محامي خالد شيخ: التقيته خلف القضبان 28 مرة خلال 8 أشهر.. وبعضها استغرق ساعات

ديفيد نيفين قال لـ«الشرق الأوسط»: 60% معدل الانتكاس في سجون أميركا.. وبهذا المقياس تعتبر عملية تأهيل المعتقلين في السعودية فعالة للغاية

ديفيد نيفين على مدرج المطار العسكري في غوانتانامو («الشرق الأوسط»)
TT

يعتبر ديفيد نيفين المحامي الأشهر في غوانتانامو، فهو مكلف بالدفاع عن أخطر معتقل في العالم، وهو خالد شيخ محمد منسق هجمات سبتمبر، والرجل الثالث في القاعدة، المحتجز حاليا في المعسكر السري السابع. وعندما التقيت المحامي الأميركي ديفيد نيفين أمام بوابة المحاكم العسكرية الشهر الماضي، قبل ان يغلقها الرئيس اوباما لمدة 120 يوما، في أول قرار له بعد 24 ساعة من تنصيبه، كان في منتهى الأناقة، يرتدي بدلة زرقاء بخطوط رفيعة بيضاء ورابطة عنق فاتحة اللون، وكان متجهما بعض الشيء منشغلا بالحديث مع زملائه من المحامين في الإعداد لصيغة المرافعات قبل مثوله أمام القاضي العسكري الكولونيل ستيف هانلي. وفي داخل قاعة المحكمة جلس المحامي نيفين الى جانب خالد شيخ محمد أو «ك.اس.ام»، كما يلقب في غوانتانامو بين الحراس والمحامين وممثلي الادعاء، كان يبدو أن هناك نوعا من الثقة والمودة والاحترام بين الرجلين، وبدا خالد شيخ ممتلئا بعض الشيء، بلحية طويلة تميل للبياض ونظارة سميكة، وكان يداعب لحيته بأنامله خلال الجلسة، ويتبادل الابتسامات مع زملائه المتهمين في الجلسة. وارتدى خالد شيخ ثوبا أبيض وعمامة بيضاء، وكان لا يتوقف عن مقاطعة القاضي بين الحين والآخر، وجلس خلفه اليمني وليد بن عطاش، وكان يضع على رأسه شالا اسود، ثم خلفه رمزي بن الشيبة، وكان يرتدي «جلابية» بيضاء ويعتمر طاقية سوداء، وكان كثير الابتسام ويبدو سعيدا. وكان الإعلاميون الغربيون الذين جلسوا بجانبي في الغرفة الزجاجية مع رسامة المحكمة جانيت هاملين لمتابعة محاكمة الخمسة الكبار، يتحدثون عن محامي «ك.إس.إم» بكثير من الاحترام والتقدير. وفي مساء الليلة ذاتها التقيت المحامي نيفين في المطعم الايرلندي بقاعدة غوانتانامو، وكان يرتدي تي شيرت وشورت، وبدا أكثر ابتهاجا وانبساطا وهو يحتفل بعيد ميلاد صديقه المحامي العسكري الميجور جون جاكسون، من البحرية الأميركية، في حديقة المطعم. قدمت له نفسي وبطاقتي، وطلبت إجراء حوار معه، وفاجأني بابتسامة عريضة قائلا إن موكله يقرأ بعض مقالات «الشرق الأوسط»، وفي يوم العودة من غوانتانامو على طائرة النقل العسكرية «سي 17» المتجهة إلى قاعدة أندروز الجوية بواشنطن، التقطت له بعض الصور. وجاء الحوار على النحو التالي:

* هل يمكن أن تخبرنا القليل عن نفسك.. نوعية القضايا السابقة التي ترافعت فيها مثلا؟ - أنا محامي دفاع جنائي من بويز، بولاية إيداهو الجبلية، في شمال غرب الولايات المتحدة. وأعمل في قضية خالد شيخ محمد مع شريكي سكوت ماك كاي، ومستشار الدفاع العسكري المتخصص المقدم مايكل أكوف. متزوج ولدي ولدان، أحدهما في الجامعة، والثاني أنهى تعليمه الجامعي مؤخرا، ويعمل في مجال الدفاع الجنائي في سان فرانسيسكو. وأعمل في مجال القضايا الجنائية داخل الولايات المتحدة منذ حوالي 30 عاما، كما أنني عملت في كثير من القضايا، منها تلك الخاصة بتجاوزات الحكومة، والحريات المدنية، ومنها قضايا الأمن القومي. وقبل بضع سنوات ماضية، مثّلت أنا وماك كاي، المواطن السعودي سامي عمر الحصين، الذي ثبتت براءته من تهم تتعلق بالإرهاب، عقب محاكمة فيدرالية طويلة. وكان الحصين يعيش في الولايات المتحدة، لدى سعيه للحصول على الدكتوراه، ثم عاد بعد ذلك إلى السعودية حيث يعيش هو وزوجته وأطفاله.

