خطة أوباما لمكافحة الإرهاب

أغلقت السجون السرية ومنعت وسائل الاستجواب العنيفة وأبقت على برنامج «الاختفاء القسري»

TT

يجرى حاليا إغلاق السجون السرية التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية؛ وأصبحت وسائل الاستجواب العنيفة ممنوعة؛ وأخيرا سيعود خليج غوانتانامو قاعدة بحرية في الركن الجنوب الشرقي من كوبا. ومع ذلك، ففي الوقت الذي يقوم فيه الرئيس أوباما بإنهاء هذه البرامج، فإنه قد ترك وسيلة لمكافحة الإرهاب يكتنفها نفس القدر من الجدل، دون أن يغير فيها شيئا.

فحسب الأوامر التنفيذية التي أصدرها أوباما أخيرا، سيكون لوكالة الاستخبارات المركزية سلطة القيام بما يعرف باسم «الاختفاء القسري». وهذا الاختفاء هو عمليات الاختطاف السرية، ونقل السجناء إلى دول تتعاون مع الولايات المتحدة. ويقول مسؤولون في الاستخبارات الأميركية حاليا وآخرون سابقون «إن برنامج الاختفاء القسري قد يلعب دورا موسعا في المستقبل، لأنه الوسيلة الرئيسة الباقية لتغييب الإرهابيين المشتبه فيهم، بعيدا عن الهجمات الصاروخية باستخدام طائرات دون طيار». وقد أصبح برنامج الاختفاء القسري مصدر إزعاج لوكالة الاستخبارات المركزية، وسببا في انتقاد دولي، حيث ظهرت تفاصيل في الأعوام الأخيرة تشير إلى عمليات أَسْر تشوبها بعض العيوب، واعتقال أشخاص بطريق الخطأ، بالإضافة إلى مزاعم عن نقل السجناء إلى دول تعرضوا فيها للتعذيب. وقد أدان البرلمان الأوروبي عمليات الاختفاء القسري، ووصفها بأنها «وسيلة غير قانونية تستخدمها الولايات المتحدة». وقد سعى السجناء ـ الذين جرت لهم عمليات اختفاء قسري ـ إلى مقاضاة وكالة الاستخبارات المركزية وشركة تابعة لـ «بوينغ» لاشتراكها في العشرات من عمليات النقل الجوي لأشخاص ضمن برنامج «الاختفاء القسري». ولكن، يبدو أن إدارة أوباما قد رأت أن برنامج الاختفاء القسري من الوسائل التي استخدمتها إدارة بوش في الحرب على الإرهاب، التي لا يجب التخلص منها. ويشير القرار إلى حقيقة أن الحرب على القاعدة وغيرها من التنظيمات الإرهابية بعيدة جدا عن نهايتها، وأنه إذا كانت الولايات المتحدة سوف تغلق السجون، فإن ذلك لا يعني أنها لن تأخذ سجناء. وقال مسؤول في إدارة أوباما، اشترط عدم ذكر اسمه «من الواضح أن هناك حاجة للإبقاء على بعض الوسائل، فما زال عليك السعي وراء بعض الأشرار. والمستشارون القانونيون الذي يعملون في هذا المجال قد نظروا إلى الاختفاء القسري الذي يثار حوله الجدل في بعض الدوائر، وقد تسبب في عاصفة كبرى في أوروبا، ولكن إذا تم تطبيقه في إطار عوامل معينة، فسوف يكون مقبولا».

ويبدو أن إحدى الفقرات في قرار أوباما تدعو إلى الإبقاء على إمكانية قيام وكالة الاستخبارات المركزية باعتقال واستجواب المشتبه في ضلوعهم في أعمال إرهابية، طالما أنه لا يُبقَى عليهم في الحبس لفترة طويلة. وتنص الفقرة على أن التعليمات بإغلاق مواقع السجون السرية التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية «لا تشير إلى المنشآت التي تستخدم فقط لسجن أشخاص على المدى القصير بصورة مؤقتة». وعلى الرغم من المخاوف التي تحيط بالاختفاء القسري، يمكن أن يدفع الحظر الذي فرضه أوباما على الوسائل الأخرى لمكافحة الإرهاب الضباط الاستخباراتيين إلى اللجوء بصورة متكررة إلى الوسيلة «المؤقتة». ولم يجذب القرار بالإبقاء على البرنامج احتجاجات كبيرة، حتى فيما بين منظمات حقوق الإنسان. وقد أرجعت القيادات في هذه المنظمات ذلك إلى إحساس بأن الدول في حاجة إلى استخدام وسائل معينة لمحاربة الإرهاب. ويقول توم مالينوسكي، وهو مدير منظمة «هيومان رايتس ووتش» في واشنطن «طبقا لظروف محددة، يكون هناك مكان شرعي ما رأيته واضحا وجليا في أمر الرئيس، هو أنهم يريدون ابتكار نظام لا يفضي إلى إرسال الناس إلى سجون أجنبية كي يُجرى تعذيبهم هناك، ولكن الوصول إلى هذا النظام يحتاج إلى بعض الوقت».

