توتر العلاقات بين المغرب وإسبانيا لم يفتر منذ نصف قرن

الهجرة والمخدرات والسمك والصحراء وجزيرة ليلى.. أهم ما يعكر صفوها

TT

تشبه العلاقات المغربية الإسبانية صخرة سيزيف، ما ان يتم الصعود بها إلى قمة جبل، إلا وتعاود التدحرج من جديد، ليتم الصعود بها مجددا إلى القمة، أو على الأقل محاولة إعادتها إلى مكان ما من الجبل.

ومنذ أن تم الإعلان عن استقلال المغرب سنة 1956 وحتى الآن، والعلاقات المغربية الإسبانية اجتازت الكثير من المراحل الصعبة، وكانت أكبرها قضية الصحراء منتصف عقد السبعينات من القرن الماضي، وأخطرها المواجهة الدبلوماسية الحادة بين البلدين، صيف 2002، التي وصلت حد المواجهة المسلحة المباشرة.

غير أنه بعد حوالي 35 سنة من ظهور قضية الصحراء بين المغرب وإسبانيا، واستعادة المغرب لهذه المنطقة بعد تنظيم المسيرة الخضراء سنة 1975، فإن الكثير من المشاكل والقضايا العويصة أصبحت تنبت في طريق البلدين، ليس أولها قضية المدن والثغور المحتلة في شمال المغرب من طرف إسبانيا، وليس آخرها قضايا المخدرات والهجرة السرية والإرهاب.

وإذا كانت قضية الصحراء، وهي أول مشكلة كبيرة بين البلدين، انتهت مبكرا بين البلدين، إلا أن قضايا أخرى كثيرة طفت على سطح هذه العلاقات، كانت أبرزها قضايا تهريب المخدرات والهجرة السرية.

وعلى الرغم من مغادرة الجيش الإسباني للصحراء، التي يقول المغرب إنه استرجعها وفق المعاهدات والمواثيق الدولية، إلا أن إسبانيا ظلت تحتل جيوبا وثغورا في شمال البلاد، في المنطقة التي كانت تفرض حمايتها عليها منذ 1912، وخصوصا مدينتي سبتة ومليلية، وعددا من الجزر القريبة من السواحل الشمالية للمغرب.

ومنذ أوائل عقد الثمانينات، بدأ المغرب وإسبانيا يواجهان آفة واحدة هي تهريب المخدرات التي تنبت في حقول شاسعة من شمال المغرب، ويتم تهريبها نحو الجنوب الإسباني. ومع أن هذه الظاهرة كانت وقتها محدودة جدا، إلا أنها تحولت مع مرور الوقت إلى مشكلة عويصة وحقيقية، وفي كثير من الأحيان لعبت دورا أساسيا في تسميم علاقات البلدين.

هذه الظاهرة ازدادت حدة مع بداية عقد التسعينات، حيث ظهرت مئات الشبكات المختصة في تهريب الحشيش من شمال المغرب إلى جنوب إسبانيا، واكتسبت هذه الشبكات احترافية كبيرة في التعامل مع مختلف الظروف، بل إن هذه الشبكات اكتسبت علاقات قوية داخل الإدارات والأمن، خصوصا في المغرب، مع أنها أيضا استطاعت بشكل بارز اختراق أجهزة أمنية وإدارية في إسبانيا، على الرغم من أن الفارق بين البلدين في هذا المجال يبدو كبيرا.

وفي الوقت الذي كانت إسبانيا ووسائل إعلامها تتهم المغرب بغض الطرف عن هذه الأنشطة، فإن المغرب كان يرد دوما بأن الشبكات الإسبانية تلعب دورا كبيرا أيضا في تأجيج حمى هذا النشاط غير المشروع، وأن السلطات الإسبانية بدورها تتغاضى عن عشرات أو مئات من المهربين من مختلف الجنسيات، الذين يستقرون في أراضيها، وفي كثير من الأحيان تمنحهم جنسيتها وتشملهم بحمايتها.

وفي نفس الفترة تقريبا التي عرفت فيها عمليات تهريب المخدرات ازدهارا ملحوظا، ظهرت إلى الوجود ظاهرة جديدة هي قوارب الموت، حيث بدأت مئات القوارب الخشبية الصغيرة في عبور مضيق جبل طارق متوجهة نحو الضفة الشمالية للمضيق، واستقبلت إسبانيا في ظرف سنوات قليلة عشرات الآلاف من المهاجرين السريين.

وتسببت هذه الظاهرة الجديدة في قلق مزمن للسلطات الإسبانية، التي اتهمت المغرب باستمرار بالتغاضي عن أنشطة شبكات التهجير السري، التي جنت ملايين الدولارات من وراء هذا التهريب البشري الجديد.

وعلى الرغم من أن المغرب استطاع الحفاظ على علاقات متوازنة مع إسبانيا حتى في أحلك الفترات، خصوصا في الفترة التي كان الاشتراكيون الإسبانيون على رأس السلطة في مدريد، إلا أن وصول الحزب اليميني الشعبي إلى الحكم منتصف عقد التسعينات دفع بالعلاقات بين البلدين إلى أتون توتر غير مسبوق، وتحول خوسي ماريا أثنار، رئيس الحكومة الإسبانية ( 1996 - 2004) إلى العدو رقم واحد للمغرب، خصوصا بعد الأزمة الكبيرة التي اشتعلت بين البلدين بفعل الصراع على جزيرة ليلى في مضيق جبل طارق.

وبين قضية الصحراء والهجرة السرية وتهريب المخدرات، فإن هناك قضايا أخرى أيضا لعبت دورا ملحوظا في توتير العلاقات بين البلدين، ومن بينها اتفاقية الصيد البحري.

ومنذ أن استقل المغرب، فإن أسطول الصيد الإسباني كان يتصرف في المياه المغربية وكأنها مياه بحرية تابعة لإسبانيا، واستمر الوضع كذلك، وفق اتفاقيات ثنائية، إلى حدود نهاية التسعينات، حين انتفض المغرب وقرر فرض شروط جديدة من أجل السماح لمئات من مراكب الصيد الإسبانية بالصيد في مياهه الإقليمية، وهو ما جعل المغرب محط نقمة كبيرة من جانب السلطات الإسبانية ووسائل إعلامها ونقاباتها على السواء.

ويبدو أن المغرب وإسبانيا قد طبعا بشكل نهائي، مع جميع هذه المشاكل، إلى درجة أن مسؤولي البلدين، أصبحوا يملكون وصفات شبه جاهزة للتغلب على كل المشاكل الطارئة، وكان آخر مثال على ذلك هو الحملات الإعلامية المتبادلة بين البلدين عند اكتشاف شبكة لتهريب المخدرات في المغرب، تضم في صفوفها مسؤولين أمنيين وإداريين، وفي النهاية، تبادل المسؤولون المغاربة والإسبان عبارات المجاملة والتهاني بمناسبة تفكيك هذه الشبكة، وبقي الجميع ينتظر مشكلة أخرى، ومعها حل آخر طبعا.