* ما رأيك في خالد شيخ محمد، وكم عدد المرات التي جلست فيها معه على انفراد؟ - التقيت «ك.إس.إم»، أو موكلي خالد شيخ محمد، حوالي 25 مرة على مدار الـ8 أشهر الأخيرة، وفي كل مرة كانت المقابلة تستمر عدة ساعات. ولسوء الحظ، لا يمكنني ان اقول إلا أشياء قليلة للغاية مما حدثني به، ويرجع هذا إلى قوانين الأمن الصارمة، علاوة على الامتياز بين الوكيل ومحاميه. وكما تتفهم بالطبع، سيجعلني هذا غير قادر على إجابة عدد من الأسئلة التي ستطرحها.

* هل تواصلت معه مباشرة أم عبر مترجم؟

- استخدمت كلا الوسيلتين، كما شاهدتم من رؤية خالد شيخ محمد داخل المحكمة، فهو يتحدث الإنجليزية العامية، أما المترجم فمفيد إلى حد كبير.

* مثّل خالد شيخ محمد نفسه في المحكمة، فهل رحب بمشورتك القانونية؟ - للأسباب التي أوضحتها آنفا، لا يمكنني التعليق على هذا.

* رأيناه داخل المحكمة ذا شخصية كاريزمية، كما رأينا أن لديه تأثيرا على زملائه من المدعى عليهم، فهل تتفق مع هذا؟ - للأسباب التي ذكرتها آنفا، لا يمكنني التعليق على هذا أيضا.

* أطلعتني أن ثمة خطأً في الترجمة الخاصة بموكلك في المحكمة.. ولكن ما هو الصحيح الذي نطقه خالد شيخ محمد؟

- أوردت الصحف على لسان خالد شيخ نقاشا حول ما إذا كانت هناك حاجة إلى إعادة صياغة الاتهام من جديد، بسبب خطأ فني من قبل الضابطة العسكرية سوزان كرافورد، مسؤولة البنتاغون المنوط بها تحديد من يمكن أن يخضع للمحاكمة في غوانتانامو: «أنا العقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر (أيلول)، وليس أسامة بن لادن». وبالرغم من هذا الخطأ، حكم القاضي بأن تأخذ القضية مسارها. ومن منطلق فهمي، في الواقع قال محمد «لم أذكر أبدا أنني (العقل المدبر) لعملية 11 سبتمبر (أيلول). وان عملية 11 سبتمبر نبتت في خلد الشيخ أسامة بن لادن، حفظه الله».

* ما هي نوعية الكتب والصحف التي يقرأها خالد شيخ محمد في غوانتانامو؟

- ليس مسموحا لي أيضا الحديث عن ظروف احتجاز محمد.

* نعرف أنك مشهور، ولكن هل تعزي هذا إلى الدفاع عن خالد شيخ محمد؟ - لا أعرف إذا كنت مشهورا أم لا، وأترك الإجابة عن هذا التساؤل إلى الآخرين.

* هل أنت سعيد للإغلاق المرتقب لمعتقل غوانتانامو، وماذا تعتقد أن يحدث بعد 120 يوما؟ - شعرت براحة فعلية من وفاء الرئيس باراك أوباما بتعهده بإغلاق غوانتانامو، بالإضافة إلى السجون التي تستخدمها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، فلا يتعين أبدا أن تسيء أميركا للمعتقلين، سواء كان هذا في غوانتانامو أو في أي مكان آخر. كما لا يتعين أبدا الزج بالمعتقلين في الحبس الانفرادي لسنوات دون توفير السبل القانونية لهم للطعن في اعتقالهم. وما كان يجب علينا أيضا محاولة إعدام المعتقلين بموجب نظام قانوني معيب يُعرف باسم اللجان العسكرية. لقد ألحق غوانتانامو، بصورة خاصة، والمعاملة التي تلقاها المعتقلون خلال ما سمي «الحرب على الإرهاب»، بصورة عامة، شديد الضرر بسمعة الولايات المتحدة. ونحن نحاول إعادة بناء هذه السمعة، وتتمثل أول خطوة للقيام بهذا في إغلاق غوانتانامو، والتعهد بألا يحدث هذا مجددا. وللأسف، لا أعلم بالضبط ما الذي سيحدث بعد 120 يوما، ويخامرني شعور بأن الرئيس أوباما ومستشاروه ما زالوا يحددون هذا.

