلهم. وتساءل موسى: كيف نفهم أن إسرائيل مهتمة بالسلام ومستعدة له في الوقت الذي يجتاح فيه جيشها الأراضي المحتلة ويرتكب كل الجرائم. وطالب امين عام الجامعة العربية إسرائيل برد «رسمي مكتوب» على مبادرة السلام العربية وإلا يكون حديث إسرائيل عن المبادرة مجرد تصريحات صحفية. كما وصف موقف إسرائيل من مبادرة السلام العربية بمجرد كلام في الهواء. وقال موسى ان وجهة النظر الإسرائيلية غير سليمة ومليئة بالأخطاء والتزوير وبوجهات نظر لا يصح السكوت عليها. وتابع: «إن المداخلة التي قدمتها في 12 دقيقة ركزت على تصحح أخطاء بيريس الذي ادعى ان عدوان إسرائيل كان رد فعل على حماس وأهل غزة وهذا غير صحيح والأساس هو الاحتلال العسكري لغزة والمقاومة وهى حق لكل الشعوب المحتلة». وأوضح موسى أن المداخلة الخاصة بأردوغان كانت دعوة لإعادة النظر في سياسة المجتمع الدولي الذي ينحاز دائما إلى إسرائيل. وأضاف موسى: أن بيريس وجد نفسه محاصرا بحجج قوية جدا وذكر انه لا بد من توضيح مواقف العرب للعالم حتى لا تختلق إسرائيل القصص والأكاذيب. وحول المباحثات التي أجراها في السعودية أمس مع خادم الحرمين الشريفين، قال موسى لـ«الشرق الأوسط»: لقد تحدثت في كل شيء. واتفقنا على التحرك الفوري والسريع خلال الأيام المقبلة. تناولت المباحثات في السعودية تفعيل قرارات قمة الكويت بشان غزة، وبحث كل الجوانب التي تتعلق بتثبيت وقف إطلاق النار، وتحقيق المصالحة بين الفصائل الفلسطينية ودعم الجهود المصرية وتأييد المبادرة الرامية إلى وقف إطلاق النار وتثبيته وذلك استكمالا لقرار وقف إطلاق النار الذي أصدره مجلس الأمن برقم 1860 . وأضاف موسى: كما استعرضت مع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز اعداد الملف القانوني بتوثيق الجرائم الإسرائيلية المرتكبة في عدوانها على غزة لرفعه إلى الهيئات القضائية المتعلقة بمحاكمة مجرمي الحرب والنظر في التعامل العربي مع إسرائيل وتفعيل قرارات المقاطعة الاقتصادية العربية. وتابع أمين عام الجامعة العربية: كما بحثنا جهود الإغاثة والعون الإنساني وتقديم المساعدات العاجلة للقطاع، ومناقشة تمويل صندوق اعمار غزة الذي أقرته قمة الكويت، وذكر موسى انه بحث كذلك تكثيف الاتصالات مع الإدارة الأميركية الجديدة بشأن قضايا السلام في الشرق الأوسط. كما أشار موسى الى أنه تحدث مع خادم الحرمين حول التحركات العربية للمصالحات الفلسطينية، والإعداد لقمة عربية ناجحة تعقد في الدوحة نهاية شهر مارس (آذار) المقبل تخرج بقرارات قوية تخدم الواقع والمستقبل العربي. يذكر أن هذه هي اول مرة تتعرض فيها العلاقات التركية – الإسرائيلية لهزة كبيرة منذ وقع البلدان اتفاقا امنيا خاصا عام 1996 عزز العلاقات الاستراتيجية بين البلدين. وفي انقرة، قال السفير الإسرائيلي جابي ليفي انه يعمل مع السلطات المحلية لإصلاح العلاقات. وتوقع تحسن العلاقات بعد الانتخابات المحلية المقررة الشهر القادم في تركيا. ويعتقد بعض المحللين أن اللغة التي استخدمها أردوغان بخصوص غزة تهدف لتعزيز شعبية حزب العدالة والتنمية لدى الناخبين المؤيدين للفلسطينيين.

ويأتي ذلك فيما أشادت الصحافة السورية بسلوك أردوغان، بينما هاجمت عمرو موسى لاستكماله الجلسة بعد مغادرة رئيس الوزراء التركي. وقالت صحيفة «الثورة» السورية الحكومية في افتتاحيتها الأسبوعية بعنوان «خريف دافوس»، إن أزمة ملتقى دافوس الاقتصادي لم تبدأ مع «الموقف السياسي النبيل لرئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان، ولا مع سكوت شهود الزور من الحاضرين العرب على ما جرى». وقالت الصحيفة إن ملتقى دافوس «ترنح أمام كلمات أردوغان التي تبصرهم بالحقيقة، فحاولوا إسكاته؟! إنه خريف العمر».

وانتقدت الصحيفة الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى، دون أن تسميه، بقولها: «ربما مضغوا ما قاله بيريس في 25 دقيقة كذب لتبرير الإرهاب والجريمة ، لكنهم لن يهضموه ، ليس فقط بسبب أفئدة ومشاعر مئات ملايين العرب والمسلمين الذين ستجد فيهم أقزاما مقابل عملقة أردوغان».

من جانبها قالت صحيفة «الوطن» السورية شبه الرسمية إن السؤال هو «هل يمكن لنا نحن أن نساعد رئيس الحكومة التركي؟ وهل لنا أن نهيئ له مناخا يسمح بالقول: إن الرجل لم يكن طيبا وشهما فحسب، بل كان سياسيا ناجحا ومدركا لقدرته على تحقيق مصالح تركيا وأصدقائها حتى عبر بوابة الصدق التي فتحها وأدهشتنا حتما». وكانت شاشات التلفزيون السوري وتلفزيون الدنيا «الخاص» إضافة إلى محطات تلفزيون لبنانية موالية لسورية أشادت بسلوك أردوغان وعابت على موسى بقائه في المنتدى وعدم دعمه لأردوغان في خطوته.

وفيما قامت مجموعة من الفنانين والمثقفين السوريين بوضع الزهور أمام السفارة التركية بدمشق، أرسل رئيس مجلس الوزراء السوري محمد ناجي عطري برقية إلى نظيره التركي عبر فيها عن تقدير سورية «حكومة وشعبا» لهذا الموقف الذي وصفته البرقية بـ«الأبي الرافض للظلم والعدوان». وقال عطري إن هذا الموقف «ينم عن أصالة الشعب التركي الشقيق ومواقفه الداعمة للقضايا العربية ويجسد في دلالته عمق الروابط والصلات الإستراتيجية التي تسير عليها سورية وتركيا في توطيد تعاونهما المشترك بما يعبر عن مكانتهما الإقليمية ودورهما المحوري والفاعل تجاه قضايا المنطقة».