ويقول مالينوسكي إنه ناقش إدارة أوباما في النص على أن السجناء يمكن نقلهم إلى دول أخرى، حيث يكفل لهم جلسة استماع علنية في محكمة رسمية. ويضيف: «يعد إحضار سجين أمام محكمة حقيقية إجراء وقائيا هاما ضد التعذيب والمعاملة السيئة والاختفاء».

وقال مخضرمون في شؤون وكالة الاستخبارات المركزية ذوو صلة بعمليات «الاختفاء القسري» إن البرنامج مهم، ولكنه ذو فائدة محدودة في جمع المعلومات الاستخباراتية. وقالوا إنه يستخدم ـ في الأساس ـ مع المشتبه في ضلوعهم في الإرهاب، الذين ُينظر إليهم على أنهم غير ذوي أهمية كبيرة تدفع وكالة الاستخبارات المركزية للإبقاء عليهم. ويقول مسؤول بارز سابق في وكالة الاستخبارات، اشترط عدم ذكر اسمه، بسبب حساسية الموضوع «السبب في قيامنا بالاستجواب (بأنفسنا) هو أن عمليات الاختفاء القسري كانت غير مثمرة في معظم الأحيان».

ويضيف المسؤول «إن المعلومات الأكثر قيمة عن تنظيم القاعدة كانت تأتي من السجناء الذين تبقي عليهم وكالة الاستخبارات المركزية ويستجوبهم خبراء تابعون للوكالة. فبمجرد أن يتم تسليم السجناء إلى مصر، أو الأردن، أو أي مكان آخر، تكون للوكالة سلطة محدودة على كمية المعلومات الاستخباراتية التي يحصلون عليها، وعلى طريقة التعامل مع السجناء، وما إذا كان سيُطلق سراحهم فيما بعد، أم لا». ويقول المسؤول السابق «في بعض الحالات، يعد (الاختفاء القسري) أسوأ الخيارات، فإذا كانوا في أيادٍ أميركية، فهناك الكثير من عمليات الفحوص والأطباء والمحامين، وبمجرد تحويلهم إلى مكان آخر؛ تُفقد السيطرة».

وقد أسس الرئيس أوباما في أمره التنفيذي بشأن الاستجوابات القانونية قوة مهمة لإعادة النظر في الاختفاء القسري، للتأكد من أنها «لا تفضي إلى نقل الأفراد إلى دول أخرى يتم تعذيبهم فيها»، أو تكون تحايلا على قوانين ومعاهدات حقوق الإنسان. وتؤكد وكالة الاستخبارات المركزية على أنها لا تقوم بتسليم السجناء إلى دول أخرى دون الحصول أولا على تأكيدات بأن المعتقلين لن يعاملوا معاملة سيئة. ومع ذلك، فقد كان برنامج الاختفاء القسري محل انتقاد عنيف خلال إدارة بوش، بعد أن ظهرت على السطح سلسلة من القضايا. في إحدى المواقف الشهيرة، ألقي القبض على مواطن ألماني اسمه خالد المصري في مقدونيا في عام 2003، ونقلته وكالة الاستخبارات المركزية سريعا إلى سجن سري في أفغانستان. وأطلق سراحه سرا في ألبانيا بعد خمسة أشهر، بعد أن قررت الوكالة أنها حسبت ـ بطريق الخطأ ـ أن المصري صديق أحد الخاطفين الذين شاركوا في هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001. ووصف المصري كيف خُطف من قبل «سبعة أو ثمانية رجال يرتدون ملابس سوداء وأقنعة سوداء أيضا». وقال إنه جُرِّد من ثيابه وعُمّي قبل نقله بالطائرة وهو في القيود. ويتفق ذلك مع ما قاله سجناء آخرون أُلقي القبض عليهم في إطار برنامج «الاختفاء القسري».

* خدمة «نيويورك تايمز»