* لاحظنا في المحكمة أن موكلك زاد وزنه، فإلى ماذا تعزو هذا؟

- لا أعتقد أن ملاحظتك صحيحة.

* على ضوء قضية موكلك، هل سعيت لتعلم اللغة العربية، أو معرفة الثقافة العربية أكثر؟ - سيكون شرف عظيم أن أتعلم اللغة العربية، كما أن أحد أبنائي درس اللغة العربية في الجامعة، بناء على اقتراحي. ولسوء الحظ، نظرا لممارستي مهنة المحاماة طوال الوقت، من المحتمل أن يكون تعلم اللغة العربية، التي تعتبر مختلفة تماما عن لغتي الإنجليزية الأم، أمرا خارج الحسبان بالنسبة لي. وينبع اهتمامي باللغة العربية من عدة أمور، وليس هذه القضية فقط. إنني مهتم أيضا بالإسلام وبثقافة، وتاريخ، وسياسات الشرق الأوسط، وأتناول هذه الموضوعات في قراءاتي بشكل متكرر. ولدي عدد من الأصدقاء في دول الشرق الأوسط، ومنها السعودية، وآمل أن أزورها قريبا.

* ما الذي تعلمته عن الثقافة العربية، أو عن الإسلام من خالد شيخ محمد؟ - كما أشرت آنفا، لا يمكنني التعليق على هذا. * بالنسبة لك وللمحامين بصورة عامة، ونظرا للقيود المفروضة على غوانتانامو، هل تجد أن هذه القضية مرهقة أكثر من غيرها؟

- هذا سؤال مشوق للغاية، لقد اضطرنا الأمر، أنا وماك كاي، إلى السفر، يومين في كل مرة، لزيارة محمد في غوانتانامو. وأمضينا قدرا كبيرا من الوقت جلوسا في المطارات والطائرات، على مدار الثمانية أشهر الأخيرة. كما أن غوانتانامو من الأماكن الصعبة التي يمكن أن تنجز فيها الأعمال القانونية، وهذا مرده إلى شدة الحراسة، والقيود المفروضة، بالإضافة إلى ظروف العمل والحياة البدائية نسبيا هناك. وخدمة الدخول على الإنترنت هناك متقطعة، شأنها شأن خدمة الهاتف. هذا فضلا عن أن الإمدادات المكتبية ليست متاحة فعليا، وفريق مساندة الأعمال هناك يعد ضئيلا للغاية. ونتناول طعامنا في مطابخ بعيدة للغاية عن أماكن المعيشة أو العمل، كما كنا نقيم في مقطورات صغيرة جدا وقاسية على ممرٍ لمطار قديم، إذا لم نكن نقيم في الخيام. ولم يتم توفير التصاريح الأمنية لكثير من أعضاء فريقنا القانوني، ومن ثم لم يكن بمقدورهم القدوم إلى غوانتانامو. ومن المعروف أن منطقة غوانتانامو موجودة في أقصى الجنوب الشرقي من كوبا، وهي منطقة جميلة من أوجه عدة؛ ففي هذا المكان تلتقي الصحراء بالبحر، ولكن من ناحية أخرى، كان من المحبط للغاية عدم توافر الأماكن الكافية للعمل. بالإضافة إلى هذا، تسببت الإجراءات الأمنية المشددة في جعل مساعدة خالد شيخ محمد أمرا بالغ الصعوبة، وذلك على أساس أن المعلومات التي زودنا بها لا يمكن استخدامها بسهولة ويسر للتواصل مع الشهود أو التحقيق في الاتهامات الحكومية. وقلت في المحكمة في اليوم التالي إن هذه القيود المفروضة تجعل من المستحيل علينا ممارسة القانون، وكنت أقصد هذا فعليا.

* ماذا تعتقد أن تكون نتيجة هذه القضية؟

- لا يمكنني سوى التعبير عن آمالي بالنسبة للمستقبل بأن يأتي اليوم الذي يصبح فيه العالم مكانا أفضل، ومن المحتمل أن تساهم طريقة تناول ومعالجة هذه القضية في هذا الأمر. ولكن ليس مع اللجان العسكرية في غوانتانامو.

* وأخيرا، هل يقرأ موكلك صحفا عربية؟

- نوفر له، بين الفينة والأخرى، مقالات من صحيفة «الشرق الأوسط»، كما أنني أقرأها بنفسي كثيرا (باللغة الإنجليزية). وبالمناسبة، فقد كنت مهتما بمقالك أول من أمس، تحت عنوان «مخاوف لدى البنتاغون من عودة معتقلي غوانتانامو السابقين إلى القاعدة». وأعتقد أنني سأشير إلى أنه من المسلّم به بصورة عامة أن معدلات الانتكاس في سجون الولايات المتحدة حوالي 60%، وبهذا المقياس، تعتبر عملية إعادة الاندماج في السعودية فعالة للغاية. ديفيد نيفين .. من قضية سامي الحصين إلى خالد شيخ

* ترافع ديفيد نيفين في قضايا جنائية في جميع أنحاء الولايات المتحدة طوال ما يقرب من 30 عاما. وقد حصل على البراءة لموكليه في عدد من القضايا الكبرى التي تضمنت قضايا الحقوق المدنية والتجاوزات الحكومية، ومنها قضية روبي ريدج عام 1993، وقضية طالب الدراسات العليا السعودي سامي عمر الحصين عام 2004.

وفي جزء من مشروع جون آدامز التابع لاتحاد الحريات المدنية الأميركي، يمثل نيفين في الوقت الحالي خالد شيخ محمد، أحد «المحتجزين المهمين» في معتقل غوانتانامو في كوبا.

وقد حصل نيفين على جائزة المحامي المتميز من نقابة المحامين في ولاية إيداهو عام 2008. وجاء اختياره للفوز بالجائزة «اعترافا بالأعوام التي خدم فيها العامة والعمل القانوني في ولاية إيداهو» وقد حاز جائزة كلارنس دارو من اتحاد الحريات المدنية الأميركي في إيداهو، من أجل دفاعه عن سامي الحصين.

وقد أسس نيفين جمعية إيداهو للمحامين في مجال الدفاع الجنائي، وكان رئيسا لها في الماضي، وسميت جائزة نيفين للمحاماة باسمه، وتمنحها الجمعية سنويا لمحامي دفاع جنائي يعزز من المثل العليا للمهنة. وقد حصل نيفين مرتين على جائزة رئيس الجمعية.

بالإضافة إلى ذلك، يحمل نيفين لقب زميل، وهو رئيس قسم سابق في الكلية الأميركية لمحاميي المحاكم، ويعمل أستاذا مساعدا في المرافعات في كلية القانون في جامعة إيداهو، ويُدرّس أيضا في المعهد الوطني للمحاماة. وهو المدير المساعد في المجلس الاستشاري القانوني لمشروع براءة إيداهو. وهو رئيس مجلس إدارة محاميي الغرب، وهي شركة حماية قانونية لا تستهدف الربح، تستخدم قوانين البيئة من أجل حماية الأنهار الغربية والأراضي العامة والحياة البرية. وهو أيضا الرئيس المساعد للجنة تكنولوجيا التقاضي في الجمعية الوطنية لمحاميي الدفاع الجنائي. وهو محاضر في عدة أماكن، وكاتب في مجالات المرافعات والقانون الجنائي والحقوق المدنية.

وقد تناول كتاب «كناري السينايد» لهيلد فورد ودوغوني، دفاع نيفين عن آلان إلياس في قضية جرائم بيئية. وبحث كتاب «الإسلام الأميركي: صراع من أجل روح الدين» لبول باريت، في دفاعه عن الحصين. بينما تناولت كتب «يجب أن يركع الجميع»، لجيمس والتر، و«كمين في روبي ريدج» لألان بوك، و«محامو الشيطان» لميتشل كالدويل، العمل الذي أنجزه في قضية روبي ريدج.

ويحتل نيفين مرتبة بين أفضل 75 محاميا في الولايات الجبلية، وقد وضعته مجلة لودراغون في مرتبة بين أفضل 500 محامٍ في البلاد. وقد تخرج نيفين في جامعة ولاية كولورادو بدرجة الليسانس في الأدب الإنجليزي عام 1974، وتخرج أيضا في كلية القانون في جامعة إيداهو عام 1978. وبعد ذلك عمل مدرسا في كلية القانون في جامعة توليدو في أوهايو، وعمل كاتبا لدى جوس ماكفادين القاضي في محكمة إيداهو العليا. وكان نائبا للمحامي العام في مقاطعة أدا في بويس في إيداهو، قبل أن ينشئ شركته الحالية عام 1983.